تقدم مدحت أحمد سالم من قاطنى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية إلى وزارة البيئة، بفكرة مشروع يقوم على إعادة تدوير مخلفات الكاوتش المطاط، التى تمثل تلوثا للبيئة وغير قابلة للتحلل بسهولة بدلا من حرقة.
مدحت الشاب الذى لم يتجاوز عمره الـ45 عاما، وقف محتضنا حافظة أوراق مشروعه الذى باع من أجله سيارته الميكروباص، وكانت كل ما يملكه من حطام الدنيا لتمويل مشروعه، فى الإدارة المركزية لمكتب شئون الوزيرة الدكتورة ليلى إسكندر، متسائلا عن المشروع الذى تقدم به للفرع الإقليمى لشرق الدلتا الخاص بجهاز شئون البيئة فى المنصورة، وبعد دوامة شهرين ونصف قالوا له: أرسلناه للمقر الرئيسى بالقاهرة، وهما اللى فى أيديهم الحل، فلم يتردد وأخذ أول قطار ليكون فى الوزارة العاشرة صباحا.
توجه مدحت للأرشيف الذى يتم تدوين كل المراسلات فيه والمشاريع المقدمة للوزيرة، وسلمه واستدار وخيبة الأمل تكسو وجهه، وكأنه صفر اليدين لم يجد ردا يوحى إلى خروج مشروعه للنور.
التقى "اليوم السابع" مدحت خلال لقائه بديوان عام الوزارة بالمعادى. واستمع لحكايته التى رافقتها المرارة فى حلقة وهو يرويها قائلا، " أنا من قرية اتميدة بمركز ميت غمر، وحاصل على بكالوريوس تجارة عام 90، ومتزوج وعندى 3 بنات وعندى مشروع استوفيت له كل الاشتراطات البيئية، وأريد أن أحل به مشكلة بيئية حقيقية موجودة فى قرية ميت حارون، والتى تسبب تلوث الهواء نتيجة حرق الكاوتش الناتج من العمل للحصول على السلك منه، وهو ما أصاب الكثير من المواطنين بحالات الاختناق والأمراض الصدرية.
وقال مدحت إنه بدأ مشروعه منذ عام ونصف بعد الثورة، وطرق كل الأبواب، واستوفى ملفا اكتظ بالورق الحكومى ونماذج المشاريع، بدأ من مركز تيسير الأعمال فى ميت غمر والمحافظة وجهاز شئون البيئة الفرع الإقليمى لشرق الدلتا.
وروى مدحت كيف قام ببيع سيارة أجرة كانت مصدر رزقه بـ200 ألف جنيه، لشراء ماكينات خاصة بالمشروع وتجهيز مكان للعمل فيه بديلا لنشاط آخر كان يصنع فيه خيوطا للتطريز بعد أن أقنعه كلام حكومة ما بعد الثورة، لضرورة العمل والاستثمار وابتكار الأفكار كل فى تخصصه، ولكنها وصفها بالحكومة البيروقراطية التى تطلب من الناس العمل والمشروعات، وتضع فى طريقهم الشوك والعراقيل بعد ذلك .
وأكد مدحت أن الفكرة بسيطة قائمة على تجميع الكاوتش من الطرق العامة ومن محلات تغيير الكاوتش ومن شركات النقل المختلفة، ثم تقطيعه إلى قطع صغيرة بعد إزالة السلك منه، وذلك بماكينات معينة لنزع السلك وتقطيع الإطارات ثم تقطيعها إلى قطع صغيرة تستخدم كوقود بديل يستخدم فى المصانع ذات الاستخدام الكبير للطاقة، مثل مصانع الأسمنت والحديد والطوب والألمنيوم وغيرها، والتى حازت على موافقة البيئة لاستخدام هذه النوعية من الوقود .
وأشار إلى أن هذه العملية لا يستخدم فيها أى نوع من اللهب أو المواد الكيميائية أو الانبعاثات أو الروائح وكل مدخلات التصنيع تخرج للبيع، ولا ينتج عنها أى مخلفات نهائيا، كما يتميز المشروع بأنه يمكن تكراره فى عدة أماكن، وهو من المشروعات المتوسطة التى تساعد فى خلق فرص عمل وتساعد فى بيئة نظيفة.
واستعرض مدحت المشاكل التى قابلته خلال إقدامه على تنفيذ المشروع، التى انحصرت حسب قوله فى عدم اهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة، وأنها تعطى اهتماما للكبيرة التى يمتلكها أصحاب الأموال، وتعطى لهم الدعم ضاربا مثلا بشركات تدوير المخلفات مثل "ايكارو"، والتى تحصل على دعم سنوى من الوزارة حوالى 6 ملايين جنيه، مؤكدا أنه عندما ذهب لصندوق حماية البيئة للحصول على قرض ميسر للمشروع بحوالى 150 ألف جنيه، أضيفهم على ثمن السيارة، ولكنهم قالوا لى مفيش ميزانية، وطلب منى المسئول الانتظار لشهر 7 للميزانية الجديدة، وهو ما يدل على أن كلامهم عن الدعم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والقروض الميسرة كلام فى الهواء، مشيرا إلى لجوئه لمسئولى التقييم البيئى بالمحافظة، والذين رفضوا المشروع بحجة أنه لا يمكن تنفيذه فى المدينة، وأنه لابد أن يذهب به إلى منطقة صناعية قائلا" رغم أن المشروع يحتاج أن يكون وسط المناطق السكانية لقرب الخامات والعمالة، ولصغر حجم عمالته، كما أنه لا ينتج عنه أى أضرار أو انبعاثات، ومكان مشروعى يتوسط محافظات الدقهلية والغربية والشرقية والقليوبية، كما أنه قريب من محافظات أخرى.
وتبقى فى النهاية أحلام الشباب المصرى طائرة فى الهواء، يحكمها الروتين والإجراءات بالتوازى مع سيطرة فقدان الأمل على المشاعر، لتظل أحلامهم فى الحياة بمشروع رهن قرار من مسئول، وجرة قلم لن تضره فى حين أنها ستفتح الباب لغد أفضل لهذا الشاب ليخدم نفسه ووطنه.
شاب بالدقهلية يبتكر فكرة لإعادة تدوير الكاوتش المطاط
الجمعة، 27 ديسمبر 2013 02:58 ص