هناك رابطة وثيقة بين الحياتين السياسية والفكرية، تلك حقيقة علمها التاريخ لكل من يقرؤه، فإذا وثب فريق على الساحة السياسية، واستولى عليها بالحق أو بالباطل، فلابد أن تنشق الساحة الفكرية عن أشباههم ونظرائهم فى عالم الفكر، فمن المستحيل أن تكون الساحة السياسية فى يد عصابة من المرتشين والعملاء، وتكون الساحة الفكرية فى يد المفكرين الشرفاء. إذ لابد أن يختفى هؤلاء المفكرون الشرفاء، ولو بتلفيق التهم، ليتواثب اللصوص من المنتسبين إلى الحياة الفكرية، فيتلاءم الإيقاع بين رجال السياسة ورجال الفكر.
ولهذا ترى رجالا فى ساحة الأقلام من يبرزون فجأة، لقوة ارتباطهم برجال السياسة، ثم ما تلبث الأحداث أن تمزق الأقنعة فترى وجوها شائهة بغيضة،وترى شعبا مسكينا حمل على أعناقه أبناءه الألداء.والآن تأتى المرحلة الثانية التى تتحرك فيها الجبهة المعادية للأمة حركة محسوبة بدقة وترتدى أقنعة متقنة ،وهذه المرحلة تقترب من الهدف اقترابا وشيكا، وذلك فيما نراه من كتابات حول الشريعة وأحكام الله، نرى فيها عالما متسعا من التضليل والخداع الذى لا يستحى من تكرار التفكير الحضارى والفهم المستنير لدين الله، ويدعو إلى تخليص الشريعة من عقول المشايخ المتشبثة بالعصور الوسطى... إلى آخر ما فى هذه الحملة الجديدة المتجهة إلى إفساد الشريعة، وإبطال نصوصها، والقدح فى فقهائها، والقول إن ذلك كله مرتبط بأحداث، وأسباب، فلا يجوز أن يُنتقل إلى أحداث وأسباب أخرى، حتى نصوص الكتاب والسنة، وأن الربا المحرم هو ما واجهه القرآن من ربا الجاهلية فقط. وأنه ليس فى نظمنا صور منه، وأن الشيوخ حين يزعمون ذلك إنما أضلهم جمود عقولهم، وأن دخول الإسلام ميدان السياسة انتقاص لقدره، وأنه إنما نزل للمحاريب والتهجد والناس نيام وهذا غاية المراد منه. وأن الخلافة التى هى مظهر من مظاهر دخول الإسلام ساحة السياسة،كانت ويلا وبلاء، وقامت على الاستبداد البشع، وصاغت مسيرة تاريخية دموية تتناثر فيها أشلاء الذين قهرهم الخلفاء، وتجرى فيها دماؤهم، ... إلى آخر ما يستحى اليهود أن يكتبوه بأيديهم عن الفكر الإسلامى وتاريخ المسلمين، وذلك لخروجه عن ضوابط العقل، ثم تعجب من بكاء هؤلاء المفكرين المستنيرين على حرية الإنسان التى وطئتها أقدام الخلافة الخشنة، ثم اغتباطهم بما يجرى حولهم من تخريب وتدمير، وجهل كثيف داكن، والخوف على هذه المسيرة (مسيرة اللصوص) المتحضرة من أخطبوط الشريعة الإسلامية ،وجاهلية القرون الوسطى، ثم إنه من الواجب أن يدافعوا عن حضارة مصر الراهنة(حضارة الكدح الخشن من أجل رغيف الخبز) وأن يدافعوا عن كرامة الإنسان المصري( الذى لم يكن لبيته وعرضه حرمة، والذى كانت تنتهك محارمه تحت سمعه وبصره) . هؤلاء الكتاب يقدحون فى الشريعة ،ويخافون على شعب مصر من خطر الهجمة البربرية، التى جاءت تبشر بالعودة إلى شرع الله.
هذا شيء مما يجرى الآن على الساحة،وهو ظاهر ظهورا لايجهله ولا ينكره إلا من لايرى ولا يسمع.
والمفزع أن هذا الهزل المستنير، يجرى ويحدث ونحن أحوج مانكون إلى الجد، وعلى بوابتنا الشرقية حيّة من أخبث الحيّات، وذئب من أخبث الذئاب ،يرقب اللحظة المناسبة ثم يهاجم، وقد سبقت هجمته السابقة إعداد من نظام غبى جاهل، قتل النفوس الحرة فى سراديب طغيانه، فلما طرق العدو باب البلاد وجد رجالها الأحرار قد غيبوا، وليس على ساحتها إلا العاكفون على (الجوزة والحشيشة) وأخبار الممثلات، فدخلت شرذمة القردة البلاد وأهلها مقيدون، وأحرارها يعذبون، وليس على الباب حماة، وإنما كان أمرها فى يد اللصوص والزناة.
والآن وجب على الصامتين أن يقوموا وينهضوا، ويستخلصوا حق الحياة، ولن تكون هناك حياة حقيقية دون علم وتعليم وفكر وسياسة ومدرسة وجامعة وثقافة، وكلها أمور لايجوز فصل بعضها عن بعض؛ لأنها تمثل بنية واحدة وهى بنية المجتمع الذى نعيش فيه ويعيش فينا، ونقوى بقوته،ونضعف بضعفه ونسعد بسعادته ،ونشقى بشقاوته، هو كياننا ونحن كيانه، وأن المشتغلين بالعلم يعلمون علم اليقين أن العلم لا يقصد لذاته، وإنما كان أشرف ما تشغل به نفس شريفة، وإنما هو مقصود من أجل الإنسان الذى يدور كل هذا الكون له وحوله وبه، والذى كرمه الله على الملائكة وجعل سبحانه خلافته فيه... لاكان العلماء إذن ولاكان أهله إذا أغمض العلماء عيونهم عما حولهم وتركوا الإنسان تضربه مقامع الذل من أهل الجهالة والغشم، وهم عاكفون فى صوامعهم يتبتلون.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة