عاش مانديلا كأيقونة للحرية والنضال والمقاومة ولسياسة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، الفنانون والشعراء فأقيمت له التماثيل وتناولت أفلام السينما مسيرته ووصفه المنصفون فى العالم بأنه إبراهام لينكولن وجورج واشنطن فى شخص واحد ولقبوه "أبو الأمة" و"الأب المؤسس للديمقراطية".
تأخر تعامل الفن التشكيلى مع مانديلا وما يمثله فأول تمثال نصب له فى بلاده كان عام 2008 حيث أعيد تسمية ساحة مركز تسوق ساندتون باسم ساحة نلسون مانديلا ثم أزيح الستار عن تمثال آخر لمانديلا فى مركز جروت داركنست الإصلاحى، الذى كان مقرا لسجن فيكتور فيرستر سابقا، بالقرب من كيب تاون، يقف فى المكان الذى أطلق فيه سراح مانديلا من السجن".
واستغل البعض صورة نيلسون مانديلا تجاريا، فتم تسويق وبيع تى شيرتات تحمل صورته ونشر حوالى خمسمائة كتاب عنه، وعندما حدثت اعتراضات على استغلال صورته على بوسترات مؤسسته التى تحارب الفقر والإيدز، حيث اعتبرها بعض الجنوب أفريقيين نزعة استهلاكية أو تخليدا للصورة على منهج تخليد صورة تشى غيفارا. طلب مانديلا إزالة صوره من جميع المنتجات التى تبيعها مؤسسته.
ومؤخرا أقيم فى لندن معرضا "نحن نحب مانديلا" شارك فيه نحو عشرين فنانا معظمهم من جنوب أفريقيا وقدم المعرض خمسين عملا فنيا تعكس “التجربة التى عايشوها مع مانديلا أو أفكارهم عنه” وكان هؤلاء الفنانون قد اضطروا إلى العمل سرا فى أعمالهم الفنية أثناء سياسة الفصل العنصرى فى بلادهم.
وكان مانديلا يقع على رأس قائمة الشخصيات التى رسموها، ومن أبرز لوحات هذا المعرض لوحة للفنان البريطانى الوحيد المشارك فيه ريتشارد ستون الذى عبر عن اعتزازه برسم مانديلا قائلا: اعتبرها أكبر شرف منح لى، ففقد كان يقف أمامى الرجل الأكثر شهرة على كوكب الأرض وكنت أحاول اقتناص شيئا من روحه العظيمة، وقد فتح لى فعلا نافذة إلى روحه” خلال جلسات الرسم الست التى جرت فى مكتبه فى جوهانسبورغ فى العام 2008 وقد بيع هذا الرسم فى مزاد بسعر 480 ألف يورو، وذلك خلال حفل أقيم فى العيد التسعين لميلاد الزعيم الإفريقى.
وضم المعرض أيضا رسوما كاريكاتورية للرسام الجنوب إفريقى المعروف زابيرو من بينها رسم يصور مانديلا جالسا فى عربة إلى جانب الملكة اليزابيت الثانية فى شوارع لندن، وسائح يسأل “من هذه المرأة إلى جانب مانديلا؟” وصور احد الأعمال مانديلا يشد قبضته، فى دلالة على النضال السياسى، إلى جانب رسم له فى تصوير يشبه العشاء الأخير للمسيح بين تلاميذه، وضم المعرض مع صور مانديلا صور لزعماء آخرين مثل غاندى ومارتن لوثر كينج وروزا باركس.
احتفى العالم بمانديلا تشكيليا وألهمهم الكثير لكن فى مصر اختلف الأمر فالشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم على سبيل المثال احتفى بجيفارا زعيم أمريكا اللاتينية فى إحدى قصائده الشهيرة "جيفارا مات" ووضعت الحكومة المصرية تمثالا لسيمون بوليفار فى ميدان هام بجاردن سيتى ولم يحتفى التشكيليين المصريين بمانديلا وهو ما يفسره الناقد والفنان عز الدين نجيب بأنه يرجع إلى أن مصر فى فترة سجن مانديلا وبعد الإفراج عنه كانت فى أوج حكم مبارك الذى قطع كل السبل بين مصر والأحداث الوطنية والثورية فى العالم فانكفأ الفنانون على قضايا الوضع الداخلى ولم يهتموا كثيرا بما يجرى فى العالم، ولم يكن هناك حراك سياسى أو التحام بقضايا الحريات فى العالم كما كان الحال فى أيام الرئيس جمال عبد الناصر عندما شارك الفنانون فى رسم ونحت وتخليد قضية التحرر الوطنى فى أعمال كثيرة لفنانين كبار بشروا بالعدل والحرية وعبروا عن أحلام كبرى.
ويضيف عز الدين نجيب فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" سببا آخر لذلك قائلا إن القضية الفلسطينية احتلت مساحات من وجدان ووعى الفنانين المصريين أكثر من أى قضية أخرى كذلك فقد تم حصار الهوية المصرية وتميزت فترة مبارك بالرخاوة والاستبداد الناعم فى ظاهره مما قتل روح الناس.
وقال الفنان حلمى التونى إن مانديلا كان منسيا طوال فترة وجوده فى السجن وأن التشكيلين المصريين لم ينتبهوا له فغالبا الفنانين المصريين مشغولين بأمور محلية واهتمامهم بما يحدث فى العالم قليل، وهذا لم يكن موجودا فى عصور سابقة، فالمصريون اهتموا بالتماثيل فى فترة النحات مختار مثلا وجمعوا قروشهم لعمل تمثال لسعد زغلول زعيم ثورة 1919 ووضعوا تمثال لسيمون بوليفار فى جاردن سيتى فى أيام السادات، وهذه كانت مفارقة وشطحة من شطحات السادات الذى لم يكن مهتما بما يتعلق بحركات التحرر مثلما كان عبد الناصر الذى رفض أن يعمل تمثال له لتواضعه الشديد.