شهد عام 2013 موجة من الهجوم على التماثيل التى مثلت رموزا فكرية أو نضالية أو فنية وتعددت حوادث الاعتداء وكان أبرزها محاولات بعض المتطرفين قطع رأس تمثال عميد الأدب العربى طه حسين وتشويه تمثال نهضة مصر لمحمود مختار أثناء اعتصام الإسلاميين حول تمثاله بميدان نهضة مصر , وقيام مجهولين بطلاء تمثال عروس البحر فى الإسكندرية باللون الأزرق وتشويهه وتنقيب تمثال سيدة الغناء العربى أم كلثوم بالمنصورة، وتجريم الجرافيتى فى قانون التظاهر, حول هذه الانتهاكات وأثارها فى المستقبل استطلع "اليوم السابع" أراء الفنانين والنقاد.
أكد الفنان والناقد التشكيلى عز الدين نجيب، أن الانتهاكات المتفرقة التى حدثت للفن التشكيلى خلال عام 2013 لم تؤثر ولم يكن لها قيمة لا بين الفنانين التشكيليين ولا المؤسسات الثقافية ولا المجتمع الذى نظر إليها بسخرية واحتقار , كما كانت نتائجها محدودة ولم تكن بحجم ما تعرضت له تماثيل بوذا على سبيل المثال على يد طالبان أو ما حدث من طمس للوحات الفنانين التشكيلين على يد نظام البشير , فما حدث فى مصر لا يتعدى كونه دمامل لا أثر لها فى صحة البدن ورسائل طائشة من التيار الظلامى لم تصل إلى عناوينها حيث سخر منها الشعب وأعطاها ظهره.
وأضاف "نجيب" أن عام 2013 كان كسابقه عام فن الجرافيتى فى الشوارع والميادين التى مثلت أبلغ رد على المحاولات العبثية من مدعى الإسلام. والأجمل هو تقبل الشعب لهذه الأعمال الجدارية وترحيبه بها حتى أصبحت من العلامات وكلما تم مسحها أعادوا رسمها من جديد وانطلقت فى كل مكان حتى وصلت للمحافظات.
ويؤكد "نجيب" أن من إنجازات عام 2013 على الصعيد التشكيلى هو نجاح لجنة الفن والمجتمع بالمجلس الأعلى للثقافة فى نشر الفن والمهرجانات فى القاهرة و6 محافظات أخرى ومشاركة الأطفال والشباب فى ذلك بإقامة الورش الفنية واللوحات الجدارية مما حول الفن إلى نشاط شعبى بعد أن كان نشاطا نخبويا لا يلقى اهتمام الجماهير.
ويضيف "نجيب" أن هذا العام شهد أيضا مولد سلسلتين جديدتين للفن التشكيلى هما "ذاكرة الفن" عن الهيئة العامة للكتاب و"آفاق الفن التشكيلى" عن هيئة قصور الثقافة، مما ساهم فى نشر وإحياء الرموز التشكيلية وإتاحة الفرصة للتعريف بالأجيال التى تم تهمشيها وخلق حراك تشكيلى. كما شهد ميلاد جماعة "ممر" التى أعتبرها انطلاقة لجماعات أخرى قادمة وحركات ثورية فى الفن تنتمى فى إبداعها إلى الجذور والتراث بعد أن طال اغتراب الفنانين بعيدا عن جذورهم جريا وراء اتجاهات الفن الغربى التى كان النظام السابق يغذيها ليصرف الشباب عن انتمائهم للوطن
ويرى "نجيب" أن من الإنجازات تضمن مشروع الدستور الذى سيتم الاستفتاء عليه فى 14 يناير مواد عن دور الثقافة وحقوق المواطنين فى الثقافة ورعاية وإحياء الهوية المصرية فى الفن والتراث المصرى المادى والشفاهى, وهذه المواد فى حد ذاتها ثورة ثقافية إذا ما تم ترجمتها فى الواقع العملى.
وأكد نجيب أن هناك صحوة ثقافية بشكل عام بين الشباب الموهوبين الذين يعيدون حساباتهم ويركزون على الأفكار التى تحمل وجهات نظرهم ضد التغريب الفكرى وضد الإخوان والعسكر كما ظهر فى صالون الشباب المقام حاليا ورغم وجود طابور خامس فى وزارة الثقافة يحض على البعد عن الانتماء الثورى للشباب.
ومن جانبه أكد الفنان محمد عبلة أن الفن التشكيلى كان له دور كبير فى 2013 رغم كل التجاوزات التى حاولت الاعتداء على التماثيل ورغم انتشار الدعاوى الغريبة لتغطية التماثيل وقطع رؤوسها فهذا جعل الفنانين يخافوا على الفن والثقافة وكان لذلك تأثير كبير فى المشهد الثقافى العام , كذلك رد الفعل تجاه النصب التذكارى الذى وضعوه فى التحرير بمعرفة أحد المقاولين واجه رد فعل قوى من قبل المثقفين.
وأضاف عبلة أن الجرافيتى لايزال يبحث عن صيغة لإيجاد مساحات للشباب للتعبير الحر عليها، وطالب بضرورة تحديد أماكن للشباب تتيح لهم هذه الفرصة من خلال دعم القطاع الخاص للفن من خلال "مثلا : أن يترك الأثرياء أسوار فيلاتهم أو أسوار مصانعهم لشاب الجرافيتى ليرسموا عليها.
واعتبر عبلة أن أبرز انتهاك تعرضت له الفنون التشكيلية خلال 2013 هو تجريم الرسم بقانون منع التظاهر لأن القوانين لابد أن تفكر فى الإتاحة قبل المنع ولأن الجرافيتى كان أبرز فن عبر عن التمرد والثورة وأفكار الشباب للمستقبل. وأكد عبلة أن المعركة بين الفهم الخاطئ للدين وتفسيراته وبين المجتمع ستستمر فى المستقبل وأنه متفائل بشباب الفنانين ووعيهم ويتمنى أن تدرك وزارة الثقافة دورها لأن المعركة اآ ن ثقافية ولن يحلها أى حل أمنى أو غيره وكل المشاكل ستحلها الثقافة.
وقال الفنان محمد بنوى، الذى اختيرت جداريته "الوادى" ضمن مشروع كنوز المعرفة الذى يمثل الجناح المصرى ببينالى فينيسيا الدولى كأفضل جداريات 2013 والذى نافس على جائزة الفسيفساء من قبل الجمعية البريطانية للفسيفساء الحديث، أن الفن التشكيلى اآجن يمر بمرحلة صعبة نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تمر بها مصر وأن عام 2013 شهد هجوما كبيرا من قبل بعض التيارات على الفن التشكيلى لكن تبقى الأوقات الصعبة حافزا ومثيرا للفنان للإبداع بحرية والتعبير عن واقع المجتمع وطرح حلول أو تسليط الضوء على المشاكل.
وأضاف بنوى أنه يجب علينا الإصرار على حرية التفكير والإبداع والدفع بالدور الحضارى والمجتمعى للارتقاء بالذوق العام فمصر التى تركت للعالم أهم ميراث فنى وثقافى لا يمكن أن يتوقف فيها الإبداع مهما كانت التحديات.
ومن جانبه علق الكاتب الكبير أحمد الخميسى على هذه الظواهر قائلا: فى المنصورة أخفوا رأس تمثال أم كلثوم بطرحة. هذا الرأس الذى أخفوه هو الرأس الذى أنشد " أصبح عندى الآن بندقية" وجدد بها عزيمة الكفاح وهو الرأس الذى مشى لهيبا يخترق الماضى إلى المستقبل مرددا "أنا الشعب نارى تبيد الطغاة , أنا الموت فى كل شبر إذا عدوك يا مصر لاحت خطاه" وهو الرأس الذى روى الروح بحب مصر، لأنها " فى خاطرى وفى فمي". والوجه الذى غطوه وجه فلاحة مصرية بكت عيناها على نكسة 67، وانشغلت بجمع التبرعات للمجهود الحربى متضرعة لله عز وجل أن ينصر أم الدنيا، بينما كانت رؤوس بعض الشيوخ محنية تشكر على الهزيمة التى حاقت بنا.
وأضاف الخميسى انه بينما هم يغطون رأس أم كلثوم، كان أتباع النهج ذاته فى سوريا يتقدمون إلى مدينة معرة النعمان ويقطعون رأس النصب التذكارى للشاعر أبى العلاء المعري, وفى 15 فبراير قام أتباع النهج ذاته باقتلاع رأس النصب التذكارى لعميد الأدب العربى طه حسين الذى زين ميدانه بكورنيش مدينة المنيا. وسمعنا من شاشات التلفزيون من يتوعدنا جهارا نهارا بنسف الأهرامات وأبى الهول.
وأكد الخميسى أن الموضوع أبعد من نسف التماثيل والنصب التذكارية أو إخفاء رؤوسها، لأن أصحاب هذا النظرة يمدونها لتشمل تحريم كافة أشكال التعبير الفنى من تصوير ونحت وأدب وموسيقى ومسرح وسينما. وهذا يعنى – من ضمن ما يعنى – إهدار كل توثيق بصرى وسماعى لثورة 25 يناير، وكل توثيق مماثل لتاريخ الشعب المصرى وحياته الاجتماعية، وثوراته، بل وإهدار تاريخ الفن الإسلامى ذاته الحافل بالكثير من رسوم الطيور والحيوانات فى عصور سلاطين بنى عثمان التى تملأ متاحف الفن الإسلامى فى العالم.