هيقولوا مات كريستى.. قوللهم لأ عاش.. دى الجنة لا فيها موت ولا تتدخل ببلاش.. .
كانت تلك الكلمات التى نعى بها الشهيد محمد حسين الشهير بكريستى نفسه قبل استشهاده على أيدى داخلية مبارك – عفوا – داخلية المجلس العسكرى – عفوا تانى – داخلية الرئيس المنتخب محمد مرسى... نعم إنك تقرأ ما كتب جيدا وصحيحا.. إنه أحد الشهداء المتراصة أسماؤهم على الصفحات والأوراق فى الصحف والمواقع.. أنه شهيد جديد ينضم إلى قافلة الشهداء التى تطول يوما بعد يوم ولا تجد دماؤهم صدا لدى من يجلسون على الكراسى وأولهم صاحب الكرسى الكبير – الرئيس- ولنسأل هنا سؤالا مهما.. من هو كريستى ولماذا قتل وما علاقته بالرئيس مرسى رئيس الجمهورية ما بعد الثورة، التى قام بها ثوار مثل كريستى وجيكا والجندى وأحمد حرارة وأحمد بسيونى ومصطفى الصاوى والآلاف من الثوار فى كافة ميادين مصر والتى نتج عنها قطار من الشهداء لم تجف دماؤهم بعد ولم ينس أصدقاؤهم لماذا ضحى هؤلاء بأرواحهم.
إن كريستى الشاب العشرينى المولود فى عام 89 والطالب بكلية تجارة جامعة القاهرة والذى انتهى قبل أيام قليلة من امتحانات الفصل الدراسى الأول ليس سوى شاب يعشق أرض هذا الوطن، ضحى بوقته وبجهده من أجل الثورة التى رأى فيها تجسيدا لأحلامه الطموحة لمستقبل أفضل له ولأولاده الذين لم ولن يروا هذا الوطن أبدا.
كان الشاب الوسيم المبتسم مصدر حب وطاقة فعالة لكل من حوله من أصدقائه حتى الذين يكبرونه بأعوام وأعوام، كان الشاب الوديع الهادئ الخجول أحيانا.. وكان الثورى القوى الهادى أحيانا أخرى.. كان يحاول أن يساعد الآخرين بكل ما يملك من قوة وطاقة.. والقصص فى ذلك كثيرة للغاية ولكنها ملك لأصحابها وحدهم.. ولكنها واضحة وضوح الشمس كما كان محمد حسين واضحا مثل الشمس، فى نقائه وثوريته.. فالفتى العشرينى لم يجد راحته سوى فى الميادين التى تنادى بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية.. قاوم الذل والإحباط والهوان الذى كنا نعيشه جميعا وتظاهر سلميا ورفع حنجرته بالهتاف من أجل حريته وحريتنا.
لم ينتخب أحدا من السياسيين ليتحدث عنه ولم يقف إلى جانب الفلول يوما ما.. لم يتقن آلاعيب السياسة ولم يرضخ لقوانينها ولم يفعل مثلنا حين أصابنا الشلل وعصرنا الليمون واخترنا الاختيار الأسوأ، ما بين اختيارين فرضتهم علينا لعبة السياسة القذرة، ورفض أن يمارس شيئا إلا الثورة والثورة فقط.
يقول كريستى: ((لن أعطى شرعية لمجلس فاقد الشرعية قفز على السلطة بتكليف من رئيس غير شرعى خلعته ثورة شعبية لن أشارك فى مسرحية أخرجها المجلس العسكرى وقام بتمثيلها مرشحى الرئاسة باقتدار، مسرحية يسعى النظام بقوانينه ومؤسساته وإعلامه وأفراده من عسكر وإخوان وأحزاب ونخبة وائتلافات لتقديمها وعرضها.
لن أبيع شرفى الثورى ولن اتخلى عن مبدئى ولن أكون متفرجا يصفق للطرطور القادم مقاطعتى موقف إيجابى وليس سلبيا أنه تعبير عن قيمى عن إيمانى بثورتى وأملى فيها..))
ولكنه حين فاز مرسى هنأه وتمنى له النجاح.. هل يعقل أن يكون هذا النبيل الشهم الشجاع المواجه.. مضللا أو مضحوكا عليه بشعارات جوفاء.. هل يمكن أن يكون بلطجيا مخربا؟ كلا وألف ألف كلا.. لقد كان فيلسوفا فى بساطته عبقريا فى مواقفه وكلماته التى ربما لم نكن لنتوقف عندها طويلا قبل ذلك.. ولكنه القدر الذى يحجب عنا أغلى وأعز وأشجع من فينا ولا ندرك ذلك إلا بعد فوات الأوان..
كان نشاط كريستى يفوق عدد سنوات عمره القليلة وربما يفوق ساعات اليوم التى تمر علينا متسارعة فكان الفتى الجميل أدمن لعدة صفحات على الفيس بوك مثل إخوان كاذبون وجمعية أطباء التحرير التى كان عضوا فاعلا بها فى الأعمال غير الطبية ونشاطه الثورى ونشاطه الاجتماعى فى مساعدة أصدقاء وغرباء لا يعرفهم.
استشهد محمد حسين كريستى على بعد مئات الأمتار من قصر محمد مرسى.. دخل إلى الدار الآخرة على بعد خطوات من الدار الفانية التى دخلها مرسى كرئيس لمصر بعد الثورة.. قتل كريستى مع سبق الإصرار والترصد على يد داخلية مرسى التى عين لها وزيرا جديدا لم يغير فيها شيئا إلا للأسوأ.. لم يقم كريستى على مدار حياته القصيرة بما يستحق عليه الحكم بالإعدام، الذى نفذه رجال مرسى وقنديل وإبراهيم فيه دون محاكمة ولا أدلة ولا حق ولا عدل، لا أعرف إن سمع محمد مرسى بمحمد كريستى أم لا.. ولكن يجب عليه أن يسمع عنه جيدا.. وأن يتعلم منه.. فربما سنوات عمر كريستى الذى انتهى تصل إلى أقل من ثلث سنوات مرسى.. ولكن كريستى وعد فصدق.. وأقسم فأبر بقسمه.. واجه وتحدى ولم يخش شيئا إلا الله.. ولم يطلب الحق والعدل إلا من الله.. طلب الشهادة بصدق فكان له ما أراد.. أما محمد مرسى فبحث عن كرسى الرئاسة وناله.. ولم يبر بما أقسم عليه.. ولم يف بما وعد به.. ولم يصدق ما عاهد الله عليه.. قال مرسى فى حملته الانتخابية إنه سيكتب على كرسيه فى الرئاسة إن نجح قوله تعالى: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.. سورة البقرة.. وقد فعل فعلا.. ولكن أسأله أن يعيد قراءة تلك الآية الكريمة بعد استشهاد محمد كريستى وبعد استشهاد وتعذيب محمد الجندى وبعد سحل وتعرية حمادة صابر وبعد استشهاد عمرو سعد.. فإن وقر فى قلبك أنك ستحاسب على هؤلاء الشهداء إن لم تأت بحقوقهم وتقتص ممن قتلهم وأن تقدر على ذلك فأنت ومن قتلهم سواء.. أن كنت تستطيع ولم تفعل فأنت المسئول ولن لم تستطع فأنت المسئول.. .وسيحاسبك الله الذى تركع وتسجد له فى صلواتك الخمس يوما بعد يوم.
ولا تنس دموع أمهات وصراخ آباء ونحيب أصدقاء على من فقدوا من أعز وأغلى وأجمل وأشجع من أنجبت مصر من شباب.. على مدار عامين كاملين حتى يحصلوا على الحرية لشعب بأسره.. ليس لهم فهم أحرار يتنفسون الحرية والعدل تحت عرش الرحمن.
د. محمد فؤاد أبو العز يكتب: ثورة كريستى... وكرسى مرسى
الأحد، 10 فبراير 2013 02:33 م