رأى عدد من الأدباء والمثقفين أن الشاعر الكبير صلاح جاهين لا يزال رغم رحيله أيقونة مضيئة فى وجدان الوطن تضوى فى لياليه الحزينة وتشعل وجدان أبنائه حينما تضمهم ميادين الثورة ومازالت كلماته الدافئة تفرد ذراعيها فى الميادين مرددة "بالأحضان يا بلادنا يا حلوة".
فى البداية قال الكاتب الكبير أحمد الخميسى فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إن صلاح جاهين شاعر وليس زجالا وتأثره بفؤاد حداد دليل ذلك، ويبقى أن الفرق بين صلاح جاهين وفؤاد حداد فى شعر العامية هو ذاته الفرق بين نجيب محفوظ ويوسف إدريس فى القص فنجيب محفوظ كفؤاد حداد معمارى صاحب نفس طويل جدا أما إدريس فهو ملك القصة القصيرة وصلاح جاهين فهو شاعر اللحظة الذى قدم لشعر العامية المصرية ما لم يقدمه أحد غيره وهو أنه جعل البهجة أحد أدوار الشعر والفن بحرصه على أن تكون القصيدة مرهفة وبأجمل أشعار القرن العشرين التى كتبها فى حب مصر قصيدته الشهيرة "على اسم مصر" كما أن رباعياته مازالت تعكس أنه لم يكن مجرد شاعر إنما فيلسوف وابن بلد .
وأضاف "الخميسى" أن صلاح جاهين هو الشاعر الذى أدخل كلمات الصناعة الثقيلة إلى الشعر، حيث نجد فى قصائده كلمات مثل "التصنيع الثقيل والاشتراكية والسد العالى وهو أول وآخر شاعر حول برنامج سياسى إلى ترنيمة على شفاه الناس فى أغنيته "يا أهلا بالمعارك" وقام بذلك بفن وليس بأسلوب الدعاية فهو لم ينافق النظام وكانت أحلامه تتجاوز عبد الناصر إلى مستقبل مصر كله فهو الحالم بتماثيل رخام على الترع وأوبرا فى كل قرية والقضايا الوطنية حاضره فى كل قصائده من ديوانه الأول "كلمة سلام" وظل الهم العام يرافقه حتى النهاية، وكذلك هموم العشاق والمحبين وهموم الفلسفة الكبرى فهو قيمة مركبة لا تعوض.
وأشار "الخميسى" إلى أن جاهين هو أول من قدم المشهد الغنائى بعد سيد درويش وبديع خيرى فى رائعته "الليلة الكبيرة" وإلى البهجة الواضحة فى أشعار جاهين كما فى قصيدته "سلم التطور" و "يا وحوى" وغيرها.
وقال الشاعر ماجد يوسف، إنه إذا كان لبيرم التونسى الفضل فى تحويل العامية المصرية إلى لغة شعرية قادرة على أن تصنع الفن بكتابة يغلب عليها الطابع السياسى والاجتماعى فإن جاهين وحداد غلب على أعمالهما الأولى الطابع الزجلى "زجل مكتوب على العمود التقليدى الذى أرساه بيرم" لكنه زجل وضعنا على أول طريق الشعر ووضع أمام أعيننا الصور الشعرية ولم يكن مجرد هجاء سياسى واجتماعى.
وأضاف "يوسف" أن جاهين كان بحكم موقعه الإعلامى صوت الثورة المصرية فى الأغانى التى كتبها لمصر وغناها عبد الحليم حافظ وهذا جعل شعر العامية بفضل صلاح جاهين يصل للجماهير العريضة ويشيع وينتشر بين الناس وكاد أوبريت الليلة الكبيرة أن يتحول إلى فلكلور وحتى الرباعيات رغم بعدها الفلسفى فإنها ترددت على الألسنة بعد أن غناها سيد مكاوى وعلى الحجار وهذا أدى لانتشارها بين الناس.
وأكد "يوسف" أن استدعاء أغانى صلاح جاهين فى ميدان التحرير والثورة دليل على صدقها وعلى أنها أغنيات حقيقة اجتمع فيها الشاعر والملحن والمطرب "عبد الحليم" على إيمان بمعانيها وبدورها فى بناء الوطن وهو ما لم يحدث فى عهد السادات، حيث خرجت الأغانى من ذات الحناجر فاترة وباهته مثل أغنية عبد الحليم "عاش اللى قال" فهى برغم وطنيتها سطحية وغير نابعة من القلب ومصنوعة فقد كان جزء كبير من تأثير أغانى جاهين سببه قناعته بما يرصده فى قصائده وتجدد الحضور فى ثورة يناير دليل على الصدق والحرارة التى كتب بها جاهين كلماته والعكس صحيح فقد أسقط الناس كل الأغانى المزيفة التى نافقت النظام على مدار عقود طويلة .
ومن جانبه قال الكاتب مكاوى سعيد، إن صلاح جاهين بالنسبة لجيله يعد أيقونة فأشعاره كانت دائما حاضرة فى كل الفعاليات الثقافية وأغانيه وكلماته كان لها أكبر الأثر فى النفوس طوال الوقت فهو رمز جميل للمحبة و التدفق نحو روح الوطن فقد كان النموذج الحى الذى يتابع كل مشاكل الوطن والبيروقراطية وكل ما له بحركة المجتمع بالإضافة إلى انه كان فنانا شاملا عبر بطرق كثيرة كالشعر والكاريكاتير الساخر والأغنيات والفوازير والرباعيات والأفكار لذلك هو حى دائما ويستدعيه الشباب لما لأثره العميق فى نفوس الجميع، وكنت أتمنى أن أهديه كتابى "مقتنيات وسط البلد" وأرى انطباعه عنه ورأيه فيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة