لقد أثار قانون التظاهر الكثير من اللغط سواء قبل إصداره أو بعد إصداره لاعتبارات مختلفة ساقها المعترضون عليه أو المؤيدون له، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع من اعترض على إصدار القانون أو وافق على إصداره، وكذا مساحة الاتفاق أو الاختلاف ، فإن التظاهر حق، ولابد لهذا الحق من قانون ينظمه.
إلا أن الملفت فى هذا القانون أنه جاء بعد انتهاء حالة الطوارئ التي لم تلتجيء الحكومة لأى من إجراءاتها طوال مدة فرضها، وكأنها قد فرضت لمجرد الرغبة في فرضها كديكور تتزين به المرحلة الانتقالية فى مواجهة احتفاء أمريكا والغرب بثورة قد أطاحت بنظام حكم قد تواطأ معهم ضد بلاده .
أو فرضت لإظهار مدى عجز الدولة عن استخدام إجراءاتها الاستثنائية فى الظروف الاستثنائية التى دعت لفرضها فى مواجهة من يمثلون الخطر الداهم على الدولة المصرية، إنها عبثية القرار عندما يصدر بغير هدف محدد يسعى مصدره إلى إنفاذه، ومع ذلك تجاوزنا مرحلة الطوارئ بتراخ أغري خصوم الدولة علي التمادي في الخروج عليها خارج إطار القانون .
وكل هذا يدفع بالشرطة والجيش إلى مقدمة المشهد السياسى بما يخدم دعاية الخصوم ضد الثورة ونعتها بوصف الانقلاب العسكرى ويصادف هوى فى نفوس الدول الغربية وأمريكا الضاغطة فى هذا الاتجاه.
ثم يجرى تعرية ظهر الشرطة والجيش بطرح مبادرات للتفاوض حول فض الاعتصامات على نحو سلمى، ويظهر من بين صفوف الحكومة من يزايد في هذا الاتجاه على الحكومة ذاتها، ويهدد بالاستقالة، بل وهناك من استقال بالفعل بعد أن أصاب الموقف المصرى بالرخاوة والترهل حال استقدامه السيدة آشتون وغيرها للدفع فى هذا الاتجاه كاشفاً ظهر الدولة المصرية لمن لديه رغبة فى جلدها عقاباً لها على ثورتها.
وهذا البعض كان يدرك أن لا جدوى من وراء الجولات المكوكية للتفاوض لأن الإخوان كانوا يبيعون الوهم للمصريين ولأن سقف مطالبهم كان يصل إلى حد تعليق الرؤوس التى أينعت علي أعواد المشانق.
وقد كان وقت الذروة من الزخم الثورى وفى ذروة اشتعال مظاهرات الإخوان هو الوقت المثالى حقاً لتنفيذ مقتضيات حالة الطوارئ أو لإصدار قانون لتنظيم حق التظاهر السلمى لفرز المظاهرات السلمية عن المظاهرات المسلحة أو أعمال البلطجة والخروج علي سلطات الدولة .
إلا أن الحكومة تراخت في الحالتين: حالة إنفاذ مقتضيات حالة الطوارئ، وحالة إصدار قانون لتنظيم التظاهر، وفقدنا عنصر التوقيت المناسب لإصدار القرارات تحت زعم أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتى أبداً، وعندما فكرت الحكومة فى إصدار قانون تنظيم التظاهر تسربت أنباء عن إختلافات وضغوط وتهديدات ومزايدات داخل صفوف الحكومة ، وقد تكون تلك ظواهر صحية ولكن داخل الإجتماعات المغلقة ولا يجرى تسريبها لوسائل الإعلام، وقامت الحكومة بإرسال مشروع القانون إلى مجلس الدولة ومنظمة حقوق الإنسان المصرية لإبداء الرأى فيه، فجاءتها ملاحظات على مشروع القانون غضت الطرف عنها، وكأن أخذ الرأى كان لمجرد الاستيفاء الشكلى على الطريقة المصرية، وفى ذلك دلالة على أن الحكومة تتعامل مع الأمور على نحو تقليدى لا يصلح للإنطلاق الثوري المنشود، وأنها جاءت لترسخ قيم ومفاهيم ما جاءت الثورة إلا لنسفها، وتتفاجأ بعد إصدار القانون بأحد أعضاء الحكومة يهاجم القانون الذى صدر عن حكومته بأشد مما يتأتى من خصومه، وكأنه ما كان عضواً فى الحكومة ولا يحضر جلساتها التى أقرت هذا القانون، وكأنه لم يكن يعلم أن قرارات الحكومة هى قرارات تضامنية، وأن السبيل الوحيد المتاح لاعتراضه هو تقديم استقالته.
أفلا يدرك هؤلاء أن اعتراضاتهم العلنية وتهديداتهم بالاستقالة واستقالة بعضهم، فضلا عن كونها قد كشفت سوءة الأداء الفردى للحكومة، فإنها قد قدمت وقوداً إضافياً للخصوم يتسنى به لهم إشعال الأرض تحت أقدام الوطن؟ فضلاً عن استمرار وضع الجيش والشرطة فى مقدمة المشهد السياسى بدلاً من السياسيين.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة