فى يوم كان الجميع يحتفل بالذكرى الثانية لثورة ٢٥ يناير، وكنا نعتقد أنه سيمر مثل عامه الأول، لكن تفاجأ الجميع بظهور نوع جديد من الحركات الاحتجاجية على الساحة المصرية، وأعنى هنا حركة بلاك بلوك التى تمثل ظاهرة مستحدثة على المجتمع المصرى، ليس لكونها حركة احتجاجية، لأن صعود الحركات الاجتماعية فى مصر، بدأ منذ الانتفاضة الفلسطينية عام ٢٠٠٠، حيث زاد الحرك السياسى، وعزز من مسيرة الحركات السياسية التى ازدهرت مع تدشين حركة كفاية و٦ إبريل وغيرها من الحركات الاحتجاجية التى دافعت عن الحريات العامة وشتى القضايا السياسية، والتى استطاعت خلق الزخم الثورى، لإشعال الثورة المصرية، وهو ما عجزت عنه الأحزاب السياسية.
إذن لماذا حركة بلاك بلوك حركة مستحدثة فى مصر، والإجابة على هذا السؤال تستدعى منا الرجوع إلى الأصول الفكرية التى تقوم عليها حركة بلاك بلوك، ومقارنتها بما هو متعارف عليه فى مجتمعنا، ويجب هنا التذكرة ببعض الحقائق:
-إن بلاك بلوك Black Block جماعات منظمة لا سلطوية، يسارية، عنيفة، وترتبط بفكر الأناركية، وهى فلسفة سياسية ترى الدولة غير مرغوب فيها، حيث تؤمن بأن المجتمع يجب أن يدير نفسه بنفسه من خلال المنظمات التطوعية بلا حكومة ولا رئيس، أى حالة اللادولة، ولذلك أُطلق على هذا المذهب اسم الفوضوية Anarchism، حيث ترى الحركة أن الكون خلق من فوضى.
-إن أول ظهور للفوضويين كان إبان الثورة الفرنسية ١٧٨٩م، حيث أطلق على مجموعة راديكالية متطرفة تعارض وجود الحكومة والقانون والمُلكية، وكانت هذه بدايات لإرهاصات النظرية الفوضوية، والتى انتشرت مع صدور كتاب العدالة السياسية عام ١٧٩٣م للمفكر الإنجليزى ويليام جودوين الذى أعطى اعتباراً للفوضوية، لكنه رفض أساليبهم العنيفة أثناء الثورة الفرنسية، وجاء المفكر الفرنسى برودون متأثراً بـه، وهو أول من أعلن مذهب الفوضوية، وأول من أطلق على نفسه لقب فوضوى، وتميزت أفكاره هى الأخرى بالسلمية.
-مع طرح المفكر الروسى باكونين عام ١٨٧٦ برامج الفوضويين، انتقلت آليات الفوضوية من السلمية إلى اللاسلمية، وتسبب نشر أفكار الفوضوية فى قتل قادة الدول والمؤسسات الرأسمالية كالرئيس الفرنسى سادى كانو عام ١٨٩٤ ورئيس وزراء أسبانيا كاستيلو عام ١٨٩٧ والملك الإيطالى أومبيرتو عام ١٩٠٠ والرئيس الأمريكى مكينلى عام ١٩٠١، وذلك فى إطار سعى الفوضويين إلى إسقاط الدولة.
-فى مطلع القرن العشرين ازدهرت الفوضوية فى مجال النقابات الانقلابية فى أوروبا وأمريكا، كثورة اجتماعية لشل مفاصل الدولة وإسقاط الرأسمالية، وبلغت ذروة نشاطها فى الثلث الأول من ذلك القرن، لكن الحركات اليمينية المتطرفة كالفاشية والنازية قمعتها بوحشية قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ومع موجة الثورة الثقافية فى الستينيات، عاد نشاط الفوضويين مع جماعات الخضر، زاعمين أن حماية البيئة لا تتناسق مع وجود البناء السياسى للدول القائمة على النظام العالمى الذى تهيمن عليه القيم الرأسمالية الغربية.
-ظهرت الفوضوية مرة أخرى لكن تحت مسمى بلاك بلوك أو الكتلة السوداء فى ألمانيا، لتعيد نشر أفكار النظرية الفوضوية ولعبت نظرية "انتشار العدوى" دوراً أساسياً فى الترويج ونقل فكر حركة بلاك بلوك من ألمانيا إلى دول أخرى، كأمريكا عام ١٩٨٩ وإيطاليا وإنجلترا فى ٢٠١١، وفى مصر ٢٠١٣، ومنها إلى البلاد الثورية العربية المجاورة، وها قد بدأت البشائر فى المغرب.
ونستنتج من هذه الحقائق أن حركة بلاك بلوك هى إحدى آليات نشر الفوضى فى مصر، وهى نموذج لحركات العنف غير التقليدية التى تختلف عن حركات وجماعات العنف التقليدية التى يعرفها المجتمع المصرى مثل الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة، والغريب أن حركة بلاك بلوك ترفع الرايات السوداء التى ارتبطت فى أذهانا بجماعات تنظيم القاعدة.
إن هذه الحركة لا تقيد بإطار فكرى أو أيديولوجى، لذا تندرج ضمن ما نسميه "الميليشيات المدنية"، وأن صعود هذه المليشيات فى مصر ومع استخدامها تدابير هجومية مثل قتال الشوارع وقنابل المولوتوف والحجارة، واستهداف المنشآت العامة للدولة والبنوك ومنافذ الشركات متعددة الجنسيات، ومحطات البنزين، وكاميرات فيديو المراقبة.. يعيد للأذهان ما حدث للسودان، ويؤكد أن هذه الحركة تستهدف القضاء على الدولة المصرية وتحويلها إلى صومال آخر، وتجلى ذلك فى ما تنشره على صفحاتها بأنها "نقف ضد النظام والقانون وتسعى إلى كسر هيبة الجيش"، وسعيها لنشر رسومات توضيحية حول "تحضير أدوات القتال وطرق تصنيع قنابل حارقة جرثومية وأخرى سامة، بالإضافة إلى قنابل دخان وقنابل صوت.
كما أن التوزيع الجغرافى للحركة الذى يتركز فى محافظات القناة (بورسعيد والسويس والإسماعيلية) والمحافظات التى تتميز بالطابع العمالى (كالغربية والجيزة والقاهرة)، إلى جانب المحافظات الحضرية الأخرى كالإسكندرية والمنيا يدلل على بدء سيناريو تشرذم الدولة وتفتتها.
إن حركة بلاك بلوك حركة دخيلة على ثقافة الإحتجاج المصرية التى اتسمت بالسلمية، ويُعد استمرار هذه الحركة استمراراً لامتداد الفكر الفوضوى المستجد علينا، فلم يحدث أن سعت من قبل حركة احتجاجية شبابية مدنية إلى تبنى أفكار فوضوية، تسعى لهدم دولة القانون بطرق عنيفة غير تقليدية، أن تدشين كيان مثل هذا يؤكد نجاح استراتيجيات الترويج لآليات نشر نشر الفوضى، تحت ستار الديمقراطية، ويؤكد قوة تأثير العامل الخارجى فى البيئة المصرية من خلال استخدام القوى الناعمة فى نشر ثقافة الاحتجاج الجمعى التى بدأت بالسلمية، والآن أوصلتنا إلى الفوضوية، ومستقبلاً قد لا نجد مستقبلا لنا ولمصرنا.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الوهاب
سلم تفكيرك قبل ان تسلم يداكي
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed
باحثة صغيرة أسكتت الجميع
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى أمريكى
كلام موزون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد أبو حمدية
شعب مش عارف عاوز ايه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سمير
الحق واللسان
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام ولى الدين !! ليسانس اداب قسم تاريخ !! دفعة يونيو 1999
تحية للأستاذة وفاء !!..............وعزاء واجب لأسر السادة الرؤساء !! التالية اسماءهم !!
عدد الردود 0
بواسطة:
المنصورة
واخيركم بين الفوضى او الاستقرار
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجد
أتمنى أن يصل هذا المقال للبرادعي وحمدين وحمزة وبقية الشلة
عدد الردود 0
بواسطة:
m.m
حركات الاحتجاج واستخدام العنف