خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: قراءة فى آليات تجنيد الشباب فى صفوف التنظيمات الإسلامية .. «عندما ترعى الذئاب الغنم»

الأربعاء، 25 ديسمبر 2013 09:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
*أقرأ هذا الكتاب الآن وأتساءل: كيف يسلّم هؤلاء الشباب أنفسهم للذئاب الحقيقية التى جرفت مسار هذا الدين نحو الصراع على الحكم

كنت أحب هذا العنوان الصاخب فى الماضى «عندما ترعى الذئاب الغنم»، كان هذا العنوان لامعا فى عالم التنظيمات الإسلامية فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وقد كان اسما لكتاب مؤثر وناعم حرره الشيخ رفاعى سرور، وهو أحد مفكرى الإسلام السياسى فى ذلك الوقت، وصار مؤلفه هذا مقررا ثابتا فى كل التنظيمات الإسلامية تقريبا بصرف النظر عن اختلافاتها الفقهية والفكرية والسياسية.

قرأت هذا الكتاب فى الماضى حين كنت صيدا لفكر يجعل من الآباء والأمهات أعداء للدين، ويزرع كراهية الناس والاستعلاء فى الأرض فى أعماق القلوب، قرأته حين كنت أؤهل نفسى لأن أكون حاملا للسيف فى مواجهة طواغيت الأرض، ومستعدا للشهادة على أن تعلو شريعة الله فوق شريعة البشر.

هكذا كنت أفهم الدنيا فى صباى، وهكذا يفهمها الآن عشرات الآلاف من أبناء هذا البلد، لم يتغير شىء، إلا أنا تقريبا، تغيرت الأنظمة والأفكار والسياسات، لكن هذا الفكر راسخ كأنه الدين نفسه، فيما أفهم أنا الآن أن الدين أرفع وأسمى وأعظم وأبقى من كل هؤلاء الذئاب والأغنام معا.

الآن أعيد القراءة فى هذا الكتاب من وجهة نظر أخرى، لم أعد هذا الصبى الذى لا يرى سبيلا للآخرة إلا بتدمير الدنيا، ولا يرى قرب إلى الله أغلى من أن يعادى أهله وأحبته ويفضل عليهم ما كنا نسميه نحن فى صبانا «العصبة المؤمنة»، تلك العصبة التى ترى فى نفسها قيمة مساوية للصحابة فى زمن النبوة، مع أن الصحابة كانوا يزرعون الأرض فى المدينة، بينما هذه العصبة الحالية تحرق كل أغصان الوطن، وتظن أن الله يفرح بالدماء البريئة فى تلك الحروب غير المقدسة.

كنت أقرأ «عندما ترعى الذئاب الغنم» فى الماضى بشغف دينى عاصف، وكأننى أرى الله يقف إلى جوارى فى الحرب ضد الشيطان، شياطين الجن والإنس معا، قرأته لأقع فى هوى هذا الفكر الساحر الذى يجعل من شاب مراهق لم يبلغ السادسة عشرة من عمره، جنديا منظما شديد البأس، لا يخاف الموت، موته هو، أو موت كل الناس من حوله، ويرى أن هذا الموت هو السبيل لتحرير العالم من الذئاب، قرأته لأقع فى هوى هذه المعركة المقدسة مع الشيطان الذى يسيطر على الغنم من أبناء الأرض، ثم نسينا فى صبانا الشيطان الأكبر الذى تحدى الله أمام الملائكة وأخرج آدم من جنة الخلد، واختزلنا المعركة فى الشياطين التى تحكم الوطن، كما كنا نراها فى هذا الوقت، والطواغيت التى تحارب الإسلام وأهله، كما كنا نعتقد حينذاك، لم تعد المعركة مع الشيطان الحقيقى، بل صارت المعركة مع الشياطين الأصغر، وتصورنا حينها أن معركة السياسة هى التى ستعيد الشيطان إلى سجن سرمدى، وأن الحرب على الحكم هى التى سترد آدم إلى الجنة من جديد.

لم نعد نجاهد أنفسنا لنسمو بديننا وقيمه وأخلاقه، لكننا صرنا نرى أن كل عدو لأفكارنا هو عدو للإسلام، وأن كل خصم سياسى لنا هو خصم لله نفسه جل فى علاه، هكذا تم تجنيدنا لنكون شركاء فى المعركة بين الحق والباطل، بين الظلمات والنور، بين الله والشيطان.

الآن وأنا أقرأ من جديد «عندما ترعى الذئاب الغنم» أتأمل كيف كانت عمليات تجنيد الشباب تجرى على قدم وساق ببساطة تقترب من ابتلاع شربة ماء بارد، فما هى المشقة التى قد يواجهها كادر تنظيمى مؤهل من جماعة الإخوان، أو الجماعة الإسلامية، أو التنظيمات المتعددة للجهاد الإسلامى فى إقناع شاب صغير بأن الله اختاره ليكون بطلا فى معركة كبيرة مع الشيطان؟

وما العقدة هنا فى أن يؤمن هذا الشاب بأن الخطوة الأولى لهزيمة الشيطان هى بانتمائه إلى عصبة مؤمنة تشاركه هذه الحرب المقدسة، وكيف يمكن أن يشك هذا الشاب للحظة واحدة بأن هذه الدعوة صحيحة إذا كان يرى والده يلملم أشلاء راتبه الصغير ليسد مطالب أسرته الكبيرة، أو يرى أمه حائرة فى تدبير نفقات أحذية المدرسة، أو يراقب أعمامه يهرولون إلى الشوارع بحثا عن عمل بلا أمل فى فرصة تجعل منهم أنصاف بشر يعيشون على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، ما المشقة وهو يتابع جيرانه من خريجى الجامعات وهم يجلسون على المقهى فى ظلمات الفقر وتحت قسوة اليأس فى الحصول على وظيفة، أو زوجة، أو بيت.

الشيطان هو الذى يفعل ذلك بنا إذن..
الشيطان هو الذى يسرق بركتنا فى أوطاننا لأننا نتبع خطواته ولا نطبق شريعة الله..
فلتكن حربا على الشيطان حتى تعود البركة، ولنعلنها حربا على شياطين الأرض الذين يحرموننا من إقامة شريعة الله ويحرموننا من نعمة الله على عباده..
نحن فقراء لأن الله غاضب علينا..
نحن ضعفاء لأن الله يعاقبنا على غياب الشريعة..

نحن بلا أمل لأننا تركنا كلمة البشر وسلطة النخبة المترفة تعلو فوق جثة هذا الدين..
نحن جوعى وموتى ومفلسون لأننا نتقاعس عن هذه المعركة الكبرى مع ذئاب الأرض..

إذن، هى الحرب.. نخوضها دفاعا عن البركة المسلوبة من بيوتنا، عن لقمة العيش، عن الكرامة الضائعة على المقاهى، عن فرص العمل المستحيلة، عن بلادنا التى لا تحظى بنعمة السماء، نخوضها ضد هؤلاء الذين يعطلون شرع الله ويتبعون خطوات الشيطان.

أين الشيطان لنقتله بسيوفنا؟

أين هذه السلطة التى تعبد الشيطان من دون الله لنذبح دولتها العميقة؟
أين شرطة الشيطان لنقتحم مقارها ونقتل كهنة معابد الأوثان الأمنية؟
أين نخبة هذه الدولة الشيطانية لنقطع رقاب السفهاء فينا؟
يجب أن نتخلص من الذئاب التى ترعى أغنام هذا البلد.
حسنا.. أنت الآن يا بنى جندى فى جيش الله..
وبطل من أبطال العصبة المؤمنة، اتلُ معنا هذا النشيد الرائع واحفظه عن ظهر قلب:
يا إله الكون هل يرضيك أنا
إخوة فى الله للإسلام قمنا
لا نخاف الموت لا بل نتمنى
أنا يرانا الله فى ساح الفداء
حبذا الموت يريح البائسين
ويرد المجد للمستعبدين
فلنمت نحن فداء المسلمين
سادة الدنيا برغم الكافرين
وليسد فى الأرض قانون السماء

هكذا تجرى عمليات التجنيد، فهؤلاء الصغار لا يرون أنفسهم جنودا فى معركة سياسية بين أمرائهم الذين يريدون الحكم والسلطة، وبين شعب لا يريد لتنظيم مغتصب أن ينهب البلد لصالح أهوائه الخاصة، ونحو مشروع استبدادى غير مسبوق، لا، لا يرون الأمر على هذا النحو، لكنهم يعتقدون من كل قلوبهم أنهم جنود فى معركة الله مع الشيطان، وأبطال فى العصبة المؤمنة التى تريد أن تخلص أهلها من الفقر بأن تحل البركة على الأرض باسم الشريعة الإسلامية.

هؤلاء الشباب لا يعرفون ما الذى تعنيه كلمة الشريعة الإسلامية، ولا يفهمون قواعد علم الحديث، ولا يدركون معنى المصالح المرسلة للمسلمين، ولا يفهمون لما تبدلت الفتاوى بحسب كل زمن على مر العصور، ولا يحيطون علما بما جرى فى التاريخ الإسلامى من عمليات تشويه متعمدة خلطت بين المقدس وغير المقدس، وبين حكم الله على الأرض، وحكم الجبابرة تحت شعار اسم الله بين الناس..

وهؤلاء الشباب لم يقرأوا أبدا الوجوه الطامعة فى الحكم والسلطة من سادتهم فى العصبة المؤمنة المزعومة، لكنهم توحدوا مع هذا الوحى الذى غرسته فيهم كتب التجنيد البسيطة بأنهم رجال هذه المعركة المقدسة، وهم الذين تمردوا على سيطرة الذئاب على الغنم.

قنابل الغاز لا قيمة لها هنا، وطلقات الخرطوش لا تؤثر فى هذا المشهد، والزنازين قد تكسر الخطر لكنها لا تنزع هذا الوهم من القلوب.

أعرف أنا هذا جيدا، فالحالة السياسية التى نعيشها الآن تفتح الباب لعمليات تجنيد أوسع فى صفوف الشباب، رغم الخطايا التى ارتكبها أمراء الإخوان، الطريق سهل، فقط أعطهم نسخة من الكتاب، «كيف ترعى الذئاب الغنم»، واستثمر طيبتهم وفقرهم وقلة حيلتهم وهوانهم وهوان عائلاتهم على الناس لتقنعهم بأنهم محرومون من البركة لأنهم قبلوا بأن يكونوا غنما تحت رحمة الذئاب، ثم ادعهم للقتال فى صفوفك السياسية وبين ميليشياتك العسكرية المسلحة.

أقرأ أنا من جديد هذه السطور وأتأمل..

كيف يسلم هؤلاء الشباب أنفسهم للذئاب الحقيقية التى جرفت مسار هذا الدين نحو الصراع على الحكم، لا الاجتهاد من أجل الرقى الأخلاقى والإنسانى، أعرف أنا الآن وأنا فى الرابعة والأربعين من العمر أين الحق وأين الباطل، أعرف وقع السحر الذى سرى فى أوصالنا فى الماضى، وأعرف الآن أننا سلمنا أنفسنا من الفقر والقهر وغياب الأمل إلى ذئاب السياسة التى حركتنا وفق أهوائها الخاصة، وعندما لاحت لحظة الصفقات كانوا أول من جلسوا إلى طاولات التفاوض مع مباحث أمن الدولة.

أعرف ما جرى، وليتنى أنقل ما يدور فى وجدانى من ذكريات مؤلمة إلى هؤلاء الشباب الذين يخدعهم الذئاب المتسترون باسم الدين، ويظنون أنهم يفرون من الفقر إلى الغنى فى معركة الرب، لكنهم يفرون من أوطانهم إلى فخ الأفاعى، يقدمون أرواحهم فداء لصفقات سياسية حدثت فى الماضى، وتحدث الآن، وستحدث فى كل زمن طالما لم تنكسر شوكة تجار الدين، وطالما ظن الشباب الصغار أنهم غنم يفرون من الذئاب، دون أن يدركوا أنهم كانوا بشرا فاختاروا لأنفسهم ذئبا حقيقيا جعل منهم غنما فى قطعان الموت تحت رحمته ولمصلحته الخاصة.

هل فهمتنى الآن؟

لا طريق إلى كسر هذا السحر إلا بالذكر الحكيم والعلم الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟

لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يضرب السحر إلا سحر مثله أو نور من عند الله؟
الخرطوش والغاز قد يساعد فى تسكين الألم، أو فى حصار تلك العصبة الجريحة حتى تسترد قوتها بعمليات تجنيد جديدة تحت شعار العصبة المؤمنة، لذلك سيسقط العلاج بالخرطوش لا محالة، وستبقى هذه العصابة تعمل تحت شعار العصبة المؤمنة.. العلاج لن يأتى من هذا السبيل، العلاج سيأتى بالمواجهة لهذه التعقيدات النفسية والاجتماعية والدينية وبمعالجات فكرية جديدة تعرف كيف تواجه هذا السحر الذى يلقيه أمراء السلطة على الصغار من أبناء هذا البلد.

العلاج بالتجنيد العكسى، بأن نفهم عمليات التجنيد التنظيمية ونحارب هذا التآمر التنظيمى من المنبع..

العلاج بمحاربة تزييف التاريخ الإسلامى وعبر إطلاق مشروع حقيقى يعيد تصحيح هذا التاريخ وبمحاربة الأحاديث المدسوسة والتفسيرات الملتوية فى المكتبة الدينية الإسلامية..

العلاج بعلماء دين يفهمون معنى الاستخلاف فى الأرض، ويقودون شباب هذا البلد وشباب هذا الدين إلى البناء والعمل تحقيقا لرسالة الله من السماء..

العلاج بمحاربة الفقر الذى يمثل رأس الأفعى فى المعركة، وبتواضع النخبة المدنية التى ترتكب خطايا مؤسفة قد تساعد على تصوير نفسها بأنها خصم لعدالة الدين دون أن تدرى ذلك لأنها تخاصم الشارع وتخشى أن تتأذى أعينها بمصائب البسطاء فى ربوع مصر..

هل تفهمنى؟

أتمنى.. حتى لا تستمر الذئاب الحقيقية فى رعاية الغنم..


موضوعات متعلقة...


خالد صلاح يكتب: هل قتل الراهب المسيحى تنيناً بسبعة رؤوس؟.. قراءة سياسية وتاريخية فى «سيرة ابن هشام»













مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

عاطف مصر

مقالة رائعة فعلا

شكرا خالد صلاح

عدد الردود 0

بواسطة:

omar abdoa

وراء كل قطرة دم مصري قتلة حقيقيون

عدد الردود 0

بواسطة:

مراقب

المراجعات الفقهية والفكرية

عدد الردود 0

بواسطة:

اولبيجا

لاتنطقون باسم الدين

عدد الردود 0

بواسطة:

Mahmoud

مقال رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

علباء أنيس

الحل الواقعى

عدد الردود 0

بواسطة:

نيفان الصاوي

نعم...... الغاز و الخرطوش لن يفيد

عدد الردود 0

بواسطة:

زائر

شكرا

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

تسلم الايادى

مقال قوى من رجل وطنى مسلم يحب الله رسوله ووطنه

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد

اهل الحق وسط بين طرفين مغالين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة