كنت أتمنى أن يكون اليوم بمثابة عيد لمصر.. تقام فيه الأفراح، وتعم البهجة والسعادة ميادين وشوارع المحروسة.. لما لا، وهذا اليوم لا يقل بحال عن عيد ثورة 25 يناير.. بل هو بمثابة يوم التتويج لكفاح الشعب طوال 18 يوما.. صمد فيها أمام جبروت نظام عتى عنيد.. حتى جاء النصر متوهجا ببزوغ فجر 11 فبراير.. ليكون يوما فاصلا فى تاريخ مصر.. فاصلا بين ماضى مظلم ديكتاتورى استبدادى.. وحاضر مشرق بالحرية والأمل والمستقبل.
هذا ما كنت أتمناه فى ذكرى هذا اليوم التاريخى.. لكنى بدلا من ذلك أجد غصة فى حلقى، ومرارة فى فمى، وحزنا فى قلبى، بعد أن سادت الاشتباكات بلادى، واحتل العنف مقاعد الفرح والبهجة، واستبدلت زغاريد الفرح، بعويل الثكالى، وبدلا من سماع صدح نغمات الموسيقى، اخترقت آذاننا طلقات الرصاص، بعد أن تنافرت أطياف الوطن.. التى التأمت وتوحدت فى ثورة يناير، وسادت لغة التخوين والقتل والدماء.. وتبدل الحوار إلى شجار.. وطاولة المفاوضات والنقاش، إلى قنابل الغاز والمولوتوف، فأصبح المشهد دمويا مأساويا.
وما أشبه الليلة بالبارحة.. تأتى الذكرى الثانية لخلع مبارك وإسقاط نظامه، وسط نفس الهتافات المطالبة برحيل الرئيس مرسى وإسقاط نظامه، رغم أن هذا النظام ولد من رحم الشرعية، وتمخض عن أول رئيس منتخب لمصر.
وإذا كنا نفهم الدوافع وراء هتافات إسقاط النظام السابق، والذى عاث فى مصر فسادا وإفسادا، وأصابها بالأمراض والهزال والذبول، ودمر شخصيتها القيادية ومستقبلها، إلا أننا نقف أمام هتافات ومظاهرات إسقاط النظام الحالى.. والتى تتسع بشكل متنامٍ ومتزايد فى الآونة الأخيرة فى معظم ربوع مصر، ونتساءل: كيف وصل الغضب لدى المصريين أو لنقل شريحة كبيرة منهم إلى هذا الحد من النظام القائم؟، كيف أصبح الحل الوحيد الذى ينادى به المتظاهرون هو رحيل الرئيس؟، ما هى الأخطاء الفادحة التى أدت إلى الوصول إلى هذه النقطة الحرجة، والتى وصل إليها النظام السابق، ولم يستطع الخروج منها.
فى رأيى.. أن السبب الأصيل، والدافع الحقيقى وراء انفجار الموقف فى الحالتين، هو "العناد"، والتشبث بالرأى.. حتى آخر قطرة ماء، فى وجه النظام، فالعناد هو العامل المشترك بين النظامين السابق والحالى
والجميع يعلم يقينا أن عناد مبارك، الذى جبل عليه طوال حياته، أو قل تطبع به بعد أن خضع له من حوله، ورفعوه إلى مرتبة القائد الذى لا يخطئ، والسياسى الحكيم الذى لا يشق له غبار، هو أحد الأسباب الرئيسية فى نجاح ثورة يناير، فقد تجاهل المخلوع مطالب الثوار.. والتى بدأت على استحياء وخوف، بمطالب تمحورت حول حل مجلس الشعب الذى جاء بالتزوير، ووقف خطة التوريث لابنه جمال، وتغيير بعض مواد الدستور، ولكن مبارك بطبعه الذى يعشق العناد، استهان بصوت المطالب الذى بدأ ضعيفا خافتا، وتجاهله بصلف وغرور، حتى زاد وتحول إلى هدير هائل.. ارتجت له جنبات حكمه.. وتزلزلت له أركان عرشه.. فانهار تحت وطأة قوة وضغط مطالب الثوار.
ومع التسليم بالبون الشاسع.. والفرق الكبير بين مبارك ومرسى، سواء فى الشخصية، أو الأيديولوجية، أو القناعات الشخصية.. أو الآراء السياسية، أو المكنون النفسى، إلا أن البعض يرى أن الرئيس مرسى يوشك أن يقع فى نفس الخطأ الرهيب، الذى اقترفه سلفه، ويكاد يتعاطى مع المظاهرات والمطالب الساخنة فى الشارع بصورة ماثلة لما فعله سابقه، وذلك بالتشبث بالرأى، وعدم إعطاء أى فرصة لسماع الرأى الآخر، أو النزول على رغبة ومطالب القوى السياسية أو الثوار أو الشباب.
فقد كان بإمكان الرئيس مرسى، منذ البداية وأد هذا التظاهرات، فى مهدها، وتجنيب البلاد الفوضى الحادثة، والنأى بها عن العنف وسفك الدماء، لو استمع إلى صوت العقل، ونزل على رغبة ومطلب الثوار فى بدايتها والتى تلخصت فى حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، كما وعد، ولكنه أبى ذلك، وركب حصان العناد، واستمرت أعمال الجمعية التأسيسية حتى أخرجت دستورا أصبح نبراس خلاف كبير واختلاف رهيب بين أبناء الوطن.
واستمر تجاهل الرئيس لمطالب المتظاهرين، الذين خرجوا رافضين التدخل فى السلطة القضائية، وطالبوا بإقالة النائب العام المعين من قبل الرئاسة، ورغم كثرة الحلول المطروحة أمام الرئيس والتى كان أبرزها إقالة النائب العام، والاختيار من بين ثلاثة آخرين يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، ورغم استبشار البعض خيرا بهذا الحل، إلا أن الرئيس واصل تجاهله لثورة الغضب لدى وكلاء النيابة والقضاء والقوى السياسية، وواصل أسلوب العناد، وأصر على بقاء النائب العام فى موقعه، وكأنها معركة "استعراض قوة"، وكما الحال، ارتفعت مطالب المتظاهرين، الذين زادت قوتهم، واتسعت دائرة مظاهراتهم، إلى إقالة حكومة هشام قنديل لفشلها فى حل المشاكل الحياتية والخدمية للمواطنين، ولكن أيضا لم يرضخ الرئيس لأى من هذه المطالب، فما كان من الثوار سوى تحول هتافاتهم نحو هدف واحد "الشعب يريد إسقاط النظام"، وزادت الجراءة لدى شباب الثوار، فرأينا وسمعنا من يؤكد أنه سيعتصم أمام الاتحادية حتى رحيل الرئيس، وآخر يؤكد فقده للشرعية ووجوب إسقاطه.
وخلاصة القول.. أتوجه بنداء إلى السيد رئيس الجمهورية: أثق فى أنك وطنى شريف.. غيور على مصلحة بلاده ومستقبلها.. ويحز فى نفسى وأنا أرى طلقات الرصاص والغاز والجنازات، تتصدر المشهد فى بلادى، لا أشكك فى وطنيتك، أو عشقك لتراب هذا البلد، ولا يتسلل لى ريب من نظافة يدك، ونقاء سريرتك، ولكنى أعتب عليك عنادك.. وعدم مبادرتك إلى تحقيق مطالب المحتجين، والتى أرى أنه لا ضير منها، كما أن نزولك على رغبة الشارع لوأد الفتنة، وعدم إعطاء أنصار الثورة المضادة سلاحا يحاربون به منجزات ثورة الحرية لهو يحسب لك، لا يحسب عليك، فبادر سيدى الرئيس بترميم جسور الثقة التى تهدمت بينك وبين العديد من القوى الفاعلة فى الشارع، فما الأزمة فى تغيير الحكومة، وما الضير فى اختيارك لنائب عام آخر، رغم احترامنا الشديد للمستشار طلعت إبراهيم، وأخيرا ليس هناك ضعف منك فى تشكيل لجنة لتعديل البنود الخلافية فى الدستور، فهذه المطالب ستهدأ من سخونة الشارع، وستطفئ لهيب المظاهرات والاحتجاجات، وستقود مصر إلى الاستقرار.
سيدى الرئيس.. أعلم أن هناك من يتربص بك، ومن يريد إفشالك ووأد أى انجاز لك، ولكن عنادك وصمتك، وعدم مبادرتك بحلول لهذه الأزمة الراهنة، والتى تهدد مستقبل وطننا.. وتهدد بدمار كيانه وأركانه ستمنح الأرض الخصبة لنمو العنف، ووصول النظام إلى النقطة الحرجة التى لا نتمناها، والتى قد تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.
سيدى الرئيس.. لقد رأيت أن عناد مبارك، خلعه عن عرشه، وأوصله إلى السجن، فأرجو أن يكون لنا فى ذكرى يوم التنحى عبرة.. أن الحاكم الذى يصر على عناد شعبه.. لن تقوم له قائمة.. ولن تحميه قوة على الأرض.
فى ذكرى تنحى المخلوع.. مبارك تشبث بعناده فارتفع سقف المطالب إلى إسقاط النظام.. ومرسى أصر على "العناد" فتخطى المتظاهرون مطالب حل التأسيسية وإقالة الحكومة إلى رحيله عن الاتحادية
الإثنين، 11 فبراير 2013 06:16 م
محمد مرسى ومبارك
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام جاد
الحكم للشعب فى صندوق انتخبات فى صندوق الدستور فى صندوق انتخبات مجلس الشعب
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدالبنا
الافراج عن مبارك لتحقيق العدل
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور /عاطف الجمل
ماذا لو لم يعاند
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حسين
مبارك أسقطه الحق، مرسي معه الحق
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد مجنون
الى من
عدد الردود 0
بواسطة:
ريهام احمد
اللي حضر عفريت الازمه يصرفه
عدد الردود 0
بواسطة:
هلالي
ما لكم كيف تحكمون؟
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء حامد
معاك في معظم الكلام
عدد الردود 0
بواسطة:
د.سامية
مقارنة مضحكة...ديكتاتور ومزور وحرامى 30سنة ...وريس منتخب7 شهور ونزيه وحرياته بلاحدود
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
مرسى لن يرحل الا لو هبطت نار من السماء