منذ الصباح الباكر وهى تنتظر الغروب بولع واشتياق شديد، وكأنها على موعد به .. تدق عقارب الساعات ولا تنصت سوى لدقات قلبها انتباها شعور بالخوف لأول مرة عند انسكاب شمس الغروب فى وجه الأفق بحمرة خجل وإشفاق وعناق ما بعده عناق، وكأنها آخر مرة ولم تشرق الشمس مرة أخرى، ولن يأتى صباح جديد.
تدور عقارب الساعة وهى مازلت تنتظر وتعض على شفتيها وتجز على أسنانها وتعود تفكر بصوت عالٍ ترى لماذا لا يأتى .. كيف لم يأتى حبيبى؟! وأنه يدرى أننى أنتظره بلهفة وشوق لا حدود له.
تثب الفتاة إلى حديقة المنزل وتعود بكومة أزهار, تسحب الأنامل الناعمة ورقة من زهرة .. ثم ورقة .. ثم ورقة .. وجدار الغرفة الصامتة تردد سرًا سيأتى ... لن يأتى.
إلا أن يودع الغروب المشتاق مدينته العاشقة.. يطلقها من دفء صدره الولهان وحيدة باردة.. فتغطى وجه الأفق ظلمة يأس وإخفاق .. ويظلم المساء .. يصبح خانقًا قاسيًا.. والفتاة الحالمة تتلوى ألمًا.. فالانتظار الوحشى يفتك بها.
يطرق الباب وتجرى الحلوة مسرعة تتخيل الحبيب الوسيم قد أتى فتقفز تفتح والفرحة تهطل من عينيها.. ولكن خذلتها الخطوات ولم تصدق ما رأت ساعى البريد يعطيها رسالة حبيبها الأخيرة وهو يتلفظ آخر أنفاسه ويردد بعد كل كلمة حروف اسمها وكأنه يزف الرحيل بشوق وطمأنية مجرد ترديده حروف اسمها الذى سكن فى كل ركن من أركان قلبه وسرى فى شريان النبض وعروق الإحساس.
آه كم هى مؤلمة هذه اللحظة تحس أنفاسها تتثاقل وتختنق بعد كل كلمة فتذرف دمعًا خليط من الشوق والحزن والموت، تغلق الباب وتغلق معه أبواب قلبها.. تنكسر روحها تخشى أن تصدق ما قرأت وما سمعت فتموت.. تخاف أن ترى وجه الواقع الشنيع فيزداد فزعها لتعلم أن ما بين الحياة والموت شبح يتمزق والموت حياة قادمة ويجب أن نخفى كل لحظات السعادة فى سرية تامة ونهجر فقط بالحزن خوفًا من أن يعاقبنا الزمن على لحظات سعادة مسروقة.
