معصوم مرزوق

الدستور.. ليس هو الحل!

الأحد، 08 ديسمبر 2013 10:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهت سطور الدستور الجديد، ولكن تلك ليست النهاية، وإنما مجرد بداية.. الدستور وثيقة قانونية سياسية، لكنها فى المقام الأول انعكاس للواقع وتوازنات القوى فيه.. الواقع أقوى من أى وثيقة مكتوبة.. وأى سطور لا تتطابق مع هذه الحقيقة، لن تزيد عن كونها مجرد كلمات ميتة.. وإذا كان الظرف الحالى يفرض التغاضى عن بعض الملاحظات، والتعامل إيجابياً مع الوثيقة الجديدة، فإنه ربما أمكن فى المستقبل تدارك المسكوت عنه، علماً بأن كل ما تجاوز الواقع أو تناقض معه، سيظل محنطاً إلى أن يسقط مثل كل الكلمات الميتة.
فى ظل دستور 1971، كان الرئيس الأسبق مبارك حاكماً على مصر لمدة تزيد على عقود ثلاثة، ازدحمت شوارع المحروسة طوال هذه السنوات بمئات الآلاف من المصفقين المهللين الصارخين باسمه، أطل بوجهه الباسم عليهم من شاشات التليفزيون وصفحات الصحف كل صباح ومساء، وهو يمنى شعبه بالزمن السعيد، تغنى باسمه آلاف التلاميذ فى المدارس، أطلق الآباء اسمه على آلاف الأبناء، كان الزعيم الذى يجد كل من حوله مسبحاً باسمه، فكل كلمة تخرج من بين شفتيه هى الحكمة المصفاة، وكل خطوة يخطوها تتجه حتماً إلى نصر جديد.
لقد تحول مبارك فجأة إلى حلم الفقراء فى العشوائيات، وحامى الثكالى والأيتام فى الحوارى الضيقة القذرة بطول وعرض المحروسة.. بل وأصبح فى فترة زمنية صورة صلاح الدين الذى تنتظره القدس.. هكذا رآه الملايين فى معظم سنوات حكمه، وربما لم يقرأ أغلبهم كلمة واحدة فى الدستور، لأن الأحلام لا يصوغها فقهاء القانون الدستورى..
ثم فجأة.. أطل علينا مبارك آخر من شاشات التليفزيون.. منكسر ذليل فى قفص، يبدو طيعاً وديعاً بين أيدى حراسه.. إنها لحظة الحقيقة الكاشفة.. فى لحظة الحقيقة الكاشفة تكون الصدمة العنيفة، حين ينكشف المستور وجزء من الخفايا، وعندها أدرك الجميع أن «الدستور» الذى عجز عن تحقيق أحلام الشعب، هو نفسه «الدستور» الذى لم يحصن الرئيس ضد الغضب الشعبى الذى أطاح بأوهام «الشرعية الدستورية» التى لم تتطابق مع الواقع المعاش.. وهذا ما حدث فى زمن أقصر مع دستور 2012 وأوهام «شرعية مرسى».
ومع ذلك.. وجدنا من يبكى غير مصدق مشهد مبارك الأخير، بل خرجت بعض المظاهرات فى بعض الشوارع تهتف: «بالروح بالدم.. نفديك يا مبارك!!».. لم يسعد مشهده المنكسر حتى خصومه المنتصرين، ليس لأنهم كانوا يعشقونه بشكل خفى أو لمرض نفسى ما، وإنما لأنه لو كان ذلك الشخص الذى ظهر مهزوماً على شاشات التليفزيون هو خصمهم الجبار اللدود- كما ادعوا- على مر السنين الطوال، فما أهونهم لأن قيمة المرء تقاس أيضاً على مقاس خصمه، فإذا كانت هذه هى حقيقة حال خصمهم الذى قهرهم- كما قالوا- ردحاً من الزمن، فإن الاستنتاج المنطقى هو أنهم أدنى كثيراً منه، وذلك هو التفسير الوحيد لأمنية الخصوم الذين قالوا بأنهم كانوا يفضلون لو أنه قاتل ضد معارضيه أو انتحر. إنها صناعة الوهم واحتراف الخوف، فنحن نخترع العفريت الذى نخاف منه، نحن الذين نصنع الأصنام بأيدينا ثم نسجد أمامها كى نعبدها، المشكلة لم تكن فى الزعيم وإنما المشكلة فى «خداع النفس».. وتقديرى أن ذلك لا يمكن علاجه فقط بصياغات دستورية محكمة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

صفوت الكاشف *

فعلا الواقع شىء ... وما يُصاغ له شىء آخر مختلف تماما

عدد الردود 0

بواسطة:

جرجس فريد

لسه بدري علينا

عدد الردود 0

بواسطة:

عبس

مقال جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

إبراهيم حسن

دستور 2013 = مشروع النهضه الإخوانى 2012

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

نريد جوابا شافيا

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

قهوة الدستور حائرة بين السلفية والتركية والكابتشينو

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد سيف الحق

الحل في : تمكين دولة المؤسسات وسيادة القانون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة