يحيى الليبيون غدا الذكرى الثانية لثورتهم ضد نظام العقيد الليبى الراحل معمر القذافى، وسط مخاوف من استمرار حالة الانفلات الأمنى والغضب الشعبى على الحكومة القائمة، خاصة بعدما أطلقت جماعات ليبية دعوات إلى التظاهر من بنغازى مهد الثورة فى الشرق الليبى، ومن بينهم مؤيدو الفدرالية ومنظمات المجتمع المدنى، رافعين مطالب محددة وهى "نفى مسئولى النظام السابق"، و"إسقاط النظام الجديد"، وحل الميليشيات المسلحة المسيطرة فى البلاد منذ سقوط حكم القذافى.
احتفال الليبيين بعيد الثورة هذا العام جاء فى وقت تشهد فيه البلاد انقساما بين فصيلين، الثوار السابقون أبطال الثورة الليبية الذين شكلوا ميليشيات لمواجهة قوات القذافى حتى مقتله فى 20 أكتوبر 2011، والفصيل الثانى ممثل فى من فازوا بإدارة الدولة الليبية حاليا ممن يعتبرون الثوار مسئولين عن غياب الأمن السائد، وعقبة أمام إعادة بناء الدولة.
ومع احتدام التنافس بين الفصيلين يظل الهاجس الأمنى هو المسيطر على كل المتابعين للشأن الليبى، وزادت ضراوة هذا الملف، بعد حادث الاعتداء على القنصلية الأمريكية ببنغازى فى 11 سبتمبر 2012، ومقتل أربعة دبلوماسيين أمريكيين بينهم السفير الأمريكى كريس ستيفنز، فقد وجدت السلطات الجديدة نفسها على الفور أمام مطالب اجتماعية تحول دون تطبيق إستراتيجيات اقتصادية، أو أمنية على المدى المتوسط، أو الطويل.
الهاجس الأمنى كان الستار الذى من خلفه اتخذت الحكومة الليبية مجموعة من الإجراءات الاحترازية، منها إغلاق الحدود البرية مع تونس ومصر بين الفترة من 14 إلى 18 فبراير الجارى، وتعليق الرحلات الدولية فى مطارات البلاد، باستثناء مطارى بنغازى وطرابلس، فى محاولة لضبط الحالة الأمنية تزامنا مع الاحتفالات، ليؤكد أن الملف الأمنى لازال هو الجرح الغائر فى صدر ليبيا الجديدة.
شاهد آخر على انتشار الفوضى الأمنية فى ليبيا الجديدة، يتمثل فى تعدد الجيوش، فوفقا لتقرير رصدت من خلاله قناة الجزيرة الفضائية تداعيات الحالة الأمنية فى ليبيا، فبعد أن كان الجيش الليبى فى عهد القذافى يحمل أسماء أبنائه ورفاقه، أضحى اليوم يحمل أسماء قادة عسكريين وجهات، فالآن وبعد الإطاحة بنظامه، انقسمت القوات إلى أربعة جيوش، جيش وزير الدفاع وجيش رئيس الأركان وجيش برقة المسمى باسم الإقليم الممتد من حدود ليبيا مع مصر شرقا حتى مدينة سرت غربا، وأخيرا جيش حرس الحدود الذى قالت وزارة الدفاع مؤخرا، إن آمره الصديق الغيثى أصبح "متمردا".
وبالنظر إلى خارطة المؤسسة العسكرية المعنية بحماية حدود ليبيا وفرض الأمن، يلاحظ المراقبون أن ولاء هذه القوات هو لقيادتها "بدلا من الولاء للوطن".
ولم تنشر ليبيا بيانات رسمية عن عدد قوات الجيش الرسمية المنطوية تحت الشرعية، ولم توضح إشكالية العلاقة بين الجيوش المتناثرة فى الشرق والغرب والجنوب، لكن مسئولا فى مجلس برقة العسكرى، قال إن جيش حرس الحدود والمنشآت النفطية قوامه 18 ألف مقاتل، وإن أفراده منقسمون بين باحثين عن أموال أو قبليين.
أسباب عدة يراها مراقبون كانت كفيلة بما انتهى إليه الوضع فى ليبيا حاليا، منها ما يقوله المسئول لملف الأمن القومى بالمؤتمر الوطنى سليمان المبروك، بأن حكومة عبد الرحيم الكيب، السابقة للحكومة الحالية، تأخرت فى دمج الثوار بالجيش، وفى صنع جيش وطنى قوى، وقال "لا يوجد وزير دفاع، ولا رئيس أركان قوى".
وقال المبروك، إن الخلافات بين وزير الدفاع السابق أسامة أجويلى ورئيس الأركان يوسف المنقوش، وراء هذه المشاكل، مشيرا إلى أن المؤتمر الوطنى العام يرى ضرورة دمج الثوار فى المؤسسة العسكرية بشكل فردى دون قيادتهم، داعيا الإعلام إلى عدم "تهويل" القضية، والتعامل بنزاهة، ونقل مختلف وجهات النظر، وأضاف أنهم مع جيش وطنى موحد.
من جانبه، أقر الناطق الرسمى باسم وزارة الدفاع عادل البرعصى بتقسيمات الجيش الليبى، وقال إن ذلك كان إبان تولى الوزير أجويلى لحقيبة الدفاع، لكنه أشار إلى أن الإشكالية لم تعد قائمة فى عهد الوزير محمد البرغثى، مؤكدا أن قضية تعدد الجيوش بدأت تتلاشى مؤخرا.
ليبيا تحتفل غدا بالعيد الثانى للثورة على القذافى.. والأمن جرح غائر فى القلب.. انقسام بين الثوار والحكومة ومطالب بإسقاط النظام الجديد.. والفوضى تبدد "حلم" الجيش الوطنى وتقسمه لأربعة جيوش
السبت، 16 فبراير 2013 01:27 م