يتداول الإعلاميون فى تونس هذه الأيام سؤالا واحدا يتعلق بما إذا كانت أسماؤهم وردت "بالكتاب الأسود" المثير للجدل، والذى تستعد الرئاسة لطرحه فى الأسواق هذه الأيام لكشف منظومة الدعاية فى النظام السابق.
وفى خطوة مفاجئة للقطاع الإعلامى صدر مؤخرا عن رئاسة الجمهورية "منظومة الدعاية فى حكم بن على: الكتاب الأسود" ليكشف عن قوائم أسماء صحفيين ومثقفين وحتى رياضيين وجهت إليهم اتهامات بالتورط مع نظام الاستبداد إما بالتخابر أو بتبييض صورة النظام أو بمهاجمة المعارضين مقابل عطايا مالية.
وأثار الكتاب الذى تم تسريب أجزاء منه على مواقع التواصل الاجتماعى قبل طبعه جدلا واسعا، ليس بشأن مدى اتفاقه مع السياق العام الذى تمر به البلاد من أزمة سياسية خانقة وتدهور اقتصادى خطير، ولكن أيضا بشأن مدى احترامه للآليات القانونية السليمة قبل إصداره.
وقالت رئيسة لجنة التشريع بالمجلس التأسيسى عن حركة النهضة الإسلامية كلثوم بدر الدين لوكالة إن " إصدار الكتاب ربما يأتى فى وقته فى غياب التفاعل داخل المجلس التأسيسى إزاء قانون العدالة الانتقالية الذى تم إيداعه منذ شهر يوليو إلى جانب قانون تحصين الثورة وكل القوانين المتعلقة بالمحاسبة والمساءلة وكشف الأرشيف".
وأضافت"سيسهم الكتاب بالدفع نحو الإسراع بكشف الحقائق بشأن الانتهاكات التى حصلت فى النظام السابق ومن كان مع الشعب ومن كان يتآمر ضده، لا يمكن أن تحصل مصالحة دون أن تكون هناك محاسبة".
واعتمد الكتاب على ما تبقى من ملفات بالأرشيف الرئاسى وقوائم المتعاقدين والمتعاونين مع وكالة الاتصال الخارجي، المؤسسة المهيمنة على الإعلام التونسى فى حكم الرئيس السابق.
وتم إحداث الوكالة فى بداية التسعينات بهدف التسويق الاقتصادى والسياحى لتونس غير انها سرعان ما تحولت إلى الذراع الإعلامى للنظام السابق عبر سيطرتها التامة على وسائل الإعلام المحلية من خلال احتكارها لسوق الإعلانات، كما نجحت فى ربط شبكة علاقات معقدة مع وسائل إعلام عربية ودولية.
ومع أن "الكتاب الأسود" تضمن كشفا عن فساد مالى ضخم رصد لصحفيين ومؤسسات إعلامية تمتعت بمزايا واسعة من المال العام فى النظام السابق، إلا أن المآخذ الموجهة للإصدار انه اخذ العديد من الصحفيين بجريرة الفاسدين بمجرد ارتباطهم بخدمات هامشية مع وكالة الاتصال.
وآثار الكتاب قلقا حقوقيا كونه بات لدى العامة منطلقا لإدانة أشخاص خارج اى تحقيق قضائى ما يثير شكوكا بوجود نوايا انتقامية لاسيما وان العلاقة ليست فى أفضل حالها بين الرئيس المنصف المرزوقى وعدد من وسائل الإعلام المستقلة بشكل عام.
ومن الانتقادات التى وجهت للكتاب انه غيب أسماء كثيرة تواطأت مع نظام بن على بينما تم تضمين أسماء أخرى عرفت بتاريخها النضالى ضد القمع من بينهم أعضاء بنقابة الصحفيين تم الزج بهم فى دائرة التخابر مع البوليس السياسى للنظام السابق.
وقال الصحفى والناشط بجمعية الوعى السياسى سفيان "ما أقدم عليه الرئيس المؤقت هو حق أريد به باطل. فمن حق التونسيين التعرف على درجة تواطؤ المؤسسات الإعلامية مع الآلة القمعية لنظام الرئيس المخلوع، ولكن وفق آليات مضبوطة تنأى بنفسها عن التشهير والتشويه".
وأضاف الشورابى "هذه الخطوة تأتى فى سياق تصفية المزوقى لحساباته الشخصية مع الإعلاميين الذين يحاربونه إلى اليوم"حيث واستنكرت نقابة الصحفيين التونسيين ما اعتبرته "عملية فضح الإعلاميين والمثقفين دون غيرهم من الضالعين فى تركيز الاستبداد والفساد"، معتبرة هذه "الانتقائية" محاولة أخرى لضرب حرية التعبير والصحافة وتركيع الإعلام والهيمنة عليه.
وقالت النقابة ، فى بيان لها ، إنها ترفض "تشويه الإعلاميين باستعمال تفاصيل حياتهم الشخصية ما يذكرنا بممارسات النظام السابق وسلوكيات أجهزته الاستخباراتية".
وقالت ريم القنطرى مديرة مكتب تونس للمركز الدولى للعدالة الانتقالية ومقرها فى نيويورك " تأتى العدالة الانتقالية فى قلب الانتقال الديمقراطى وهى تقوم على المحاسبة والبحث عن الحقيقة والتعويض وإصلاح المؤسسات، لكن حتى الآن هناك بطء فى تفعيل قانون العدالة الانتقالية بتونس".
وأضافت القنطرى "العملية -إصدار الكتاب- يشوبها نسبيا التسييس والمطلوب الإسراع فى تمرير مشروع قانون العدالة الانتقالية لتفادى أى مبادرات فردية يمكن أن تمس من حقوق الأفراد بكشف الأسماء اعتمادا على مجرد ملفات ودون إجراء تحقيق".
وبعد أكثر من عامين من اعتلائه منصب الرئاسة تختلف التقييمات بشأن أداء المرزوقى اليوم فى قصر قرطاج، ومع ان الهالة التى كانت تحيط بالمنصب قبل الثورة عرفت تقلصا حادا بفعل تحجيم صلاحيته داخل النظام المؤقت للسلطة العامة وبفعل أسباب أخرى ربما ترتبط بالكاريزما، فإن المرزوقى نجح فى أن يظل موضع جدل ونقاش دائم بين مؤيديه معارضيه.
ومثلت قراراته حول قطع العلاقات مع النظام السورى مثلا، ومواقفه بشأن نصب المشانق لليسار الراديكالى وتهديده للمتطاولين على قطر ودعوته للإفراج عن قادة الإخوان المسلمين فى مصر من فوق منبر الأمم المتحدة، مضامين خلافية بين حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الشريك فى الحكم والمعارضة.
ولكن الانتقادات بشأن خطوته الأخيرة جاءت من الحلفاء داخل الحكومة المؤقتة نفسها حيث اعتبر وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو إن رئاسة الجمهورية لم تتبع مقومات العدالة الانتقالية فى نشرها "الكتاب الأسود للصحفيين".
وقال ديلو "كان الأفضل تشكيل لجنة تكون مسئولة عن وضع قائمة من الصحفيين الذين تعاونت فعلا مع النظام السابق تتكون على الأقل من قاضيين".
وأوضح "كل أجهزة الدولة مطالبة بالحفاظ على الأرشيف واستعماله فى الوقت المناسب مع ضمان كل شروط الشفافية وتوفير الضمانات للأسماء الواردة فيه للدفاع عن نفسها"، مؤكدا أن هذا الإصدار يأتى خارج مسار العدالة الانتقالية بشكل صريح.
وفى نظر المعارضين للكتاب فى القطاع الإعلامى فإن الإصدار لا يخرج عن كونه آلية للتشويه والابتزاز بينما تعتبر الأحزاب المعارضة أن المرزوقى يدفع بأجندة حزبية فى قصر قرطاج قبل الانتخابات المقبلة فى ظل الانشقاقات التى يشهدها حزبه وتأخره فى استطلاعات الرأى.
وقال هيثم بن بلقاسم رئيس كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية فى المجلس التأسيسى لـ(د. ب .أ) "كان الكتاب عملا أرشيفيا بحتا قام بتبويب محتوياته موظفو الأرشيف الرئاسى ولا علاقة للمرزوقى أو حزب المؤتمر بالموضوع. ومع ذلك من حق مؤسسة الرئاسة ان تكشف عن هذا الأرشيف".
وأضاف بلقاسم "الأمر يتعلق بوجود خلل أخلاقى بالنسبة للذين باعوا ضمائرهم لكتابة مقالات لمؤسسة الرئاسة والكتاب هو محاسبة اخلاقية".
وتابع قائلا "هناك من لم يعجبه الكتاب وهناك من اعجب به والرئيس لا يمكن ان يرضى الجميع ومن المنطقى ان تكون هناك انتقادات".
لكن عملا بمبدأ الحياد والشفافية، تطالب نقابة الصحفيين فى بيانها بالكشف عن كل الأرشيف دون انتقاء أو توظيف وفى إطار مبادئ العدالة الانتقالية وتحت إشراف قضائي، تفاديا لحصول استثناءات ولشبهة الانتقام وتصفية الحسابات الشخصية.
"الكتاب الأسود" يفجر أزمة جديدة بين المرزوقى والإعلام فى تونس
الخميس، 05 ديسمبر 2013 05:55 م