* رفضت أن تكسر بخاطر جمهورها من الأطفال فى رمضان
أعتقد أن النجمة شريهان، لا تتذكر شيئا عن هذا اليوم، والذى مر عليه الكثير من السنوات وكنت وقتها أعمل فى مجلة علاء الدين المخصصة للطفل، وتصدر عن مؤسسة الأهرام، وقتها كنت محررة تحت التمرين، وكانت شريهان نجمة تملأ السماء بريقا، والوصول إليها كان حلما شديد الصعوبة فهى مشغولة فى تصوير أعمال سينمائية، وفوازير رمضان، وتجرى من أستوديو لآخر، لتنجز عملا هنا وآخر هناك، وتعقد جلسات قراءة لأعمالها الجديدة، ولم يكن يستطيع التواصل معها سوى عدد محدود من كبار صحفيى الفن، فى ذلك الوقت، يومها سألنى رئيس التحرير الكاتب الصحفى عزت السعدنى: "تعرفى تجيبى شريهان فى ندوة وتفطر مع عدد من القراء، ناس كتير بعتين جوابات عايزين يشوفوها"، يومها كأنى وقعت فى حفرة.. "كيف أصل إلى تلك النجمة؟".
يومها بكيت بشدة لخوفى من الفشل فى الوصول إليها، وبدأت بالذهاب إلى أرشيف الأهرام لأقرأ عنها وأعرف من هم أكثر الصحفيين الذين يتعاملون معها، ومن هم المخرجون المقربون إليها ويمكنهم مساعدتى فى ذلك، ووضعت خطة كاملة لرصد تحركاتها، من مكان التصوير إلى بيتها فى الزمالك، حيث كانت تسكن هناك فى ذلك الوقت، خصوصا وأننى أطالبها بأن تأتى لندوة، مع جمهور من الأطفال وليس مجرد حوار أو كلمتين على التليفون، وتقريبا "سٌقت طوب الأرض" زى ما بنقول بالعامية"، وفى أحد المرات ردت هى على الهاتف وبسرعة شديدة وكلمات مختصرة: "قالت لى ابقى رتبى مع جمال"، وكانت تقصد جمال أنور مدير أعمالها ومن أخلص المقربين منها، ولا أتذكر عدد المرات التى هاتفت فيها جمال، والذى لم يجد مفرا أمامه، سوى أن يرتب لى موعدا، مع إلحاحى الكثير وإصرارى، على أن أنجح فى المهمة، لأكتسب ثقة رئيسى من ناحية ولأحقق أمنية عدد كبير من قراء المجلة "الأطفال" والتى كانت شريهان أيقونة بالنسبة لهم، وحلم يتمنوا أن يروا ولو طيفه يمر أمامهم، وهذا الكلام ليس من باب المبالغة أو المجاملة، فتلك كانت بعضا من كلماتهم التى وردت فى خطابات إلى بريد القراء، أو فى المكالمات الأرضية، فهى كانت النجمة المتوجة على القلوب، وبالفعل أخبرنى جمال أن شريهان، وافقت وستأتى إلينا.
وجاء اليوم الموعود، ورئيس التحرير يسألنى: كل دقيقة واثقة أنها هتيجى؟ وأرد عليه وكأننى أبلع صوتى: "آه إنشاء الله"، ومر الوقت والجميع فى انتظارها أطفال وكبار وصحفيين زملاء من إصدارات أخرى، ووقتها كنا فى شهر رمضان المبارك، والوقت يمر ببطء، شديد، وشريهان لا تأتى وموعد الآذان يقترب، ورئيس التحرير ينظر إلى من وقت لآخر، أو يستدعينى إلى مكتبه ليسألنى، وقتها لم تكن هناك موبايلات وجريت على التليفون الأرضى أجرب كل ما أحمله من أرقام، يأتينى صوت "الأستاذة نزلت مسافرة رايحة المطار"، فى هذه اللحظة انهرت ولكن سرعان ما استجمعت قوتى لأننى أعرف أنها نجمة كبيرة وبالتأكيد لن تكسر بخاطر هؤلاء الأطفال والذين يمثلون شريحة كبيرة من جمهورها، وبهذا اليقين ذهبت لأقف أمام باب مؤسسة الأهرام فى انتظارها ولكى أهرب من السؤال المكرر.
أسندت نفسى إلى حائط ووقفت أنظر إلى الشارع من لحظة لأخرى صوت بداخلى يقول لى لن تأتى وصوت آخر يصل إلى حد اليقين ستأتى، وفجأة وقفت أمامى سيارة فارهة ولمحت بداخلها جمال، التقطت نفسى وجريت مسرعة نحو السيارة ولمحتها فى السيارة، ضحك جمال فى وجهى وقال لى: "قولتلك هتيجى بس مش هتقدر تقعد كتير لأنها مسافرة لقضاء العمرة"، ونزلت شريهان وصافحتنى بدفء وقالت لى: جيت عشان تعبتك وماينفعش أقول جاية وكمان فيه أطفال مستنين ومعملش كدا".
خطت أمامى كملكة، وأتذكر ماذا كانت ترتدى "جورب طويل وجاكت من الأصفر الفاتح وكانت ترفع شعرها ذيل حصان"، كل شىء ينطق فيها بالرقة، لم أنس هذا اليوم أبدا خصوصا وأن القلائل من النجوم فى هذا العصر يعرفون معنى النجومية الحقيقى وكيف تطل على جمهورك وتحدثه وكيف تمشى أو تنظر، يومها اعتذرت عن تأخيرها، واعتذرت عن ضيق وقتها، ولكن رفضت أن تنصرف إلا بعد أن تجيب على كل أسئلة الحضور، وتلتقط الصور معهم، رغم أن جمال كان يحثها على السرعة لكى تلحق بموعد الطائرة، وبعدها كنت أتابع شريهان كواحدة من جمهورها العاشق لها ورغبت أن تظل فى ذاكرتى، تلك الملكة التى خطت بخطوات واثقة أمامى، رغم ما مرت به من أحداث رهيبة فى حياتها، تحملتها بجسارة وصبر، وتلك هى شيم الملكات، يعملن لخاطر شعوبهن ومحبيهن ولا يصدرن حزنهن للآخرين، فى ما عاشته كان حزنها شديد النبل، وأبدا لم تتغير تلك النظرة فى عينيها.
عادت شريهان أو لم تعد إلى الدراما والتليفزيون فستظل ملكة فى قلوب كل عشاقها، رغم أننى أتمنى أن تعود من كل قلبى فمن يحتوى ويتقبل الملكة مهما مر بها من محن إلا عشاقها وهم كثيرون.