آفة البيروقراطية المصرية أنها تضطر الدولة فى مرحلة البناء والتحول الديمقراطى التى تمر بها، إلى بناء سجون جديدة، شعرت بذلك من القرار الجمهورى الذى أصدره الرئيس عدلى منصور، والذى حمل رقم 622 لسنة 2013، بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 165 لسنة 2007، بشأن إخلاء بعض أراضى السجون، وإنشاء سجون بديلة من حصيلة بيعها، أليس ذلك عجيبا..؟ أن تضطر الدولة لبناء السجون، فى ذروة تورطها اقتصاديا، وقلة مواردها، وبحثها عن استثمارات خليجية حينا، وأوروبية حينا أخرى، أليس ذلك عجيبا، أم أن الدولة عدمت المشروعات والاقتراحات؟
وإذا كان لدى وزارة الداخلية أموال لا تعرف كيف تنفقها، وإذا كانت تمتلك أراضى، يمكنها أن تبيعها، وتدر على الدولة دخلا وموارد فى المقابل، فهل من الضرورى أن يتم استثمار هذا المردود، فى بناء المزيد من المنشآت الشرطية، بالتوسع فى تشييد السجون.
هل نحتاج فى هذه المرحلة بناء المزيد من السجون؟ هل نحتاج لاستنزاف مواردنا فى عمل مناقصات، والتعاقد مع مقاولى تشييد هذه المنشآت الشرطية الخاصة؟هل تتحمل ميزانية الدولة المصرية هذه البنود؟ لماذا لم يراجع الرئيس عدلى منصور مستشاريه فى جدوى مثل هذا القرار؟ هناك آلية بيروقراطية تشوب هذا القرار، الذى يؤكد أنه تم رفعه للرئيس من وزارة الداخلية مباشرة، كأن توقيع الرئيس أمر أتوماتيكى، لا يمكن لأى قوى عليا أن تتدخل فى مثل هذا القرار، أو مراجعته، أو كأن وزارة الداخلية دولة داخل الدولة، مواردها، ومخصصاتها، لا يمكن أن تمس.
إذا كانت ميزانية الدولة تتحمل تشييد سجون جديدة، فهى بالتأكيد تتحمل تشييد ملاجئ جديدة تتسع لأطفال ينتشرون كالقنابل الموقوتة فى الشوارع، كما أنها تتحمل إنشاء مستودعات جديدة لأنابيب البوتاجاز، وكذلك تتحمل تشييد مصانع جديدة لاستيعاب العاطلين عن العمل، أو ورش جديدة، أو معامل جديدة للباحثين والعلماء الذين لا يجدون معامل يمارسون فيها بحثهم العلمى.
إذا استطاعت مصر أن تبنى سجونا جديدة، فهى تتحمل بالتأكيد بناء ملاعب جديدة ومراكز شباب جديدة للعديد من الشباب الضائع الذى يقضى وقته ضائعا على المقاهى أو فى نوادى «الإنترنت»، كما أنها تتحمل بالتأكيد بناء مدارس جديدة لتقليل وحل أزمة الكثافة الطلابية داخل الفصول.
وإذا كان بمقدور مصر أن تبنى سجونا جديدة، فهى تتحمل بالتأكيد استصلاح المزيد من الأراضى المخصصة لبناء هذه السجون، لحل أزمات التعدى على الرقعة الزراعية، أو على الأقل بإمكانها تخصيص هذه الأراضى للبناء، بدلا من الغيطان التى تتآكل يوميا، وإذا كان بإمكانها هذا وذاك، فبإمكانها بالتأكيد أن تبنى مساكن جديدة للعاجزين عن السكن فى شقق آدمية، أو حل مشكلات العشوائية التى تضرب أحزمتها المدن الكبرى، وتطوق بأزماتها عنق المجتمع.
فى جلسة اجتماع واحدة، يستطيع الرئيس ومستشاروه، حل خمسين أزمة من أزمات مصر، التى تعانيها فى مرحلة التحول الديمقراطى، فهى أكثر من مائتى أزمة، كما قرر المحافظون بين يوم وليلة، توفير قطع من الأراضى للتظاهر، تنفيذا لرغبة الدولة فى إقصاء المتظاهرين، وصم آذانها عن مطالبهم. الدولة قادرة أن تنتزع هذه الأراضى من وزارة الداخلية، وتمنحها لمن يحتاجها، بدلا من بناء سجون جديدة، تحجب أسوارها أى أمل فى نهضة وتقدم هذا الوطن.
وجدى الكومى يكتب: مصر فى زمن التحول الديمقراطى لا تحتاج لبناء سجون جديدة ولكن لتشييد المصانع والمدارس والجامعات والمساكن والورش والمعامل
السبت، 07 ديسمبر 2013 06:48 ص