وكأنى أرى، اليوم، مصر نازفة، تعتصر عينيها فلا تستجلب الدموع، تستشعر خديها فلا ترى أثرا للبكاء، توقن أنها أصيبت بنوبة جفاف جديدة، فلا الدمع ينبع ولا الدم يسيل، وكأنها ألقيت من أعلى فتجمدت فى وضع الشهقة، تسأل الجميع: هل مات "نجم" فترد القلوب بانكسارها، وترد العيون بذبولها، وتخضع الروح للقدر.
مات المناضل المثال، يا ميت خسارة ع الرجال، هكذا قال "أحمد فؤاد نجم" فى رثاء المناضل اليسارى "تشى جيفارا" فصار أحق بهذه القصيدة، وهو الذى عرف كيف تتجسد المعانى الغالية والقيم السامية فى الإنسان فأبدع مراثيه العديدة فى مناضلى مصر والعالم وخلدهم وخلد بهم قاموس المبادئ التى لا تتغير ولا تتحول، فصار مثلما أراد لنفسه، نقشا محفورا على أرض مصر، يتقلب ما بين أحيائها القديمة، وقراها المنسية، فيصبح صورة للإنسان المصرى بجلبابه "المكرمش" وعيونه الناعسة الطفولية وملامحه التى تشبه الصخر فى صلابتها والنيل فى عذوبتها، بينما يمتزج صوته نحيب الثاكلات وأهازيج العاشقات وأصوات العمال والفلاحين والبائعين والمنادية والمسحراتية.
احتار أحباؤه فى اختيار اسما له، بعضهم كان يناديه "عم أحمد" والبعض الآخر كان يلقبه بـ"أبو النجوم" بينما هو كان يعشق اللقب الذى أطلقه على نفسه "الفاجومي" مجسدا نفسه فى كلمة واحدة، وواضعا لنفسه صورة لا يخطئوها القلب، صادما وحنونا، عفيا رحيما، فى قلبه إيمان العالم وجنون الفنان وجموح البدائية الطائشة، لا يرى العالم إلا "لعبة" لكنها كان يلعبها بـ"شرف" وظل على مبدئه الراسخ مهما تبدلت الأحوال وتغيرت الأنظمة، لذا كان طبيعيا أن تراه ساكنا فى القلوب، وأن تسمع كلماته على كل الألسنة، وشيئا فشيئا، صار أحمد فؤاد نجم ذلك العابث اللاهى أميرا فى وجداننا زعيما فى خيالنا عمدة لديوان الوطنية المصرية، وصارت كلماته مطبوعة فى ألسنتنا وهتافاتنا، حتى أعدى أعدائه كانوا يرددون كلماته دون أن يشعروا.
ما بين الشرقية والحسين والسجن والمقطم، غير أنه اختار أن يختمها فى المقام الحسينى ليزور حبيبه آخر ما يزور، وهو الذى قال عنه "حارتنا فى الحوارى /. علم على الصوارى /وقال فوقها الكنارى تتهز المشربيه/ يا حوش آدم يا دارنا/يا ساكن حضن جارنا /سيدنا الحسين تبارك شهيد الإنسانيه/ مدد سيدنا وشهيدنا/يا قايل ومواعدنا/يكون عيدك وعيدنا/يوم طلعة شمس جايه" وطلعت شمس أمس على عم أحمد ليزور حبيبه الحسين يودعه ويقرأ له الفاتحة ويستأمنه على مصر، ليسكن فى آخر المطاف فى ترب الغفير حيث كان يقيم أيضا بعض الوقت هربا من الملاحقات الأمنية فسكن بها أخيرا وكأنه يريد أن يقول لما أنه سيختبئ قليلا ثم يعود إلينا من جديد.
مات المناضل المثال وتركنا كمن ترك وريدك فارغا، وكمن ترك فمك جافا، لا نعرف كيف نرثيه لأننا لا نكاد نصدق أن مصر ستصبح غدا بلا "نجم" لكنه أراد أخيرا أن يقابل حبيبه الأعلى، وهو الذى قال ذات يوم إنه يعرف تمام المعرفة إن الله سيحتضنه حينما يلقاه يقول له "إنت واد جدع" فقد كان يحسن الظن بالرفيق الأعلى ويتعامل معه وكأنه حبيبه وخليله وترك لنا ما نتقوت به على آلامنا، كلمات هى من وحى الأرض والدم والعرق، كلمات تمجد القديسة "مصر" وترفعها فوق الشبهات والمزايدات، فرددوا معى هذه الكلمات العفية، هذه الكلمات الوصية، التى قالها "أحمد فؤاد نجم" لنا وكأنه يوصينا:
إحفظوا لمصر المكان. ..
إحنا عالعهد اللى كان
مصر أوفى من الزمان
وإنتوا عارفين شعب مصر
اللى خانوا العهد بينا
واستباحوا كل حاجه
واستهانوا بالعروبه
واستكانوا للخواجه. ..
مستحيل هيكونوا منا
إحنا حاجه وهمه حاجه. .
همه باعوا البندقيه
والوطن والجلابيه
وإحنا أصحاب القضيه
إحنا مابنبعشى مصر
يطلع الدجال بزيفوا
يملا وادى النيل ضباب..
ينزل الجلاد بسيفوا
يزرع الموت والخراب. .
يطول الليل زى كيفوا. ..
الصباح له ألف باب. .
وإحنا بوصلتنا ف إيدينا. ..
ماتخافوش من الليل علينا. .
مهما غبتوا عن عينينا. ...
إنتوا جوه ف قلب مصر. ..
أحنا ما بنبعش مصر
أحنا ما بنبعش مصر
وائل السمرى يكتب: مع السلامة يا "نجم".. "مات المناضل المثال" وتركنا كمن ترك وريدك فارغا.. لا نعرف كيف نرثيه لأننا لا نكاد نصدق أن مصر ستصبح غدا بلا "نجم"
الثلاثاء، 03 ديسمبر 2013 05:34 م
أحمد فؤاد نجم
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
sameh
رحمك الله يا عم احمد
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس /جمال عبد الناصر
إنت بتدور علي دموعي ..
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد مبارك
الف رحمة ونور علية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حمدان
رثاء
عدد الردود 0
بواسطة:
awny
مات رجل الحرية
الف خسارة
عدد الردود 0
بواسطة:
المصري أفندي
مشروع (بيتنا)
عدد الردود 0
بواسطة:
البدري زايد
عيون الكلام
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجد
اتعلمنا منك كتير
عدد الردود 0
بواسطة:
بيوض الجزائر
رحمة الله عليك ياشاعر الغلابة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن البلد
الله يرحمه