قال الدكتور محمد مجاهد الزيات، رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، إن مباحثات جنيف النووى بين طهران والغرب أسفرت عن اتفاق تاريخى بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية فى الأمم المتحدة وتضمن هذا الاتفاق احتفاظ إيران ببرنامجها النووى ومكوناته الأساسية مع ضبط هذا البرنامج ووقف أى تطور فيه لامتلاك السلاح النووى.
القومى لدراسات الشرق الأوسط، اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "قراءة فى واقع ومستقبل اتفاق الخطوة الأولى بين إيران والدول الكبرى" أن الاتفاق على هذا النحو وبغض النظر عن تفاصيله، التى تتعلق بآلية وطبيعة عمله، وكذلك الانفراجة المتوقعة فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية تمثل تطوراً غير مسبوق فى علاقات إيران بالدول الغربية بصفة أساسية منذ قيام ثورة الخامنئى عام 1979.
وأوضح الزيات أن هذا الاتفاق يعتبر حدثاً يحمل معه تطورات إقليمية ودولية بالغة الأهمية ويحمل الكثير من التغيرات الجيواستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة وقد وضح ارتياح الطرفين إيران والدول الكبرى لما تم الاتفاق عليه.
وشدد الخبير الاستراتيجى على أن الاتفاق يغلق الطريق أمام طهران لتصنيع قنبلة نووية ويوقف تقدم برنامجها ويجمد مخزونها النووى المخصب بنسبة 20%، كما تضمن وقف أى مجال لتخصيب البلوتنيوم ووقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى 5% والتخلص من نسبة اليورانيوم المخصب على 20%، ولم يتضمن الاتفاق تفكيك أو إغلاق ملف آراك ولكن الامتناع عن تشغيل المفاعل طوال الـ 6 أشهر التى يغطيها الاتفاق.
وأشار الزيات إلى أن الاتفاق على المستوى الاقتصادى يضمن تخفيف بعض العقوبات والإفراج عن بعض الأرصدة وهو ما يعنى إغلاق الطريق أمام فرض أية عقوبات جديدة ورفع الحصار عن صناعة السيارات والبتروكيماويات وهو ما يعنى الحصول على أرصدة وإيداعات 2.5 مليار خلال الـ 6 أشهر بالإضافة إلى الإفراج عن 4.5 مليارات (عائدات البترول المحجوزة) والتى كانت مجمدة وكذلك رفع الحصار عن الشحن فى قطاع النقل البحرى وهو ما يمكن أن يزيد من حجم التبادل التجارى لإيران.
وأضاف الزيات أن الاتفاق فيما يتعلق بالبرنامج النووى قد تعامل بوضع سقف للتخصيب سواء بفرض قيود على المعدات والأجهزة وكذلك على مستوى وكميات ودرجة نقاء الوقود المخصب إلا أنه لم يتعرض للوضع النهائى للبرنامج.
وأوضح الخبير الاستراتيجى أن الاتفاق بشقيه النووى والتجارى دمج إيران فى المنظومة السياسية العالمية وكذلك فى الاقتصاد العالمى، وأنه رغم الطابع المرحلى للاتفاق (6 أشهر) إلا أنه أوقف بصورة واضحة التهديدات الأمريكية والغربية التى استمرت لسنوات وأصبح واضحاً أنه لم يعد مطروحاً على الطاولة سوى الخيار الدبلوماسى ويمثل فى جوهره انتصاراً لمنهجية دبلوماسية تبنتها روسيا بصفة خاصة وتم الترويج لها منذ انتقال الملف النووى من الوكالة الدولية لمجلس الأمن واعتمدت هذه المنهجية على التبادل المتوازى للتوازنات، وهو ما أدى إلى خلخلة واضحة فى الملف النووى.
وفى إطار تقييم هذا الاتفاق بصفة عامة، قال الزيات إن جولة الاتفاق تضمن ما يمكن تسميته بسقف مقابل سقف أى تحديد سقف للبرنامج النووى مقابل سقف على العقوبات التى تم فرضها على إيران والسقف النووى يعنى أنه سوف يسمح للإيرانيين بتخصيب اليورانيوم من 3.5% إلى 5% وهذا هو سقف التخصيب على مستوى اليورانيوم وليست على الكمية التى يمكن إنتاجها، وهذا ما سيكون مجالا للمفاوضات القادمة.
وقال الزيات: "فى حين أن العقوبات التى تحد من قدرة الإيرانيين على بيع النفط وإجراء المعاملات المعتادة التى لم يتم الاقتراب منها إلا أنه سمح بموجب الاتفاق لإيران بحرية الوصول إلى 15 مليارا من الفصل لعملتهم الصعبة وتبادل الذهب والمعادن النفيسة، وهو ما دفع قطاعات اقتصادية وتجارية فى آسيا وأوروبا والولايات المتحدة للترويج لبرامج استثمارية فى قطاعات السيارات والنقل الإيرانية".
وأضاف الخبير الاستراتيجى أن الاتفاق قد انعكس على الداخل الإيرانى بصورة كبيرة حيث تزداد شعبية الرئيس روحانى ومن المؤكد أنه يحظى بموافقة المرشد الأعلى ولعل ما ذكره رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية من أنه لو أن المرشد الأعلى لم يوافق على هذا الاتفاق لما كانت حدثت مفاوضات على الإطلاق.
وأضاف الزيات: "لا شك أن المرحلة الانتقالية تعتمد على لكثير من اختبار النيات للوصول لاتفاق نهائى إلا أن خلاصة ما تم التوصل إليه هو فتح المجال أمام عودة إيران إلى الإقليم وممارسة دورها كقوة إقليمية مؤثرة واعتبار إيران دولة وأمة وليست قضية كما كان الحال فى السنوات السابقة منذ 1979 حتى الآن وهو ما يفتح الباب للتداعيات الاستراتيجية لهذا الاتفاق على اعتبار أنه يمثل بداية واضحة لنوع من الاختراق فى علاقات إيران مع الغرب وأمريكا بصورة يمكن أن تؤثر على الأوضاع السياسية فى المنطقة العربية والقضايا المثارة بداخله".
ولفت الزيات إلى أن الجانب الإسرائيلى يرى أن تخفيف العقوبات على إيران سوف يحتاج إلى موافقة الكونجرس وبالتالى فإنهم يأملون التأثير على الموقف الأمريكى تجاه إيران من خلال الضغط على الكونجرس فى المرحلة المقبلة وتخشى دول الخليج بصفقة سياسية من تداعيات هذا التقارب والانفتاح على الملفات والقضايا المثارة فى المنطقة خاصة الأزمة السورية ويزيد من مخاوفهم تصريحات المسئولين الغربيين حول ضرورة مشاركة إيران فى جنيف 2.
ولخص الزيات كلمته قائلا: "بصفة عامة يمكن القول إن هذا الاتفاق مفيد لإيران وأمريكا سواء من خلال منع إيران من امتلاك السلاح النووى وتغيير حالة العداء من أمريكا لإيران وبدء تخفيف التوتر بين البلدين وفتح المجال أمام حوارات دولية وإقليمية متعددة".
وأضاف الزيات: "من الأهداف التى يمكن أن تستثمرها الولايات المتحدة من تخفيف هذا العداء إتاحة الفرصة لعودة إيران كقوة إقليمية مؤثرة ليس فى الشرق الأوسط فقط والخليج ولكن فى شرق آسيا لوقف التمدد الروسى الصينى والبحث عن شراكة مع طهران تؤمن انسحابها من أفغانستان وهو ما يمكن أن يكون أحد تجليات التقارب الأمريكى الإيرانى"، موضحا أن الاتفاق يمكن أن يغير من ميزان القوى فى الخليج حيث يتضمن تغييرا غير معلن من واشنطن والاتحاد الأوروبى بأن تصبح إيران لاعبا إقليميا وطرفا مباشرا مشروعا فى قضايا المنطقة وترتيباتها الأمنية.
الزيات: اتفاق "إيران النووى" تطور غير مسبوق فى علاقاتها مع الغرب
الثلاثاء، 03 ديسمبر 2013 04:42 م
الدكتور محمد مجاهد الزيات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة