صارت الإعلانات أو ما يطلقون عليه الفواصل الإعلانية على محطات التليفزيون جزءًا من واقع نعيشه مهما كرهناه ورأينا كمشاهدين أنه ينغص علينا حياتنا ويأخذ من عمرنا، ويقتحم بيوتنا دون استئذان ولا إحم ولا دستور، ولكن خلاصة القول أن الإعلان صار جزءا من مشاهدتنا والتأثير علينا بالإلحاح تارة وبالصورة الحلوة مرة وبالموسيقى العذبة مرة أخرى وبالرسالة المباشرة وغير المباشرة.
وقبل سنوات وعقود مضت صارت الإعلانات فنا يتم تدريسه فى الجامعات وكانت إعلانات الرسوم المتحركة مثل ست سنية سايبة الميه أو إعلان ريرى الشهير لأكل الأطفال، وسافو ورابسو وهى منظفات كانت الدولة تنتجها قبل اجتياح الإنتاجات الأخرى، كانت آنذاك مادة يحبها الأطفال لأنها كانت فنا يجمع بين الكلمات البسيطة واللحن المميز والرسوم الأقرب إلى الكاريكاتير ولم يكن الأطفال فقط هم المحبون بل صار أيضًا الكبار يستمتعون أحيانا بهذا الفن آنذاك، ولكن فى هذا الوقت لم تكن الإعلانات كثيرة ولا مرهقة للمشاهد فقد كان عرضها مقننا.
تطورت الحياة وانفتحت مصر على العالم أكثر وبدأت العولمة تأخذ ملامحها فكان ذلك له أثر على الإعلان أكثر من أى مجال آخر فكثرت المنتجات المتنافسة وصار للإعلان نجوم لصناعتها وأحيانا فى تقليد إعلانات الغرب وكان من روادها طارق نور الذى أعطى الإعلان روحا وشكلا غربيا أكثر منه مصريا ولم تقتصر نجومية الإعلان على الصناع بل صارت وجوه فتيات وفتيان الإعلان فرصة للشهرة وأول سلم لها وعرف الفن نجوما أتوا من باب الإعلان مثل نرمين الفقى وأحمد عز وعشرات أخرى لجأوا للإعلان كوسيلة وصول للشهرة كما خاض ممثلون كبار غمار الإعلان وصارت شهرتهم تعود للإعلان أكثر من أعمالهم الفنية كالراحل حسن عابدين.
ولا أريد أن أستغرق فى سرد تاريخى للإعلان ولكنى فقط أذكر من كان يعيش تلك الأيام وأُخبر من لا يعرف ربما لأن عمره لم يسمح له بمعرفة هذا التاريخ، ولكن مهمومة بالإعلان الآن التى صارت منتجا أغلبه منتج فاسد الذوق والفكر والطرح، فصار الإعلان المصرى عن أى منتج إعلان فج الذوق لا فكرة فيه ولا موسيقى ولا كلمة تعلق بالذهن بل على العكس صار منفرا فزاد من هم المشاهد المجبور على متابعته وكثرة إلحاحه بالفجاجة.
الإعلان فى أصله فكرة للترويج فما بال أفكار إعلاناتنا صارت عقيمة فما علاقة البطاطس المحمرة بحلاق عبيط يقف مبتسما وشاب يمرمط به الأرض.. قال مش مهتم علشان بياكل بطاطس، وما علاقة أن تضرب كوافيرة الزبونة بالقلم علشان مشروع عقارى، وما العبقرية أو الحد الأدنى من الابتكار فى إعلان لانشون يأتى لنا بوجوه مفجوعة وهى تأكل، وهل يستطيع أحد أن يتذكر موسيقى ترتبط فى عقله بإعلان واحد من إعلاناتنا المصرية، وقد أستثنى من هذه الفجاجة والغباء بعض حملات إعلانية لشركات دولية كبرى موجودة فى مصر يبدو أنها تلجأ لصناع إعلان أجانب وليسوا مصريين مثل بعض شركات الشيكولاتة العالمية أو الاتصالات أحيانًا.
خلاصة القول أن أغلب إعلاناتنا صارت مثل شوارعنا وعموم ذوقنا فجة عشوائية تخلو من الذوق أو الرقى أو الحدود الدنيا لهذا الفن بل إن بعضها يخلو حتى من منطق الترويج للمنتج الذى هو أصل الإعلان وهدفه، فكثيرا من إعلاناتنا تنفر المشاهد من المنتج وتجعله يسخر منه. إذا كانت الإعلانات قد صارت علينا فرضا وصارت جزءا من مشاهداتنا قسرا وليس طوعًا فهل نطمع أن تكون متقنة الصنع وتحمل قليلا من الفن أم أننا كما أصابتنا الخيبة فى السياسة والسينما والغناء والنخبة وأشياء أخرى كثيرة أصابتنا الخيبة فى إعلاناتنا؟.