باتت المنطقة على حافة مرحلة جديدة من الصراع السياسى والاقتصادى بعدما وقع اتفاق مساء اليوم فى العاصمة الأمريكية واشنطن بين إسرائيل والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية بضم مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، واتفاقيات لتحلية المياه وتوليد الطاقة.
"اليوم السابع" ترصد عدد من الدراسات التى تحذر من المشروع، حيث حذرت العديد من الدراسات العربية والدولية من خطر ربط البحر الأحمر بالبحر الميت وطالبت بإجراء المزيد من الدراسات والأبحاث المعمقة على مشروع قناة البحرين (الأحمر – الميت)، لما قد يسببه المشروع من مخاطر على مختلف الأصعدة البيئية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية فى المنطقة بشكل عام.
واعتبرت دراسة أعدها مركز الإعلام والمعلومات فى غزة أن إسرائيل تسعى جاهدة لتنفيذ المشروع بسبب الفوائد العديدة التى ستجنيها منه.
واستعرضت الدراسة المراحل المختلفة التى مر بها المشروع موضحة أن عمر التفكير فى مشروع لربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة من حوله (المتوسط أو الأحمر) يتجاوز مائة وخمسين عاما، وأن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هريتزل تبنى مشروع لربط البحر الميت بالبحر المتوسط وهو ما يؤكد الجذور التاريخية للمشروع فى الفكر الإسرائيلى، إضافة إلى تبنى الحكومات الليكودية الإسرائيلية للمشروع وخاصة فى عهد مناحم بيجن الذى باشرت حكومته بالفعل فى شق قناة تربط بين البحر المتوسط والبحر الميت، إلا أن جهودها فشلت بسبب المعارضة الدولية والعربية والداخلية للمشروع.
ثم عرضت الدراسة بالتفصيل للمخاطر المختلفة التى يمكن أن تنتج عن المشروع من مختلف الجوانب البيئية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، فعلى المستوى البيئى يمكن أن يتسبب المشروع فى زيادة احتمال حدوث الزلازل، بسبب كميات المياه الهائلة التى ستتدفق على البحر الميت الذى يعتبر منطقة نشطة زلزالياً، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة للمبانى الموجودة فى المدن الفلسطينية المختلفة والتى تعانى من عيوب خطيرة تجعلها معرضة لأضرار فادحة حتى مع الزلازل الضعيفة نسبيا، وإغراق لمناطق زراعية فى منطقة الأغوار، وتأثير المشروع على المناخ والبيئة فى المنطقة.
وبالنسبة للأخطار الاقتصادية فقد أشارت الدراسة إلى تأثير المشروع على استخراج الأملاح من البحر الميت، وتأثير تغير البيئة على صناعة السياحة التى تعتمد على الخصوصية البيئة للمنطقة، وتصل هذه الأخطار إلى حد قيام إسرائيل بتطوير قدراتها النووية مستخدمة مياه القناة لتبريد المفاعلات الجديدة التى ترغب فى إنشائها فى النقب إضافة لمفاعل ديمونة الذى يعانى من مشكلة نظام التبريد الهوائى الذى يعتمد عليه.
مراحل تطور المشروع:
فى عام 1899، أرسل بوركارت إلى تيودر هيرتزل نتائج أبحاثه التى تضمنت مخططا موجزا للمشاريع اقترح فيه شق قناة من خليج حيفا إلى غور بيسان، ومن ثم السير بمحاذاة نهر الأردن، وصولا إلى البحر الميت. بهدف استغلال فارق الارتفاع 400م ما بين سطح البحر المتوسط والبحر الميت لتوليد الطاقة. وقد قام تيودور هيرتزل بعرض هذا المشروع فى كتابه "الأرض القديمة – الجديدة" الذى صدر عام 1902، حيث أشار فيه إلى التصاميم المتعلقة بمشروع قناة البحار الذى أرسلها إليه بوركات.
وفى عام 1938 كلفت الوكالة اليهودية المهندس الأمريكى والتر لاودر ميلك دراسة الأوضاع المائية فى فلسطين. والذى قام بدوره فى عام 1944 بتقديم مشروعه المعروف باسمه إلى الوكالة اليهودية ويتضمن مشروع لاودر ميلك تحويل مياه نهر الأردن إلى إقليم السهل الساحلى وإقليم النقب.
وتضمن مشروعه شق قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت وتمتد من خليج عكا عبر سهل مرج ابن عامر إلى غور بيسان ووادى الأردن ومن ثم إلى البحر الميت.
وخلال الفترة بين عامى 1950 و1955 قدم الخبير الأمريكى جون كيتون سبعة مشاريع لسبع قنوات مختلفة لربط البحر الميت بالبحر المتوسط ليتم اختيار واحدة منها.
وفى عام 1968 طرحت فكرة حفر قناة تربط بين ميناء "أسدود" على البحر المتوسط وميناء "إيلات" على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن العديد من المؤشرات كانت تشير إلى تبنى حكومة جولدا مائير للمشروع، إلا أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية قد أدت إلى تعليق المشروع بانتظار حدوث متغيرات جديدة.
توقعت الدراسات الإسرائيلية أن ترفد هذه القناة البحر الميت بحوالى 1600 مليون متراً مكعباً سنويا, وبإضافة 600 مليون متراً مكعباً من مياه الروافد سيصب فى البحر الميت ما مجموعه 2200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ليعود مستوى سطح البحر الميت إلى -395 مترا تحت مستوى سطح البحر.
وبدأ بحث المشروع جديا بتاريخ 25/7/1994 بعد توقيع الجانبين الأردنى والإسرائيلى اتفاق إنهاء حالة الحرب بينهما حيث اتفق الطرفان على تشكيل لجنتين إحداهما لترسيم الحدود والأخرى لبحث قضايا المياه وقد كان من نتائج اجتماعات لجنة قضايا المياه الإعلان فى نهاية أغسطس من عام 1994 عن التوصل إلى اتفاق لإنشاء قناة البحرين كما شملت المادة السادسة من معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين عام 1994 ملحقا تنظيميا للعلاقات المائية بين الطرفين وقد كان من بين تلك الأمور إنشاء قناة البحرين.
الوضع البيئى الحالى للبحر الميت:
يشغل البحر الميت أخفض منطقة فى غور الانهدام السورى الأفريقى، وتبلغ مساحته حوالى 1000 كم2، ويتكون من حوضين، الحوض الشمالى ويشغل مساحة 756كم2 تقريبا, والحوض الجنوبى يشغل مساحة 244 كم2، وتبلغ نسبة الملوحة فى مياه البحر الميت حوالى 30% وهى أعلى نسبة ملوحة فى البحار والمحيطات، ولهذا يخلو البحر الميت من وجود الأسماك والكائنات الحية.
والحقيقة أن سطح البحر الميت يعانى منذ فترة طويلة جدا من انخفاض مستمر حيث تؤكد بعض الدلائل والأبحاث أن مستوى سطحه كان يقع على انخفاض 182 متراً فقط من سطح البحر، وبالتالى فإن مياهه كانت ممتدة على طول غور الانهدام من أطراف بحيرة طبرية فى الشمال وحتى موقع عين حصب فى وادى عربة على بعد 38 كم جنوبى البحر الميت.
خطوات المشروع
الخطوة الأولى: تتضمن قناة بطول 12 كيلومترا من شاطئ العقبة باتجاه الشمال، بسعة تدفق تصل إلى 60 مترا مكعبا فى الثانية.
الخطوة الثانية: بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية للاستفادة من الارتفاع الشاهق لسقوط المياه.
ويعتبر المسئولون الأردنيون أن مشروع قناة البحرين هو مشروع القرن الحالى بالنسبة للأردن، وتفسر ذلك الجهود الكبيرة التى يبذلها الأردن للترويج له على المستوى الدولى والعربى، وترتكز وجهة النظر الأردنية فى تسويقها للمشروع وبخاصة على المستوى العربى على عدد من النقاط:
أن المشروع أردنى المنشأ وأنه جاء ردا على مجموعة من المشاريع الإسرائيلية التى أرادت وصل البحر الميت بالبحر المتوسط أو الأحمر.
إثارة المشكلة البيئية للبحر الميت وبخاصة انخفاض مستوى المياه فيه بشكل مستمر، مع تسويق مقولة أن البحر الميت سيختفى بعد خمسين عاماً إذا لم يتم إنقاذه الآن.
أن المشروع يمثل حلا لمشكلة المياه الكبيرة التى يعانى منها الأردن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، حيث سيوفر حسب المصادر الأردنية ما يزيد على 850 مليون متر مكعب من المياه سنويا للأطراف الثلاثة الأردن وفلسطين وإسرائيل، حصة الأردن منها تصل إلى نحو 570 مليون متر مكعب سنوياً.
مخاطر أمنية وبيئية على مصر
يقول اللواء حسام سويلم فى دراسة له بهذا الشأن أن شق قناة مائية تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وتوليد الكهرباء منها وما يستتبع ذلك من إقامة مجتمعات عمرانية، وجذب مزيد من المهاجرين والسكان فى منطقة النقب سيزيد من قدرات إسرائيل الجيوبوليتيكية ومعالجة عناصر الضعف التى تعانى منها بالنسبة لقلة السكان ومحدودية الأراضى الصالحة للزراعة والصناعة والعمران، خصوصا أنه من المخطط أن تستوعب إسرائيل حوالى مليون مهاجر إضافيين حتى عام 2150. وما يستتبع ذلك بالضرورة من بناء هياكل عسكرية إضافية للدفاع عن هذه المجتمعات العمرانية الجديدة.
مضيفا إن إقامة مفاعلين نوويين إضافيين فى منطقة النقب يتم تبريدهما بمياه القناة المقترحة، سيؤدى إلى مضاعفة حجم الوقود النووى الذى تحصل عليه إسرائيل عدة مرات، سواء كان يورانيوم 235 مخصب بنسبة تزيد على 90 فى المائة أو بلوتونيوم 239. فإذا كان مفاعل ديمونة الحالى بعد أن زادت طاقته من 62 ميجاوات إلى 70 ميجاوات ثم بعد ذلك إلى 150 ميجاوات ينتج حاليا 45 كيلو جراما بلوتونيوم سنويا، فلنا أن نتصور حجم ما يمكن أن ينتجه مفاعلان نوويان يعمل كل منهما بطاقة 1000 ميجاوات فى المستقبل، وإذا كان السلاح النووى الواحد ذو قدرة 20 كيلو طن يحتاج إلى 6-8 كيلو جرامات بلوتونيوم 239، أو 25 كيلو جراما يورانيوم 235 مخصبا بنسبة 90 فى المائة فأعلى، فان إسرائيل فى حالة بنائها المفاعلين النوويين الجديدين فى النقب سيكون لديها من الوقود النووى الصالح لبناء أسلحة نووية ما يمكّنها من بناء مئات من القنابل ورؤوس الصواريخ النووية، ناهيك عما سيترتب على ذلك من زيادة حجم النفايات النووية الناتجة عن هذه المفاعلات، والتى ستزيد من تلوّث البيئة فى منطقة البحر الأحمر كلها، حيث تقوم إسرائيل بدفنها فى النقب ومنطقة جبال الخليل.
أيضا لا يمكن استبعاد استكمال المرحلة الأولى من المشروع - وهى قناة تربط البحر الأحمر بالميت - بمرحلة ثانية للمشروع توصل البحر الميت بالبحر المتوسط، وبما يشكل منافسة خطيرة لقناة السويس التى تعتبر أحد الموارد الرئيسية للعملة الحرة بالنسبة للاقتصاد المصرى، وسوف تمكن التقنيات الحديثة فى مجال حفر القنوات فى الأراضى الصعبة وتعميق مجرىً ملاحى فى البحر الميت من التغلب على الصعوبات التى سيواجهها مثل هذا المشروع، وبما يسلب مصر أحد مصادر قوتها الاقتصادية.
موضحا أن تدفق حوالى 2 مليار متر مكعب سنويا من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت سيحدث تأثيرات بالغة الخطورة على كنوز وثروات البحر الأحمر فى المنطقة المصرية، حيث مناطق الشعب المرجانية وحدائقها التى لا تقدر بثمن، والأسماك الملونة النادرة التى ازدهر بها جنوب سيناء سياحيا. إذ ستتغير الخصائص البيئية للبحر الأحمر وتياراته المائية، فمن المعروف أن أى تغيير فى خصائص مياه البحار والأنهار يحدث تغييرا فى حياة الأحياء المائية الموجودة به، مما سيحدث تدميرا للشواطئ والأحياء المائية والشعب المرجانية التى تعيش فى بيئة البحر الأحمر منذ آلاف السنين.
ولما كان من المعروف أن القشرة الأرضية فى منطقة البحر الأحمر بشكل عام غير متماسكة ورقيقة، الأمر الذى عرضها فى الماضى لعدد من الزلازل والهزات الأرضية الخطيرة. لذلك فإن نقل 2 مليار متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنويا إلى البحر عبر القناة المقترحة، وإسقاطها من ارتفاع يزيد على 200 متر سيزيد من اضطراب القشرة الأرضية وتشققها وحدوث مزيد من الزلازل والهزات الأرضية التى ستتأثر بها جميع بلدان المنطقة كما حدث فى الماضى.
وأضاف اللواء سويلم إن دخول مشروع قناة البحرين إلى حيز التنفيذ يفرض على الجهات المسئولة فى مصر أن تكون فى منتهى اليقظة للآثار السلبية الأمنية والاقتصادية لهذا المشروع على مصر وأمنها القومى بأبعاده الشاملة، خاصة فى المدى البعيد، ويجب ألا تتوقف عند المقولة السائدة حاليا بين الجهات المعنية فى مصر بأن هذا المشروع لا يشكل تهديدا حاليا لقناة السويس. ذلك أن مسائل الأمن القومى لأى دولة لا ترتبط بما هو واقع أو متوقع من تهديدات فى المستقبل المنظور فقط، بل يجب استشراف التهديدات التى ستقع فى المستقبل البعيد من مشروعات معادية يبدأ تنفيذها حاليا أو فى المستقبل القريب.
بعد اتفاقها مع الأردن على تنفيذه.. إسرائيل تصر على المشروع لتبريد مفاعلاتها النووية وتوليد الكهرباء.. و توصيل البحرين الأحمر والميت يدمر السياحة والمنتجعات المائية بجنوب سيناء ويسبب زلزالا فى المنطقة
الإثنين، 09 ديسمبر 2013 10:56 م