لا تزال مشاهد القتل و آثار الدماء تزعجنا نهار مساء على شاشات التلفاز . فلا يمر يوم إلا والأخبار تتوالى عن إطلاق نار على موكب مسئول أو تفجير سيارة مفخخة تقل جنود مصريين من مناطق مختلفة على أرض مصر. كل ذنبهم أنهم لبوا نداء الوطن وانخرطوا فى الخدمة العسكرية لجيش كرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما يحزن المرء أن هذا القتل البارد يتم تحت ذريعة الشريعة والشرعية وأنه قربان للتقرب من الله تعالى فمشاهد القتل والتفخيخ "هى لله " كما يزعمون! .
لا ينكر أحد أن جزءًا من الصراع الحادث الآن فى مصر هو صراع على السلطة، أرادوه هم صبغته صبغة دينية فأوهموا العامة أن الصراع الحاصل الآن هو صراع بين الإسلام و بين أعدائه! و بثوا سمومهم الفكرية للشباب الواعد الذى آمن بالمشروع الإسلامى. ذاك المشروع الذى لم يزد عن كونه شعارًا أجوفا لا يوجد به ما يمت إلى الإسلام بصلة وأثبتت الأيام أننا أمام سلعة موجودة ومركونة على أرفف السوبر ماركت السياسى يتم استدعاؤها للمستهلك، حين يفشلون فى إقناع الناس بما يقولون وينظرون أو يتخذون من قرارات. فكان يجب عليهم وضع كلمة "إسلامى" على أى مشروع أو شعار أو فكرة يريدون تسويقها والأمثلة على ذلك كثيرة، فهناك مشروع النهضة الإسلامى والصكوك الإسلامية والهاتف الإسلامى.. إلخ من منتجات صُك عليها كلمة إسلامى لتضمن الرواج السياسى والاقتصادى والإقبال الجماهيرى عليها. فيكفى المسلم أن ينصر الإسلام بشراء منتج متأسلم أو فكرة عادية مصبوغة بصبغة إسلامية.
وللأسف حين يقلب المرء تلك المنتجات المصنفة إسلامية باحثًا عن اسم بلد المنشأ يجده إما المملكة المتحدة أو أمريكا والاتحاد الأوروبى النصرانى أو صناعة صينية أو تايوانية أو جبانيز التى يعبدون فيها الأصنام، بوذا، إن المقلب لصفحات التاريخ سيجدها حافلة بمشاهد القتل وإسالة الدماء باسم الله. فلا تتعجب عندما كنت تستمع لشيوخهم أثناء اعتصامهم فى ميدان رابعة، وهم يخطبون بأعلى صوت قائلين "قتلانا فى الجنة و قتلاهم فى النار" و منهم من قال " إننى اغتسلت الآن منتظًرا الشهادة"، مما يحفز الشباب نحو التظاهر وأعمال العنف، وفى النهاية يموتون ويهرب القادة ويتم الإمساك بالشيوخ وهم متجهون ناحية الحدود للهرب! .
كما كتبت من قبل بأن صفحات التاريخ حبلى بالعديد من تلك المشاهد، التى تقتل فيها تلك الجماعات المتأسلمة باسم الله والله تعالى منهم براء. فلا ننسى حادثة قتل الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى عهد الرئيس الراحل السادات، لأنه قام بتفنيد أفكارهم. فقد صدر كتاب له تحت عنوان " قبس من هدى الإسلام"، قال فى مقدمته " يبدو أن فريقًا من المتطرفين الذين يسعون فى الأرض فسادًا ولا يريدون لمصر استقرارًا قد استغلوا فى هذا الشباب حماس الدين فأتوهم من هذا الجانب وصوروا لهم المجتمع الذى يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر تجب مقاومته، ولا تجوز معايشته فلجأ منهم من لجأ إلي الثورة والعنف، واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين وآووا إلى المغارات والكهوف ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذى ينتمون إليه لأنه في نظرهم مجتمع كافر". وقد قيل إن هذه الكلمات كانت سببًا رئيسيًا فى التخطيط لقتله من جانب تلك الجماعات. ولعلنا لا زلنا نتذكر محاولة اغتيال الأديب العالمى نجيب محفوظ والفائز بجائزة نوبل فى الأدب، وذلك فى شهر أكتوبر عام 1995 عندما اقترب منه شابان وطعناه فى رقبته، لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة، بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، والتى رفضت مؤسسة الأزهر نشرها فى مصر ثم بعد ذلك بسنوات صرحت بنشرها فى مصر، وكان الشيخ الغزالى عضوًا فى اللجنة التى وافقت على نشر الرواية، بل إن الغزالى نفسه الذى أصدر الفتوى نفسها التى قالت عن الرواية بأنها تتحدث عن الذات الإلهية والأنبياء وبسببها منعت من النشر. قد ذهب الى زيارة نجيب محفوظ بالمستشفى فور تعرضه لمحاولة الاغتيال،
كما أن من قدم لرواية محفوظ حين نشرتها دار نشر الشروق، كما أوضح الدكتور أحمد كمال أبو المجد المحسوب على التيار الإسلامى. أن مشكلة تلك الجماعات المتأسلمة والمتدثرة برداء الإسلام تكمن فى فكرهم الضال والفاسد فهم يكفرون جميع الأنظمة الحاكمة العربية والإسلامية وهذه هى " رسالة الإيمان" التى يبلور فيها صالح سرية أفكاره فيها فيقول "إن الحكم القائم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك" !!. ومن ثم فإن السبيل لتغيير الحكم الكافر عند سرية هو الجهاد " فالجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة لأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، إن القارئ لأحداث العنف المصبوغ بصبغة دينية سيجد أنه بدأ مع الجماعة الأم – جماعة الإخوان المسلمين – وإليك بعض حوادث القتل التى قامت بها تلك الجماعة مقتل أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء أول جريمة اغتيال سياسى فكر الإخوان فى تنفيذها وكان ذلك عام 1945. ومن اغتيالات الإخوان المسلمين قتلهم للقاضى الخازندار باشا فى عام 1948. كما تم اغتيال النقراشى باشا رئيس الوزراء حين أقدم على حل الجماعة واعتقل القادة وصادر الممتلكات حبن بعدت الجماعة عن طريق الدعوة ولجأت إلى العنف والقتل، بل إن أعضاءهم لم يفلتوا من محاولات الاغتيال والقتل فقد قتلوا المهندس سيد فايز، لأن أفكاره اختلفت مع أفكارهم خاصة فى موضوع التنظيم الخاص، فأرسلوا أحدهم بعلبة حلوى بمناسبة المولد النبوى إلى بيته وترك العلبة هناك، وعندما هم المهندس فايز بفتحها انفجرت فيه.
فى مؤلفها القيم "الإسلام السياسى فى مصر" أعدت الدكتورة هالة مصطفى جدولا لأهم أحداث العنف التى قامت بها الجماعات الإسلامية الراديكالية منذ الاغتيال فى أكتوبر 1981. سنذكر منها بعض تلك الحوادث . "ففى أكتوبر 1981 قام أعضاء الجماعة الإسلامية بالصعيد بضرب معسكرات الأمن واقتحام مبنى مديرية الأمن وقتل عشرات الضباط والجنود ولقد كان هذا الحادث الرئيسى فى قضية الجهاد. وفى إبريل عام 1984 محاولة إشعال فتنة طائفية بمدينة الفيوم، حيث قام أعضاء فى جماعة التوقف والتبيين بحرق سيارتين ومكتبة لمواطنين مسيحيين.
وفى يونيو 1986 تم القبض على بعض أعضاء الجماعة الإسلامية هاجموا على حفل زفاف وأصابوا 15 مواطنًا بدعوى تغيير المنكر باليد. وفى أغسطس 1988 وقعت أحداث مسجد "أدام" ومصادمات بين الشرطة والجماعة الإسلامية لمحاولة قوات الأمن منع لقاء للجماعة الإسلامية داخل المسجد، أسفر الحادث عن حرق عدد من سيارات الشرطة وإصابة عدد كبير من المواطنين وقوات الأمن ومقتل نقيب شرطة". وفى 17 نوفمبر عام 1997، قامت الجماعة الإسلامية بقتل 58 فى خلال 45 دقيقة شخصًا معظمهم من السائحين السويسريين بالدير البحرى من الاقصر، والتى عرفت فيما بعد بمذبحة الأقصر أو مذبحة الدير البحرى. فى نهاية حديثى أؤكد بأن الله سبحانه وتعالى حين خلق الإنسان خلقه كى يعبده ويعمر الكون ويزرع فسيلة حتى ولو قامت القيامة . إن الانسان هو بنيان الله فى الأرض لعن الله من قام بهدمه، كما قال تعالى فى حديثه القدسى. وأن الله تعالى جعل قتل الإنسان بغير حق من أكبر الكبائر بعد الإشراك به. وأنه من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعًا . فكيف نصدق ونؤمن ونتبع من أرادوا إفساد الكون وهدم بنيان الله تعالى ؟! ذاك السؤال أطرحه على أعضاء تلك الجماعات المتأسلمة الذين لا زالوا يتبعونها ويعتبرونها الفرقة الناجية من النار!
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة