تناولت الصحافة المصرية فى الأيام القليلة الفائتة خبرًا حذّر فيه السفير «رجائى نصر»، نائب مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية وإرشادات السفر، الشباب المصرى من مَغَبَّةُ الهجرة غير الشرعية إلى دولة «زَامْبِيَا»!!.
ورغم ما يحتويه الخبَرُ من فحوى تحذيرى متكرر اعتادت عليه المسامع المصرية طيلة الفترات الماضية بلا جدوى!، وذلك حول مخاطر الهجرة غير الشرعية أو التواجد المخالف للقوانين بالبلدان الأخرى، فإن المُثير فى محتوى الخبر هو المَقْصَدُ أو الوِجْهَةُ الجديدة التى أخذ يقصدها راغبو الهجرة من شباب المصريين حاليًا، ألا وهى جمهورية «زَامْبِيَا»!، التى تقع جنوب وسط أفريقيا، وتكاد تفتقد إلى مقومات تدفع بالتفكير للهجرة إليها، وذلك كونها دولة زراعية بالأساس؛ إذ يعمل قرابة الـ70% من سكانها البالغ بحسب آخر الإحصاءات (14.08 مليون) فى المجال الزراعى، وتكاد تختفى فيها الآلة الصناعية تمامًا، كما تتجاوز معدلات الفقر بين سكانها نسب غير مسبوقة لاسيما فى المناطق الريفية منها، ناهيك عن انتشار الأمراض المعدية كمرض نقص المناعة «الإيدز».
وما سبق من حقائق وغيرها الكثير، يقودنا إلى التساؤل، لماذا إذن يحاول شباب المصريين الهجرة إلى «زَامْبِيَا» رغم افتقارها إلى مقومات تستدعى المخاطرة بالهجرة إليها؟، فهل وصل الأمر بشباب المصريين إلى هذا النحو؟، بخاصة أنه قديمًا كانت محاولات الهجرة والسفر غير الشرعى تتجه نحو دول العالم الأوربى بما فيها من انفتاح وتقدم وحرية وعدالة اجتماعية عز على الشباب المصرى أن يجدها فى وطنه.
وبسبب اندهاشى من الخبر ومنطوقه تشككت للوهلة الأولى فى مصداقيته، وأخذنى ظنى فى أنه خبر مدسوس من جهات بعينها لإثارة الإحباط واليأس بين المصريين، ومن ثمّ قررت البحث والتحرى فيما وراء الخبر؛ فتبين حقيقة نشره فى 25 نوفمبر الماضى على موقع وزارة الخارجية المصرية بذات المنطوق المنشور به فى باقى الصحف والمواقع، ورغم ذلك، لم استوعب الأمر وظللت فى إجراءات البحث حتى تبين أن القصة على ما يبدو لا علاقة لها بالهجرة إلى «زَامْبِيَا»، وإنما تتعلق بمن يحاول من شباب المصريين السفر إلى جمهورية «زَامْبِيَا» بتأشيرة سياحة، وبواسطة عصابات تهريب الأفراد الموجودة هناك يتم تهريبهم إلى «زيمبابوي» فى حافلات تتخذ من الغابات المليئة بالمخاطر مسلكًا لها وصولاً إلى «جنوب أفريقيا».
وكانت السلطات فى «زَامْبِيَا» عام 2012، قد اتهمت مواطنًا مصريًا مقيمًا على أراضيها بتهريب أفراد مصريين مقابل مبالغ تتخطى الألفى دولار أمريكى، وذلك بالحافلات إلى الجنوب حيث « زيمبابوى » ومنها إلى دولة « جنوب أفريقيا »؛ إذن « زَامْبِيَا »، ليست سوى مجرد محطة انطلاق إلى « جنوب أفريقيا »، التى تُعَد من أغنى وأكثر دول أفريقيا تنميةً وتقدمًا وحريةً وعدالة.
وبغض النظر عن الصياغة الخَبَرِيَّة التى أَوْحَتْ للكثيرين بالفهم الخاطئ، وبعد الاطمئنان المؤقت بأن الشباب المصرى لم يُغير بعد بوصلة هجرته إلى دول أقل تقدمًا وتنميةً، يبقى الفعل الذى يتكرر يومًا بعد الآخر دون تقديم معالجة حقيقية، ألا وهو « الهجرة غير الشرعية »، فلا يمر شهر واحد من غير أن تتصدر عناوين الصحف المصرية، إما أخبارًا تتعلق بالقبض على شباب مصرى حاول التسلل إلى دول بعينها بطرق غير مشروعة أو ما يُفيد بموت هؤلاء الشباب غرقًا فى البحر أثناء محاولات هروبهم إلى ما يظنون أنها أرض الأحلام.
والجدير بالملاحظة، أن من يهاجرون بطرق غير شرعية بحسب تقارير ودراسات عدة ينحصر أغلبهم فى حملة المؤهلات المتوسطة وما أدناها، الأمر الذى ربما يُفسر قلة استيعاب هؤلاء الشباب للمخاطر التى يتعرضون لها أثناء رحلاتهم غير الشرعية، والملاحظ أيضًا، عدم امتلاك الحكومات المصرية المتعاقبة لأدوات جادة ومسئولة يمكن من خلالها الحد من الهجرة غير الشرعية سوى (التحذير وعقد الندوات والمحاضرات التوعوية هنا وهناك) ورغم محمودية إلقاء التحذيرات من وقت لآخر ووضع قيود صارمة وإقامة حملات توعية، فإنه يُعاب على هذه الأدوات عدم « جودة التنفيذ »، فالتحذيرات وكأن الآذان صماء، والقيود يسهل قضمها، والحملات التوعوية توجه لغير أهلها، وبحسب الحاصل على الأرض مازالت محاولات المصريين مستمرة للهجرة بطرق ملتوية.
ومع تحديد الفئة المستهدفة فى شباب المؤهلات المتوسطة وما أدناها، ومع أن غالبية هؤلاء الشباب من مخرجات التعليم الفنى، فإن الحلول يجب أن تنطلق من التركيز على هذه الفئة ومصدر تخريجها، الذى يُنظر إليه بتدنى واستحقار مجتمعى، وهو ما أكده طلاب التعليم الفنى ذاتهم، وذلك عبر دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، بأن 42.8% من الطلاب يؤكدون أنهم سيلاقون حالة من تدنى التقدير المجتمعى بعد التخرج، ناهيك عما يعانيه ذلك التعليم من مشكلات لا حصر لها من عجز فى المدرسين وتكدس الفصول والتسرب من التعليم.. إلخ.
وفيما يبدو أنه بجانب تطبيق الأدوات السابق ذكرها من تحذير وخلافه، لأنه لا غنى عنها بخاصة إن تم تجديدها وإصلاحها، يمكن عرض عدد من الحلول غير التقليدية التى أثبتت نجاحها فى دول أخرى، وتتجسد أول هذه الحلول فى وضع استراتيجية إصلاح حقيقى لمنظومة التعليم الفنى والمهنى، فدولة مثل «رواندا» عندما كانت تعانى من تدنى مستوى كفاءة ومهارية خرجى التعليم الفنى والمهنى، عمدت إلى وضع منظومة إصلاح وتطوير ارتكزت فيها على دمج التعليم الفنى والمهنى بسوق العمل وذلك ضمن خطة الرؤية العامة لـ«رواندا» عام 2020.
وكذلك دولة «اليمن» الشقيق، فى عام 2001م أنشأت وزارة مستقلة للتعليم الفنى والتدريب المهنى، لتكون مسئولة عن تطوير ومتابعة وتقييم التعليم والتدريب المهنى والفنى فى «اليمن»، وقد اتُخذت التجربة الوزارية الجديدة كـدراسة حالة دولية وقصة نجاح، كما تم عرضها فى التقرير الدولى للريادة الصادر عن منظمة العمل الدولية فى سويسرا، والسؤال هنا، لماذا لا تذهب مصر فى ذات الاتجاه «اليمنى»؟!.
فيما تتمثل ثانى هذه الحلول فى تحقيق واقع قانونى جديد، وذلك بإعادة صياغة قانون العمل رقم (12) لسنة 2003م، بأن يتضمن علاقات عمل متوازنة بين صاحب العمل والعامل وحماية حقوق الطرفين وتفعيل دور الدولة للمراقبة على تنفيذ القانون، مما يضمن إلى حد كبير حقوق العاملين بالقطاع الخاص بما يتضمنه من شرائح تعليمية مختلفة على رأسها أصحاب المؤهلات الفنية المتوسطة، بحيث يكون للعامل بالقطاع الخاص مميزات العامل فى القطاع الحكومى، وذلك بإلغاء التوقيع على استمارة (6) مع التوقيع على العقد، وكذلك إلغاء الفصل التعسفى، وضمان التأمين الاجتماعى والصحى، الأمر الذى ينعكس بالأمان الوظيفى لدى الشباب المصرى، ومن ثمّ قد يقوده ذلك الشعور بالأمان إلى عدم المخاطرة بحياته فى الهجرة غير الشرعية.
* باحث فى الشئون السياسية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د أحمد مصطفى
حلول جيدة
نتمنى تطبيق هذه النماذج من الحلول في مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
mohammed
مهاجرون