ما زالت قضية تناقص نصيب المواطن المصرى من المياه تشكل هاجسا قويا لدى المسؤولين، المعنيين بهذه القضية، وبين الحين والآخر تظهر آراء براقة فى ظاهرها بينما باطنها يحمل الكثير من المخاوف حول زيادة حصة مصر من مياه النيل. ومن بين هذه الأفكار ما يثار حالياً عن تنفيذ مشروع نهر الكونغو، والذى يقضى بشق قناة تصل مياهه بنهر النيل عبر جنوب السودان. حيث تباينت ردود أفعال الخبراء المعنيين بالملف ما بين مؤيد ومعارض، فهناك من الخبراء من يرى أن هذا المشروع يواجه العديد من المعوقات الفنية والقانونية، فى حين يرى البعض الآخر أهمية بحث فرص التعاون مع الكونغو.
قبل الخوض فى التفاصيل هناك العديد من التساؤلات عن حقيقة ربط نهر الكونغو بنهر النيل، وهل يمكن من الناحية الهندسية تنفيذ مثل هذا المشروع فى ظل الطبيعة الجغرافية التى تربط بين النهرين «النيل والكونغو». وما إذا كانت هناك عوائق قانونية لإتمام مثل هذا المشروع؟ وما هى التكلفة الاقتصادية، والفوائد التى ستعود علينا؟ الإجابة الوحيدة لدى أصحاب المشروع الذى يتطلب الكثير من المفاوضات مع عدد من الدول، وفى رأى الكثير من القائمين على ملف مياه النيل والتعاون مع دول الحوض.
الخبراء المتخصصون يؤكدون أن تنفيذ هذا المشروع سيواجه صعاباً مختلفة، فإذا نظرنا إلى جغرافية المكان الطبيعية فهى تمثل عائقا جغرافياً فاصلا بين الحوضين، وهو ما يؤكده الدكتور وائل رشدى خبير الموارد المائية بالبنك العربى الأفريقى، والذى يرى أن المشروع أكذوبة لأسباب عديدة، موضحاً أن أى مشروع تحكمه الجدوى الاقتصادية لضمان نجاحه فإذا توفرت فلابد أن نعلم أن القناة المقترحة للربط تمتد مسافة 100 كيلو متر، هل يتخيل إنسان فرق المنسوب الموازى لهذه المسافة، وكمية الطاقة الرهيبة لرفع المياه لهذا الفارق الكبير فى الارتفاع؟ ويقول: تخيل أنك تحتاج لنقل مياه من قاع حلة مياه لقاع حلة مياه أخرى مع الفارق أن عرض حلة المياه 100 كيلو متر وارتفاعها 200 متر، مستشهداً بالمثل المصرى «المياه متمشيش فى العالى» ولابد من أعمال صناعية متعددة وحفر القناة على سلسلة من الأجزاء وفى نهاية كل جزء يكون هناك رفع للمياه.
وأضاف رشدى أنه من المفترض أن تصب القناة المقترحة فى قناة جونجلى لأنها القناة الوحيدة التى يمكنها نقل المياه بأقل فواقد ممكنة فى جنوب السودان، وأى بديل آخر فالمياه كلها ستفقد فى المستنقعات المنتشرة هناك، بدليل أن هناك 30 مليار متر مكعب من المياه تدخل منطقة المستنقعات من حوض بحر الغزال لا يصل منها للنيل الأبيض عند مكللا سوى نصف مليار.
وأوضح أن هناك مشكلة مزدوجة فى جونجلى، فمن الناحية السياسية هناك معارضة كبرى للقناة فى جنوب السودان كرمز استعمارى واستغلالى «رغم فوائدها الجمة للجنوب»، ومن الناحية الهندسية فإن التصرف التصميمى «يعنى كمية المياه التى تمر خلال فترة زمنية» للقناة هو 9 مليارات متر مكعب فى العام، مشيراً إلى أن هناك مشكلة كبرى تواجه جونجلى منذ إنشائها وهى أن القطاع الحالى للنيل الأبيض لا يستوعب أكثر من أربعة مليارات إضافية على ما يجرى فيه حاليا، بما يعنى أنه لتشغيل جونجلى بكامل طاقتها يجب توسيع وتطوير النيل الأبيض كله، وأى شخص زار السودان ورأى النيل الأبيض يعرف أن ذلك شبه مستحيل.
وأشار إلى أن نهر الكونغو أكبر نهر فى العالم بعد الأمازون فى كمية الإيراد المائى السنوى، ويشمل حوضه جمهورية الكونغو «برازاڤيل» وجمهورية الكونغو الديمقراطية «كينشاسا» وإفريقيا الوسطى والكاميرون، بمعنى أن أى قرار يخص النهر يعود للدول الأربع، بالإضافة إلى أن عتاولة أوروبا الغربية يخططون منذ عقود لإنشاء سد ضخم لتوليد الكهرباء على مصب النهر لتوليد 40 مليون كيلو وات من الكهرباء سنويا «السد العالى ينتج فى المتوسط 2 مليون كيلو وات سنويا» سيتم نقلها لأوروبا عن طريق خط الربط الكهربى الحالى فى شمال إفريقيا ثم لأوروبا عن طريق جبل طارق، ثم تدخل فى الشبكة الأوروبية، وليس من المتوقع أن تسمح القوى الأوروبية بأى نقص فى كمية المياه بتحويلها خارج الحوض. بالإضافة إلى أن تأمين المجرى المائى والمنشآت والمعدات فى تلك المناطق الملتهبة تحتاج جيشا كامل العتاد وسلاح الطيران الأمريكى نفسه، فى النهاية المشروع شبه مستحيل هندسيا وسياسيا واقتصاديا، والمروجون له مجموعة من الهواة على حد وصف.
وأكد رشدى أن البديل الأفضل من الناحية الاقتصادية والأكثر استدامة هو تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ورغم ارتفاع تكلفتهما عن الطاقة الأحفورية «البترول والغاز» فإن التكلفة ربع أو خمس نقل المياه من الكونغو إلى النيل، فضلا عن عدم وجود العوائق السياسية والفنية.
وفى نهاية الأمر لابد أن نحدد أهدافنا من هذا المشروع، ومن سيتحمل تكاليف التنفيذ، وهل ستوافق دولتى شمال وجنوب السودان على المشروع خاصة أن جوبا لا تحتاج إلى مياه إضافية، فلديها مصادر من المياه، وهل ستطلب مقابلا ماديا لمرور المياه فى أرضها، ونفس الشىء ينطبق على شمال السودان، مما قد يجعل المشروع غير اقتصادى بالنسبة لمصر، وقد يكون من الأفضل استخدام مثل هذه التكاليف التى قد تصل إلى عدة مليارات فى تحلية مياه البحر بتكاليف أقل.
وزارة الرى أعدت دراسة حول هذه الفكرة والتى طرحت قبل منذ ما يقرب من 113 عاما وتحديدا عام 1902، حيث طرحها أباتا كبير مهندسى الرى المصرى فى السودان، وتقدم باقترح بشق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان، ثم عادت بعدها الفكرة للظهور فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات فى عام 1980.
ووضعت عدة مقترحات تنتهى بأن الحل الأفضل يتمثل فى استكمال مشروع قناة جونجلى، لكن لابد لنا من عرض نتائج هذه الدراسة، التى وضعت مقترحين الأول يتمثل فى نقل المياه من أحد فروع أوبنجى إلى بحر الغزال عن طريق نهر سيوى وهو أحد فروع نهر الجور الذى يصب بدوره فى بحر الغزال، لكن هذه الكمية من المياه سواء كانت كبيرة أو صغيرة سوف تفقد بالكامل فى مستنقعات بحر الغزال قبل أن تصل إلى النيل الأبيض. أما المقترح الثانى فرأت الدراسة أنه الأنسب من الناحية الفنية وهو نقل المياه من فرع أوبانجى إلى بحر الجبل، وإنشاء قناة تحويل شرقه لنقل المياه إلى النيل الأبيض، وتجسير مجراه، مع العلم بأن عرض مجراه قد يصل إلى 10 كيلو مترات عند تمرير تصرفه الطبيعى، فما بالنا بالزيادة التى ستأتى عليه، لذلك فإن الأمر سيتطلب إنشاء سد لتجميع كمية من المياه يتم رفعها من حوض خزان السد بالطلمبات العملاقة، إلى أن تضخ فى أنابيب لتخطى مناطق المستنقعات فى جنوب السودان إلى النيل الأبيض، وعند وصول المياه إلى النيل الرئيسى الذى يبدأ من الخرطوم وصولا إلى مصر، ولنا أن نعلم إلى أن أى زيادة فى تصرفات بحر الجبل ستؤدى إلى ذهاب أغلب مياه الكونغو إلى المستنقعات الواقعة قرب نهاية بحرى الجبل والزراف. الدكتور حسين العطفى وزير الموارد المائية والرى الأسبق أكد أن هذا المشروع تم عرضه عليه عندما كان وزيراً وأبدى تحفظات عليه لأنه يواجه العديد من المعوقات القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية خاصة وأن المشروع من الناحية الاقتصادية مكلف للغاية، ويحتاج إلى ميزانية ضخمة، مشدداً على ضرورة وجود رؤية واضحة ومشتركة مع السودان لدراسة مدى استيعاب المجارى المائية للمياه الواردة لها، ومدى استعدادها لتنفيذ مثل هذا المشروع. ومن الناحية القانونية يستلزم لنقل مياه من حوض نهرى إلى آخر موافقة قانونية وفقاً لقواعد وقوانين دولية تشترط موافقة الدول المنظمة للأنهار المشتركة، وذلك حتى تتفادى مصر حدوث أى نزاعات، حيث تمنع هذه القوانين التصرف فى مياه النهر الدولى خارج الحوض الذى يضم مناطق داخل الدولة وذلك حتى لا تتحول المياه إلى سلعة يتم بيعها وشراؤها. وأوضح أنه من الضرورى لمصر بحث فرص التعاون مع الكونغو ومحاولة إنشاء شبكة ربط للمياه فى مصر بهذا النهر، على أن تساعد مصر فى توليد الطاقة والكهرباء لها بما نمتلكه من خبرات فى هذا المجال، خاصة أن الكونغو متوسط استهلاكها من الكهرباء من أضعف معدلات الاستهلاك فى العالم.
أسماء نصار تكتب: ربط نهر الكونغو بالنيل.. الجدل مستمر حتى إشعار آخر .. تساؤلات لا تجد إجابات حتى الآن: من وراء تمويل المشروع؟وما الضمانات لاستمراره؟ وهل تسمح دول حوض نهر الكونغو وحوض النيل بنقل المياه
السبت، 28 ديسمبر 2013 07:50 ص
نهر النيل
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور عبدالعال حسن عطية
شكرا جزيلا
عدد الردود 0
بواسطة:
ايوب
مشروع وهمي آخر لمنتفعين من بيع الشمس في علب كانز
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور عبدالعال حسن عطية
رد علي السيد أيوب
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmoud
كفاكم عبث