قدمت ثورة 25 يناير نموذجا مذهلا فى خروج الشعب المصرى بالملايين فى ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، كانت أهمية ثورة 25 يناير فى أنها تجاوزت التيارات والأحزاب السياسية ونخبها، وقدمت بديلا جديدا للتغيير هو قدرة الشعب مجتمعا على تغيير الحاكم إن هو استبد أو أخل بالعلاقة العقدية بينه وبين الشعب كما حدث فى 30 يونيه.
النموذج الآخر هو النموذج الذى تقدمه القاعدة وهى ترى أن تغيير نظم الحكم يتم من خلال تنظيم سرى طليعى، ذات طابع عقدى، يستند إلى القوة فى إحداث هذا التغيير، وعندما سجلت الثورة المصرية ومن قبلها التونسية أن الشعب قادر على تغيير الحاكم المستبد من خلال وحدته ومن خلال استعداد شبابه للتضحية، كان نموذج القاعدة يتراجع مع موت زعيمه أسامة بن لادن، ومع ظهور أفق للتغيير من خلال الشعوب.
تأملت وقتها أن مشروع الإسلام السياسى الحديث لم يعد له معنى، لأن معناه كان يستمده من السعى لتغيير الواقع القائم وفق مشروع تعبر عنها جماعات حزبية وفق رؤاها هى للتغيير، ولأن الشعب تجاوز تلك المقولات وقام هو بالتغيير من خلال طريقة مختلفة هى وجوده فى الميادين وليس عن طريق التنظيمات السرية أو المشاريع التغييرية المفروضة من أعلى فإنه لم يعد هناك مبرر الآن للحديث عن الإسلام السياسى، خاصة أن الإسلاميين قد وصلوا للسلطة فى مصر، وفى تونس، وفى المغرب، وقضيتهم الكبرى لم تعد التغيير أو الإصلاح وإنما تحقيق النهضة وتجاوز التخلف والانتقال بالناس إلى حياة أفضل.
بيد أن التحولات الكبرى التى عاشتها مصر العام الماضى وعزل الرئيس مرسى، وعودة الإخوان وحلفائهم للمعارضة فإن مشروع الإسلام السياسى قد عاد مرة أخرى للواجهة، مع محاولة الإخوان العودة مرة أخرى للسلطة، وأصبح هدف ذلك المشروع العودة للسلطة وليس تحقيق الحكم الرشيد فى الوجود بها، ومع تصاعد الصراع فى مصر بين من يحكمونها الآن (معارضو الإخوان السابقون)، وبين من كانوا يحكمونها قبل عدة أشهر (الإخوان وحلفاؤهم)، فإن معركة كسر العظام بين الطرفين اتخذت ألوانا شتى، منها فض اعتصام رابعة بالقوة، وقتل المئات، وخروج الإخوان للتظاهرات وتحدى السلطة الراهنة، وكان آخر مظاهر المعركة بين الطرفين، إصدار رئيس الوزراء لقرار يعتبر جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وهنا فإن القرار يصب فى مصلحة نموذج القاعدة التى ترى أن الحل الوحيد فى مواجهة الأنظمة العلمانية التى لا تحكم بالشريعة – وفق تصورها – استخدام القوة متمثلة فى العمليات التفجيرية، كما هو حاصل فى حالة جماعة "أنصار بيت المقدس"، القريبة من فكر القاعدة، القرار هنا لا يصب فى مصلحة التيار المتشدد داخل جماعة الإخوان وإنما يصب فى صالح النموذج الذى تمثله القاعدة والتيارات السلفية الجهادية والتى تروج أن منهج الإصلاح التدريجى ، والتغيير فى الأنفس والمجتمعات المتدرج هى منهج فاشل، وأن المنهج الوحيد الجدير بالاحتذاء هو منهج القاعدة.
يبدو لنا قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية قرارا متعجلا، ويفتح البلاد على أبواب من العنف لا تحتملها، ولا يزال المنهج الصحيح فى التعامل مع الأزمة الراهنة بين النظام الحاكم الآن وبين الإخوان هو البحث عن حلول سياسية تبحث عن بناء للتوافق، فالإقصاء لن يحل المشكلة والحظر لن يحل المشكلة، فقط حلها يكون بالحوار والبحث عن حلول سياسية حتى لو كان فيها تجرع السم من قبل جميع الأطراف من أجل مصلحة مصر، وتوافقها وخروجها من أزمتها الراهنة.
عدد الردود 0
بواسطة:
النسر
رحم اللة امرىء عرف قدر نفسة
عدد الردود 0
بواسطة:
النسر
رحم اللة امرىء عرف قدر نفسة