فى بلد لايحكم فيه القانون يمضى فيه الناس إلى السجن بمحض الصدفة "لا يوجد مستقبل"، فى بلد يتمدد فى جثته الفقر كما يتمدد ثعبان فى الرمل "لا يوجد مستقبل" فى بلد تتعرى فيه المرأة كى تأكل "لا يوجد مستقبل.. لا يوجد مستقبل.. لا يوجد مستقبل" كلمات خرجت من أحد المقهورين المصريين ليصف بها الحالة المتردية التى وصل إليها حال المصريين دون زيف أو رياء.
ما أتعسك شعب مصر، أيها الشعب المقهور؟، فبعد أن عانيت الأمرين فى ظل نظام لم تر منه سوى الفقر والجوع والجهل والمرض جاءت إرادة الله أقوى من كل إرادة فتحقق حلمك بثورة مباركة أسقطت نظاما كم تمنيت عقودا طويلة سقوطه، وتحقق الحلم الجميل وتم لأول مرة فى تاريخ مصر انتخاب أول رئيس مدنى بإرادة شعبية فى انتخابات شهد العالم بنزاهتها، والدليل أن نسبة نجاح الرئيس المنتخب كانت بفارق ضئيل عن منافسه، واستشعرنا بريح الديمقراطية والتغيير فيما هو قادم، واستشعرنا جميعا بنظرة المتفائلين أن الخير قادم لامحالة على يديه، استشعر المصريون جميعا أنه لن يكون هناك فقير أو جائع أو محروم فى عهد هذا الرجل، استشعروا أن زمن الفساد الذى كان يزداد فيه الغنى فوق غناه؛ ويزداد فيه الفقير فقرا فوق فقره قد ذهب بلا رجعة، استشعرنا جميعا أن الزمن الذى انعدمت فيه العدالة الاجتماعية قد رحل مع النظام البائد، هذا الزمن الذى كان يموت فيه المريض لأنه ليس معه حق الدواء، هذا الزمن الذى كانت تفرط المرأة فى عرضها مقابل المال من أجل الطعام والسكن، هذا الزمن الذى شهد سكن الشعب لأحواش المقابر لعدم قدرتهم على توفير سكن آدمى بصحبة الأحياء، هذا الزمن الذى ارتفع فيه سن الزواج للذكور والإناث فانتشرت ظواهر غريبة على الشعب المصرى لم نكن نعرفها من قبل، هذا الزمن الذى جعل أكثر من ثلثى الشعب المصرى معدما لا يملك قوت يومه، هذا الزمن الذى انعدمت فيه كرامة المصرى بالداخل والخارج، هذا الزمن الذى حلمنا أن نجعله ذكرى أليمة لا نحب أن نتذكرها من قريب أو بعيد، ولكن يبدو أن الشعب المصرى شعب "منحوس" أو شعب يستحق ما يراه من معاناه، فمع أول نسمه من نسائم الديمقراطيه والحرية التى لم يعرفها الشعب المصرى مسبقا تحولت هذه الحرية والديمقرطيه إلى فوضى تقضى كل يوم يمر على الأخضر واليابس، انتشرت ظاهرة التخوين بين الجميع، وظهرت حالة من عدم الثقة فى أى شىء، فلم يعد أحد يعلم أين الحقيقة فى أى شىء يدور من حوله؟ لم يعد أحد يعلم مَن على صواب؟ ومن على خطأ؟ لم يعد أحد يعلم من القاتل لزهرة شبابنا ومن الضحية؟ لم يعد أحد يعرف من الظالم ومن المظلوم؟ لم يعد أحد يعلم من يعمل من أجل مصر؟ ومن يعمل لخرابها؟ لم يعد أحد يعلم هل الإخوان المسلمون سيأججون نار الفرقه بين الناس ويشعلون مصر؟ أم هم جماعه مفترى عليها؟ لم يعد أحد يعرف هل جبهة الإنقاذ تسعى بالفعل إلى خراب هذا البلد بالدعوات المتكررة للتظاهرات التى فى ظاهرها السلمية وفى باطنها التخريب والدمار والقتل لأبنائنا؟ لم نعد نعرف ماذا يريد قادة جبهة الإنقاذ؟ هل السلطة والحكم الذى كان حلما راود بعضهم وما زال؟ هل هناك منهم من يريد مصلحة مصر بالفعل أم جميعهم يسعون لمآرب أخرى بعيدا عن مصلحة وهموم الشعب االمصرى؟، لم يعد أحد يعرف ماذا يريد الإعلام المصرى من سكب البنزين على النيران المشتعلة؟ هل هذه هى الرسالة السامية لإعلامنا الرائد، لم نعد نعرف هل الإعلام المصرى سيكون هو الشرارة الأولى لكل خراب سيلحق بمصر اقتصاديا إلا من رحم ربى من الإعلاميين الشرفاء وهم قلة قليلة؟ لم يعد أحد يعرف من يمول من؟ ولصالح من؟ كل ما يعرفه الصامتون من الشعب المصرى أن كل الجبهات والأحزاب لا تسعى إلا لمصالحها الشخصية إلا من رحم ربى وما زال فى قلبه مثقال ذرة من تقوى الله فى هذا الشعب، الشىء الوحيد الذى نعرفه هو أن الضحية فى النهاية كالعادة ستكون الشعب المصرى الذى أصبح منذ هذه اللحظة فى ذمة الله.
