تتعامل جماعة الإخوان كما لو أنها تمنح جواز المرور إلى الجنة، هكذا تراهم فى تقطيع فروة مبدعين صعدت أرواحهم إلى بارئها وكانوا من أشد معارضيها، فعلت ذلك قبل أيام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، وارتكبت نفس الجرم مع الشاعر محمود درويش بعد رحيله، هل هو الكيد السياسى؟ أم لأنها تعيش بلا مبدع بين صفوفها، فتستبق بالهجوم الكاسح على المبدعين الآخرين؟
ماذا قالت قيادات من «الجماعة» بعد خبر رحيل أحمد فؤاد نجم يوم الثلاثاء الثالث من ديسمبر عام 2013؟
فى تغريدة لها على تويتر، قالت عزة الجرف، عضو مجلس الشعب «المنحل» والشهيرة بـ«أم أيمن»: «باع آخرته وخاتمته بدنيا غيره، ولم يجد قبرا يسعه إلا مقابر الإخوان المسلمين وعند الله تجتمع الخصوم اللهم احشره معهم»، وأضافت: «باع الحق وهو يعلمه واشترى الباطل وهو يعلمه، لم يحترموه بقبر وهذه طبيعة الانقلابيين مع كل من دعمهم.. اللهم احشرهم معا وعند الله تجتمع الخصوم»، وقال الإعلامى علاء صادق أحد أشد مؤيدى مرسى: «عاش أحمد فؤاد نجم 60 عاما مقاوما للاستبداد، وتعرض لكل أنواع التعذيب والتنكيل والقمع، وشاء الله أن يموت مناصرا للاستبداد».
نشطاء الجماعة على صفحات «تويتر» والـ«فيس بوك» كانوا أسوأ حالا من «أم أيمن»، فمنهم من تعرض لحياة «نجم» الشخصية، واتهامه بتدخين «الحشيش» ومنهم من تحدث عن زوجاته، وفى كلمات طيبة تناسب جلال الموت كتب مختار نوح، أحد القيادات السابقة فى جماعة الإخوان، على صفحته بـ«الفيس بوك»: «لم أكن ندا له فى يوم من الأيام، ولكنى تعلمت منه كيف أملأ قلبى بحب مصر، وكنت أذهب إلى حفلات الشيخ إمام التى كانت تقام فى بيوت الأحباب فى القاهرة والمنوفية والإسكندرية، وكنت أتعجب أنه كان يشاركنى فى هذا الحب الأستاذ جابر رزق، وإن كان كلانا قد أخفى على الآخر».
فى التعليقات التى جاءت على ما ذكره مختار نوح، كتب محمد غزاوى: «يحشر المرء مع من أحب، قول أمين يا أستاذ مختار، ويجمعك مع الشاعر أحمد فؤاد نجم فى الآخرة، أتحداك تقول آمين»، وكتب أبومصعب المصرى: «الرجل أصبح من الهالكين وغار ربنا ريحنا منه».
وبصرف النظر ما إذا كانت هذا الأسماء هى حقيقية أم ألقاب يطلقونها على أنفسهم، إلا أنها فى نهاية الأمر تعبر عن توجه عام لهؤلاء الذين يتسترون برداء الدين، ويكتبون سمومهم من خلف هذا الرداء.
من جنس هذا الفعل الآثم الذى حدث مع «نجم»، كان الفعل مع الشاعر محمود درويش الذى رحل فى الثالث من شهر أغسطس عام 2008، فماذا قالت تعليقات من «حماس» يومها على خبر موت الشاعر الكبير؟
فى بيان صادر عن حركة حماس على وفاة درويش، قال خالد مشعل رئيس مكتبها السياسى: «الأدب الفلسطينى فقد بوفاة درويش أحد ركائزه الأساسية»، وأشار إلى الدور الذى لعبه محمود درويش فى التعريف بالنضال الفلسطينى خلال مسيرته الأدبية المعاصرة، وقال: «الشعب الفلسطينى الذى أنجب درويش قادر على إنجاب غيره».
تعجب البعض من تلك الكلمات، لأنها لم تحمل أهم ما فى لغة العزاء التى يذكرها المسلمون، كما أنها لا يجب أن تغيب عن المنتسبين إلى التيارات الدينية وهى «الرحمة» للمتوفى، وافتقاد كلمات «مشعل» لهذا، أدى إلى اتهامه بأنه كما لو كان ينعى أديبا «صينيا أو روسيا».
فى مقابل ما ذكره «مشعل» انتشرت على صفحات «الإنترنت» حملات مسعورة ضد درويش ممن يتسترون بلباس الدين، منها: «هنا نتلقى التهانى فى نفوق الهالك محمود درويش»، والأغرب ما ذكره أحد نشطاء حماس للدفاع عما ذكره «مشعل»، وحسب ما جاء وقتها على شبكة «فلسطين للحوار»: «هناك فرق بين نعى الكافر وبين الترحم عليه، فإذا كان المقصود من النعى هو بيان أن فلان مات، أو بيان بعض محاسنه فقط، من دون طلب الرحمة أو الجنة، فهذا جائز ولا حرج، أما إذا كان القصد منه الترحم عليه فلا يجوز، لو كان بطل المقاومة وبطل فلسطين».
نحن أمام حملتين ضد قامتين فى تاريخ الشعر العربى، «نجم» ظلت قصائده بالعامية المصرية وقودا للحركة الوطنية ضد الاستبداد، وتنتصر لفقراء الشعب المصرى، وكان نصيبه من المعتقلات أيام جمال عبدالناصر، رغم حب «نجم» له: «عمل حاجات كتير معجزة.. وحاجات كتير خابت.. وإن كان جرح قلبنا.. كل الجراح طابت» وتم اعتقاله فى زمن السادات، لأنه لم يترك له شاردة ولا واردة إلا وسخر منها، واستمر على نفس العهد ضد مبارك، ثم محمد مرسى، وحين قامت ثورة 25 يناير كان من الطبيعى أن تحسب أشعاره وكأنها «منفاخ» ظل يعمل منذ أن كتب الشعر فى منتصف الستينيات من القرن الماضى، وذاع صيته بعد نكسة يونيو عام 1967، وأصبح من قمم «التحريض» شعرا من أجل الثورة، فهل يكون جزاؤه هذا الهراء الذى كتبه «الإخوان» عنه بعد موته؟هل لأنه واصل الهجوم ضد «مرسى» وقت أن كان رئيسا وهاجم جماعة الإخوان؟ الموضوعية تقتضى القول بأنه لم يستورد بضاعة جديدة فى هذا الأمر، وإنما واصل ما بدأه، فهو لم ينم برأسه على وسادة السلطة يوما ما رغم فقره وحاجته، ودافع عن حق الإنسان المصرى فى حريته، ولم يستثن الإخوان من هذا الدفاع.
أما محمود درويش فمقامه محفوظ فى تاريخ النضال الفلسطينى بأشعاره التى ستظل أقوى من حركة حماس، وهو القائل حين ذهب لاستخراج بطاقة هوية سيكتب فيها أنه إسرائيلى بقوة الاحتلال: «سجل أنا عربى.. ورقم بطاقتى خمسين ألفا.. وأطفالى ثمانية.. وتاسعهم سيأتى بعد صيف.. فهل تغضب».
يبقى السؤال، لماذا فعل «الإخوان» ما فعلوه بحق الاثنين؟
والإجابة أن القضية لديهم أعمق وأكبر من مجرد الخلاف السياسى، فهى جماعة عاجزة عن إنجاب مبدعين، فأسلوب السمع والطاعة لديها يقتلان روح الإبداع، فالشاعر والروائى والفنان تسلب صرامة التنظيم روحهم الإبداعية، و«الإخوان» لا يريدون مبدعا، وإنما يريدون «منظما» يتلقى التعليمات وينفذها، وبهذا الوضع لو كان بين صفوفها «نجم» و«درويش» ما كان الاثنان شاعرين ملهمين للقضية الوطنية، ولأن هذه هى عورتهم يواجهونها بالحط من قدر المبدعين.
تستند «الجماعة» على تراث فقير فى هذا المجال، ويتحدث قادتها عما قاله حسن البنا، مؤسسها، عن «الشعر» كأساس فكرى لهم، ففى تقديمه لديوان «حكمة الرجز» للشاعر محمد خليل الخطيب، يقول: «إن الشاعر فى الأمة مصور ماهر، يصور عواطفها وآمالها، ويرسم مكنونات ضمائرها ونفوسها، وقلب نابض بأفراحها وأحزانها، يخفق لها خفقة الفرح والسرور إن أصابت مغنما، أو لقيت خيرا، ويتأوه آهة الحزين إن مسها الضر أو نابها شر، يصور ذلك فى أبيات رشيقة تحمل رسالته إلى أمته بلغة الشعر والقصيدة، وهو مع هذا هاد يدل أمته على طريق النجاح، ويحذرها لتردى فى مهاوى الفساد، ويخلع على الفضيلة أجمل حلة تلفت إليها النفوس، وتستهوى الأنظار، ويضع الرذيلة فى صورة بشعة مروعة، لو أطلعت عليها الأمة لولت منها فرارا ولملئت منها رعبا، ذلك هو الشاعر فى ثوب العاطفة والحس، وهذا هو الشاعر فى ثوب الوعظ والتذكير، وهو فى كليهما يقوم بأجل الخدمات للإنسانية البائسة الغافلة».
مهمة «الشاعر» طبقا لما يقوله حسن البنا أن يكون «واعظا» وبهذا المقياس لا يعد أحمد شوقى شاعرا وحافظ إبراهيم شاعرا، ولأن الشعر هو «الوعظ» فى نظر مؤسس الجماعة، من الطبيعى القول إنها أجادت فى تربية خطباء للمساجد لكنها لم ولن تنجب شاعرا يؤثر فى وجدان أمة، كما أثر أحمد فؤاد نجم ومحمود درويش.
لماذا تشمت «الإخوان» فى موت المبدعين كما حدث مع أحمد فؤاد نجم ومحمود درويش؟.. شعور «الجماعة» بأن ليس لديها إبداع ومبدعون يدفعها إلى عدم احترام جلال الموت والهجوم الشخصى على القامات الإبداعية
السبت، 07 ديسمبر 2013 05:32 م
أحمد فؤاد نجم
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
ونعم الاخلاق بالعكس
لا اجد ما اصف به اخلاق المنتمين لهذه الجماعة !
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد يوسف
بل هم أصل الإبداع الإرهابي ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو الهيثم دمياط الشعراء
لا تشمتوا
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل حسن
سنحاسب على اقوالنا وافعالنا
عدد الردود 0
بواسطة:
رافت
الابداع مذاهب
عدد الردود 0
بواسطة:
hilmy
لاشماته فى الموت
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الرحمن الشرقاوى
لن ازيد حرفا لعادل ورأفت
برافو رقم 4 ورقم 5
عدد الردود 0
بواسطة:
Masry Aseeeeeel
لماذا تشمت «الإخوان» فى موت المبدعين ؟؟؟؟؟