قال المدير التنفيذى لمنظمة هيومن رايتس ووتش "كينيث روث"، إنه فى الوقت الذى تتواصل فيه أعمال الشغب مجدداً فى مصر، وتبسط الجماعات المسلحة سلطانها على أجزاء من ليبيا بصورة تنذر بالشؤم، وتتوالى مجازر لا تعرف الهوادة فى سوريا، ويتساءل البعض عما إذا كان الربيع العربى فى نهاية الأمر فكرة جيدة، و"هل كنا حقيقة نرتضى أن نحكم على أمم برمتها بأن تعاقب بأمثال مبارك والقذافى والأسد ونحن نعلم من مجريات سقوط الدكتاتوريات العسكرية فى أمريكا اللاتينية، وزوال الاتحاد السوفيتى، وأن بناء دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان فوق إرث من الحكم السلطوى ليس بالأمر الهين؟"، إلا أن هناك من الخطوات ما يمكن لكل من شعوب المنطقة والمجتمع الدولى اتخاذها لكى تكون النتائج الإيجابية أدنى للتحقق.
وأضاف روث فى مقال له على موقع المنظمة أنه ينبغى على الحكومات الجديدة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المقام الأول، أن تتذكر أن الأغلبية الانتخابية لا تمنحها ترخيصاً بأن تفعل ما يحلو لها، وأن الحركات السياسية التى طال أمد قمعها قد لا تكون تواقة عند فوزها بمقاعد السلطة إلى سماع ما يلمح إلى أن نطاق حكمها لم يزل محفوفاً بالقيود، بيد أن ذلك هو ما يقتضيه القانون الدولى الإنسانى، إذ إن كبت الحقوق الأساسية يمكن أن ينشأ نتيجة لغرور حائزى الأغلبية بنفس السهولة التى ينشأ بها فى ظل الحكم المطلق الكلاسيكى.
وأكد المدير التنفيذى للمنظمة، أن مصر هى البلد الأكبر والأقوى تأثيراً فى المنطقة، وهى تمثل نموذجاً ملخـِّصاً للمشكلة، مضيفا "لقد استخدم الإخوان المسلمون التفويض الانتخابى فى فرض دستور جديد يعج بتهديدات محتملة لحقوق النساء وخصوم الحكومة والأقليات الدينية، فيما يتمسك فى ذات الوقت باستقلالية للمؤسسة العسكرية تتسم بالخطورة، ولقد استغلت الحكومة تلك المواد الدستورية المشبوهة فى رفع العديد من الدعاوى القضائية ضد الصحفيين ومن سواهم ممن يتناولونها بالنقد، فيما استمرت ممارسات الشرطة الاعتيادية القديمة من تعذيب وهجمات مميتة على المتظاهرين كسابق عهدها".
كما أوضح "كينيث روث" أنه فيما بين الاحتجاجات الشعبية فى مصر والضغط من قبل المانحين الدوليين والمستثمرين اللازمين لإنعاش الاقتصاد المصرى، قد يكون من المبرر منطقياً الاعتقاد بأن الحكومة سوف تميل باتجاه الاعتدال، وأنه من المأمول من جماعة الإخوان المسلمين، التى طويلاً ما كابدت بنفسها الاضطهاد على يد نظام مبارك الدكتاتورى أن تكون راغبة بدرجة أكبر عن تكرار تكتيكات سلفها القمعية.
وأضاف روث أن الاحتجاجات الدولية قد تكون أكثر مصداقية بقدر ما تكون أكثر ثباتاً ومبدئية، وأن الأمر استدعى ملاحظة شعوب المنطقة مثلاً حين بدا أن ترويج الغرب للديمقراطية يتوقف عندما يبرز ما سواه من مصالح سواء أكانت من النفط، أو احتواء إيران، أو الدفاع عن إسرائيل، مشيرا إلى أنه من الأيسر على الحكومة المصرية أن تدفع مسار الاحتجاجات الغربية بعيداً، حين يكون النذر اليسير منها مصوباً تجاه القمع الذى لم تطله يد الإصلاح فى البحرين، أو المملكة العربية السعودية، أو الإمارات العربية المتحدة، أما انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان فى قطاع غزة والضفة الغربية فذلك شأن بذاته.
وأوضح روث أن أصداء الاحتجاجات ضد التعذيب لن تتردد بالقوة المطلوبة حين يرفض الرئيس أوباما فتح التحقيقات فى أعمال التعذيب التى ارتكبتها إدارة بوش، وحين تشرع الحكومة البريطانية، وعلى مضض فى تقصى الدور الذى لعبته فى عملية إرسال المشتبهين بممارسة الإرهاب للخضوع للتعذيب فى "ليبيا القذافى".
كما أشار روث إلى أن أشد مشكلات المنطقة حدة هى تلك المجازر التى ترتكب بحق المدنيين فى سوريا، لافتا إلى أن الغرب فرض العديد من العقوبات على حكومة بشار الأسد، إلا أن الإجراءات الأشد صرامة كفرض حظر دولى شامل على إرسال السلاح لقوات الحكومة أو انعقاد المحكمة الجنائية الدولية، قد أعاقها النقض (الفيتو) الروسى الذى أيدته الصين فى مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
وتابع روث "ليس هناك بد من فعل المزيد لتسليط الأضواء على تلك اللامبالاة متحجرة الفؤاد من قبل "بوتين" تجاه إراقة الدماء السورية، وضمان ألا يتربح مورد الأسلحة الروسية الذى يغذى آلة القتل السورية من المشتريات الغربية، كما يتعين على جامعة الدول العربية، التى تبدى مشاعر قلق ظاهرية تجاه أشقائها فى سوريا، أن تضغط على العراق الدولة العضو بالجامعة لوقف تمكين شحنات السلاح من المرور من إيران إلى سوريا.
وأعلن روث أن الأسد ليس بذاته المشكلة الوحيدة، وأن المعارضة السورية المسلحة عبارة عن مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة، وبعضاً منها يمارس التعذيب ويقوم بإعدام المعتقلين فيما يبدى بوضوح رؤية طائفية ضيقة لا تسمح بأية مساحة للأقليات السورية، مما يرجح بدرجة أكبر دفاع الأقليات عن الأسد، عوضاً عن تحمل مخاطر مستقبل غير مؤكد تقبض عليه المعارضة.
وقال روث فى نهاية مقاله على موقع المنظمة "حقاً قد ثبت أنه من الصعب بناء نظم ديمقراطية تبدى احترامها لحقوق الإنسان فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه ينبغى على المجتمع الدولى ألا يحكم بمعاقبة شعوب المنطقة بذلك المشهد المقيت لنظام حكم سلطوى لا نهاية له، ذلك إذا ما تجاوزنا عن إراقة الدماء على نطاق واسع، ولقد خاطرت تلك الشعوب بالحياة فى سبيل مستقبل أكثر حرية، وعلى عاتقنا تقع مسئولية دعمها، وإذ تدخل الانتفاضة العربية عامها الثالث، يتعين علينا جميعاً تكرار تعهدنا مرة أخرى بالانتهاء إلى نتائج إيجابية".
"ووتش": الأغلبية الانتخابية لا تمنح السلطات ترخيصا بفعل ما يحلو لها.. مدير المنظمة يطالب بتسليط الضوء على لامبالاة "بوتين" تجاه الدماء السورية.. "روث": يصعب بناء نظم تحترم حقوق الإنسان بالشرق الأوسط
الأحد، 10 فبراير 2013 03:33 م
كينيث روث
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة