أى رسالة تلك التى تريد مصر بعد الثورة أن توجهها للمستثمرين المصريين والأجانب، كيف تشكو الدولة من ضعف الاستثمارات وهى فى المقابل لم تعطِ المستثمرين ما يطمئنهم بأن مصيرهم سيكون مآله السجن مثل رجال أعمال لازالوا يقبعون فى السجون ومن بينهم على سبيل المثال أحمد عز الذى يقبع الآن فى السجن لتهم لا تستطيع توصيفها إن كانت جنائية أم تجارية أم مدنية، أم هى تهم جنائية بطابع سياسى، ومرتبطة بمنصب عز قبل ثورة 25 يناير كأمين للتنظيم بالحزب الوطنى المنحل الذى استقال منه فى 29 يناير 2011 أثناء اندلاع الثورة.
كثير من المستثمرين يخشون من تكرار ما حدث مع عز باعتباره النموذج الأقرب لهم، مما أثر على المناخ الاستثمارى فى مصر، ونتج عن ذلك ما يسميه البعض بالأيادى المرتعشة فى الجهاز الإدارى للدولة، فاليوم قلما نجد وزيرا أو رئيس هيئة قادرا على اتخاذ قرارات بمنح تراخيص أو تجديد عقود أو الدخول فى تعاقدات جديدة أو طرح مشروعات، لأنه فى النهاية يخشى المسؤولية الجنائية، مما أدى إلى تعطل دولاب العمل فى كافة الجهات الحكومية، وإصابة الاستثمار المحلى والأجنبى فى مقتل، فصارت مصر من أقل الدول الجاذبة للاستثمار، ومن ثم انخفض معدل النمو بشكل غير مسبوق.
قصة عز مع السجون والمحاكمات تستحق التأمل، لأنها كانت ولا تزال سببا فى إحجام الكثير من المستثمرين عن ضخ استثماراتهم بمصر، خشية أن يكون مصيرهم السجن، فهم يتعاملون مع الدولة وفق قوانين واضحة ومحددة، وللعلم هى قوانين لازالت سارية حتى وقتنا، لكنهم فى النهاية يفاجأون بسيل من البلاغات والتقارير الرقابية التى لا تستند لأدلة وضغط من الرأى العام يصل بالمستثمر إلى السجن لا محالة.
القصة بدأت فى 3 فبراير 2011 حينما أصدر النائب العام أمرا بمنعه من السفر خارج البلاد وتجميد أرصدته ضمن قائمة طويلة ضمت بعض الوزراء فى حكومة أحمد نظيف، وفى يوم 18 فبراير من نفس العام أصدر النائب العام عبدالمجيد محمود قرار اعتقاله، وفى أول محاكمة له قضت محكمة جنايات القاهرة فى 15 سبتمبر 2011، بمعاقبته مع عمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية بالسجن المشدد 10 سنوات حضوريا، مع تغريمهما متضامنين مبلغ 660 مليون جنيه، وفى 6 مارس 2013 قضت محكمة جنايات الجيزة، بالسجن 37 عاماً على عز، فى قضية الاستيلاء على أسهم شركة الدخيلة لتصنيع الحديد، بالإضافة إلى قضايا أخرى تدخل تحت لائحة الإضرار بالمال العام، ليكون أحمد عز هو رجل الأعمال الوحيد الذى اتهم بالفساد بعد الثورة، وكأنه الوحيد الذى أفسد مصر.
المهم فى موضوع سجن عز أنه كان ضمن عدد من المستثمرين ورجال الأعمال الذين تمت إحالتهم إلى النيابة العامة فى أعقاب ثورة 25 يناير، وتبع ذلك إحالتهم إلى المحاكمات الجنائية، وصدر ضد كثيرين أحكام بالبراءة من بينهم عز الذى حصل على حكم بالبراءة فى قضية وإدانه فى قضايا أخرى، كما أنه يخضع حاليا، لإجراءات احترازية كالحظر من التصرف فى أموالهم، هم وذووهم.
والغريب هنا أن عز لازال قابعا فى السجون بسبب تشريعات أقحمت التجارى فى الجنائى، فنحن نتحدث عن خلافات ومنازعات تجارية تحولت إلى قضايا جنائية دون سند فى القانون، فبالنظر إلى القضايا التى يحاكم عليها عز سنجده نموذجا لحالة التخبط القانونى الذى شهدته ولا تزال تشهده مصر وعدم انضباط الإطار القانونى بشأن المحاسبة الجنائية فى جرائم الأموال العامة، والسبب فى ذلك يرجع إلى عدم وجود إطار تشريعى منضبط للمحاسبة على الفساد السياسى، وخير مثال على ذلك أن عز وغيره أحيلوا للمحاكمة بتهمة الإضرار بالمال العام دون أن تحوى الأوراق على أية أدلة تفيد على الأقل منحه رشوة أو ميزة عينية أو مادية لمن يحاكم معه فى القضية من موظفين حكوميين، وهو الدليل الوحيد القادر على تحويل المنازعة التجارية إلى قضية جنائية، فأى مخالفات قد يرتكبها الموظف العام أو حتى المستثمر فى هذا الإطار ما لم تكن مقرونة برشوة أو منفعة تعود على الموظف العام، فإنها لا تعد جريمة جنائية، لذلك فإن السؤال الآن، من المسؤول عن تحويل منازعات تجارية إلى قضايا جنائية؟.
ولا يخفى على أحد أن رجل الأعمال أحمد عز يحاكم أيضا جنائيا بتهم العدوان على المال بشأن منازعات تعاقدية، وهو اتهام يتعارض مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية، ومنها معاهدات وقعت عليها مصر وصارت جزءاً من نظامنا القانونى، تحظر المسؤولية الجنائية بشأن منازعات ناشئة عن تنفيذ عقود أبرمت صحيحة وفقاً لأحكام القوانين السارية، ونحن بذلك أخرجنا المنازعات التعاقدية المرتبطة بالمعاملات التجارية والمدنية من إطارها الطبيعى، وأدخلناها فى دائرة القانون الجنائى، فصار الخلاف بشأن عقد مع الحكومة سبباً كافياً لتحريك الدعوى الجنائية طبقاً للمادة «116» مكرر «أ» من قانون العقوبات ضد أى مستثمر وهو ما يهدد مستقبل الاستثمار فى مصر.
ومن الطبيعى أن يتساءل البعض عن مغزى استهداف رجال أعمال بعينهم، وما هى الرسالة من ذلك، خاصة أن قضية عز التى يحاكم من أجلها والخاصة بشرائه مصنع الحديد كانت ضمن أربع قضايا، حصلت على الرخص بنفس الطريقة، لكن بقى عز هو الوحيد الذى أحيل للجنايات، أما الآخرون فتم الاكتفاء بسحب الرخصة منهم، وفى المقابل ما هو مصير الكم الكبير من التشريعات التى أوصلتنا لهذه الحالة من الخوف لدى المستثمرين؟، ومتى تنهى الحكومة هذه المأساة وتعيد تقييم ما لدينا من تشريعات وقوانين منفرة للاستثمار؟.
كيف تشكو الدولة من ضعف الاستثمارات وهى لا تحمى المستثمرين من الحبس؟.. المستثمرون يعتبرون أن التشريعات التى حبست «أحمد عز» نموذج لتحويل المنازعات التجارية لقضايا جنائية وخلق الجو المعادى للاستثمار
الخميس، 05 ديسمبر 2013 01:43 م