كشفت مستندات حصلت عليها «اليوم السابع» قيام قطاع تكنولوجيا المعلومات بالإسكندرية التابع لمصلحة الجمارك، بإجراء فنى يسمح للشركة المنفذة لمشروع المعونة الأمريكية لبناء نظام معلومات الجمارك «NCIS» باختراق قاعدة البيانات الخاصة بالجمارك، والدخول عليها من خلال شبكة الإنترنت من مقرها فى دبى.
وتؤكد المستندات التى حصلت عليها «اليوم السابع» قيام مصلحة الجمارك بهذا الإجراء بدءا من شهر يناير الماضى، وهو عبارة عن منح الشركة المنفذة للمشروع «مايكروكلير» ملف تعريف للدخول على قاعدة البيانات عبر الإنترنت من خلال شبكة افتراضية خاصة تسمى «VPN»، رغم عدم جواز منح أى شخص أو جهة إمكانية الدخول عبر هذا النظام إلا لأشخاص محددين من داخل مصلحة الجمارك من المتخصصين بالعمل على الشبكة، للقيام بأى عملية من خارج المصلحة إذا استدعى الأمر، على أن تكون جميع تحركاتهم عبر الشبكة مراقبة لضمان عدم القيام بأى إجراء يضر قاعدة البيانات.
ويمكن للشركة المنفذة أن تدخل على قاعدة بيانات الجمارك فى أى وقت، والقيام بأى إجراء من خلال الشبكة الافتراضية، منذ الثالث من يناير الماضى، حيث تدخل تحت اسم NCIS وهو اختصار لاسم مشروع المعونة الأمريكية المسمى بالمشروع القومى لنظم معلومات الجمارك، حيث كان آخر تاريخ للدخول مسجل بيوم 23 يناير الماضى، وهو ما تكشفه المستندات التى حصلت عليها «اليوم السابع»، وتتحفظ على نشرها لاعتبارات الأمن القومى.
وجاء هذا الإجراء بتاريخ سابق على قيام محمد صلحاوى القائم بأعمال رئيس مصلحة الجمارك بإصدار قرار بتاريخ 13 يناير الماضى، حمل رقم 1 لسنة 2013، بتشكيل لجنة من المصلحة برئاسة هشام شرشيرة رئيس قطاع التكنولوجيا بمصلحة الجمارك لاستكمال مشروع المعونة، وتضم اللجنة كلا من سوسن نصر مدير عام إدارة وصيانة تكنولوجيا دعم المعلومات كمدير فنى للمشروع، وأميمة محمد أحمد مدير عام البنية التحتية كمدير للبنية التحتية للمشروع، ومحمود عبدالله مدير إدارة كمدير إدارى للمشروع والمتحدث الرسمى ومسؤول الاتصال بالشركة، وأحمد إبراهيم مدير إدارة تحليل بيانات الإعفاءات بقطاع النظم والإجراءات الجمركية كنائب المدير الفنى للمشروع، وإسلام صادق مهندس بالإدارة العامة للبنية التحتية كنائب مدير البنية التحتية للمشروع، وسمير الطحان مدير إدارة بقطاع العمليات الجمركية كمسؤول التوثيق للمشروع.
وقالت مصادر بالمصلحة لـ«اليوم السابع»، إن مسؤولا قياديا بقطاع التكنولوجيا التابع للمصلحة بالإسكندرية، طلب من أحد مهندسى القطاع، إنشاء الشبكة الافتراضية ومنح الشركة ملف التعريف حتى تتمكن من الدخول عبر الإنترنت، وهو ما رفضه المهندس بشدة لتعارض هذا الإجراء مع اعتبارات الأمن القومى لقاعدة بيانات الجمارك المصرية، وقد أصر المسؤول على هذا الإجراء حتى اضطر المهندس لتنفيذه.
وحاولت «اليوم السابع» الحصول على رد من هشام شرشيرة رئيس قطاع التكنولوجيا حول هذه الوقائع، لكنه رفض الحديث تماما معللا قوله فى اتصال هاتفى بأنه غير مخول بإجراء أحاديث صحفية.
وأكدت المصادر على خطورة الإجراء الذى قامت به المصلحة، حيث أصبحت جميع البيانات الجمركية مخترقة من الشركة الكويتية «مايكروكلير» المنفذة لمشروع المعونة الأمريكية عبر الإنترنت، وهو ما يمكن معه للشركة القيام بأى إجراء أو تغيير على البيانات، وحتى فى حالة قيام الجمارك بغلق ملف تعريف الشركة فإنها تكون قد تمكن بالفعل من فتح مسارات أخرى للدخول على النظام والتى يطلق عليها فى التكنولوجيا «الباك دور» أو الأبواب الخلفية والتى يمكن من خلالها الدخول بأسماء أخرى وإجراء عمليات على النظام يصعب كشفها أو غلق هذه الأبواب نهائيا إلا بصعوبة شديدة.
من جانبه أوضح المهندس عمرو موسى خبير أمن معلوماتى، خطورة قيام مصلحة الجمارك بمنح أى جهة من الخارج طريقة الدخول على قاعدة بيانات قومية، مؤكدا أن مشكلة البنية المعلوماتية فى مصر بشكل عام أنه غير مؤمن، وهو ما يعرض العديد من جهات الدولة للاختراق، مثل البنوك والبريد، ضاربا المثل بالكارثة التى يتعرض لها نظام معلومات بنك سوسيتيه جنرال، والذى اشترته قطر، مؤكدا أن حسابات المسؤولين ذوى المناصب الحساسة والعسكرية بهذا البنك أصبحت مخترقة لأن إجراءات الحماية وأمن المعلومات فى مصر مجرد حبر على ورق. وطالب موسى بضرورة إنشاء كيان مؤسسى على مستوى الدولة يكون معنيا بمراجعة جميع أنظمة المعلومات فى مصر من قبل متخصصين محترفين، وتأمينها بالشكل المطلوب لمنع أى اختراقات سواء من الداخل أو الخارج، للحفاظ على الأمن القومى المصرى.
وأكد موسى أن نظام الـVPN الذى تدخل من خلالها الشركة المنفذة لمشروع المعونة الأمريكية على نظام معلومات الجمارك، هى عبارة عن شبكة افتراضية يتم إنشاؤها على الإنترنت والدخول عبرها بطريقة مستترة دون إمكانية رصدها، وهو ما يصعب كشفه إلا من خلال لجنة وطنية تراجع على جميع أنظمة المعلومات حتى يمكنها غلق النظام.
وأشار خبير أمن المعلومات إلى أنه فى حالة الدخول على قاعدة البيانات من خلال هذه الشبكة الافتراضية، يمكن للشركة أن تفعل ما يحلو لها سواء من خلال سحب بيانات أو التلاعب فيها، دون رصد هذه التحركات.
وأكد موسى أن التلاعب فى قواعد البيانات الذى يتم على مستوى البنية التكنولوجية للدولة بالكامل، يكون مدعوما من موظفين عديمى خبرة أو فاسدين، حسب قوله، من مصلحتهم استمرار الأوضاع الحالية على ما هى عليه لتحقيق مصالح مادية.
وفى الوقت الذى تصر فيه مصلحة الجمارك على قيام المعونة الأمريكية بإتمام مشروع نظم المعلومات القومى، والذى فشلت فى إتمامه منذ عام 2006 كل من المعونتين الأوروبية ثم الأمريكية حتى الآن، جنبت قيادات مصلحة الجمارك مجهود فريق من الشباب المصريين المتخصصين فى تكنولوجيا المعلومات والذين تم اختيارهم للعمل بالمصلحة عام 2008، رغم قدرتهم على بناء نظام للمعلومات بأيد مصرية ودون الاستعانة بشركات أجنبية أو معونات دولية، وهو النظام الذى تعمل عليه مصلحة الجمارك حاليا، وتم وقف استكماله حتى تبدأ المعونة الأمريكية عمل نظام المعلومات الخاص بالجمارك لتبدأ من الصفر مرة أخرى.
وقامت المصلحة بتثبيت فريق الشباب المتخصصين فى الحاسب والذى يبلغ عددهم 50 شابا، على وظائف أخصائى حاسب آلى تابع لإدارة الإحصاء، وليس له أى علاقة بعمل قطاع التكنولوجيا.
وقال عدد من هؤلاء الشباب لـ«اليوم السابع» -الموزعين على جميع المناطق الجمركية بالجمهورية- إن هناك اضطهادا غير مبرر لهم رغم تحقيقهم إنجازات كبيرة خلال فترة وجيزة من عملهم بالمصلحة، حيث تسعى القيادات لتهميش أدوارهم، فى الوقت الذى تنعدم فيه الخبرات التكنولوجية بالمصلحة بين القيادات، ويلجأون فى النهاية لاستقدام شركات أجنبية للقيام بأعمال يمكن لشباب المصلحة تنفيذه بأنفسهم ودون أى تكلفة إضافية للدولة.
وأكدوا أنه تم تدريبهم وتأهليهم على مستوى عال جدا من خلال برامج وزارة الاتصالات، وسعى بعضهم للعمل بالمصلحة نصف وقت أو العمل بشركات أخرى تسعى لاختطافهم من مصلحة الجمارك للاستفادة بخبراتهم فى هذا المجال، وهو ما يعد إهدارا للثروة البشرية والمادية على حد سواء، والوصول فى النهاية لنقطة الصفر مرة أخرى.
وكانت «اليوم السابع» قد كشفت فى عددها الصادر بتاريخ 14 يناير الماضى، محاولات المعونة الأمريكية تنفيذ مشروع بناء نظم معلومات الجمارك مقابل 10.5 مليون دولار، رغم فشلها فى إتمامه من قبل وقيام شباب من مصلحة الجمارك بالبدء الفعلى لإنشاء النظام الذى فشلت فيه المعونة، والتى تقوم الشركة الكويتية «مايكروكلير» بتنفيذه، وهى نفس الشركة المسؤولة عن صيانة معدات الجيش الأمريكى فى حرب الخليج.

