سيد بكرى يكتب: حب الوطن

الإثنين، 23 ديسمبر 2013 12:11 م
سيد بكرى يكتب: حب الوطن جامعة الأزهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حب الوطن مقصد شرعى يستوجب الحفاط على أمنه ووحدته، والعمل لرفع رايته، وجمع شمل فرقه وطوائف، ولا سيما إن كان هذا الوطن هو مصر العظيمة، مصر التى تبوأت منذ فجر التاريخ الإنسانى وحتى الآن مكانة رفيعة لا تضارعها فيها دولة أخرى. أضحت مصر ولازالت هى النبراس الذى يشع الحضارة والمدنية للعالم أجمع، على الرغم من أنها واجهت ولا تزال تواجه العديد من التحديات التى تستهدف الشعب المصرى الأبى.

يعيش المصريون على أرض مصر يداً واحدة وجسداً واحدا، لا فرق بينهم لأنهم عنصر واحد لأمة واحدة. ومن يعيش بين المصريين ويتأمل عاداتهم وأعرافهم يجد نفسه بين شعب واحد من المصريين يمضون قدماً فى بناء نهضتهم، ويواجهون تحديات حاضرهم ومستقبلهم.

وإذا كانت الأزمات الوطنية اختباراً قاسياً للوحدة الوطنية،‏ فإن ما تمر به مصر من أعمال إرهابية دنيئة وخسيسة أثبتت أن الحس والوعى الوطنى متأصل فى المصريين، على اختلاف أشكالهم وألوانهم، ولا عجب أن يشذ منهم نفر، حيث قام البعض بالتغرير ببعض الشباب باسم الدين وبحشدهم ضد بنى وطنهم بل ضد ممتلكات الوطن ومقدراته، تحت شعار نصرة الدين، وهو أمر ينكره كل عاقل فحب الوطن غريزة متأصلة فى النفوس السوية، تستلزم الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وتجنب الأسباب المفضية إلى الفوضى والاضطراب والفساد.

ياليت هؤلاء بذلوا جهودهم ووحدوا صفوفهم فى نشر تعاليم الإسلام بين محتاجيه، ياليتهم عرفوا غير المسلمين كيف يكون سلوك المسلم الحق، ياليتهم غرسوا حب الوطن فى نفوس النشء، ياليتهم تسابقوا فى تمويل المشروعات التى قد تعود بالنفع على وطنهم، ياليتهم تسابقوا وسهروا الليالى فى المعامل والمختبرات ليخترعوا ويبتكروا ليعلوا من شأن وطنهم، بدلاً من أن يشهروا على الناس أسلحتهم ويكدروا أمنهم واستقرارهم باسم الغيرة على شريعة الإسلام، وصلاح أمة المسلمين. إن الإرهابى هومن يروع الآمنين ويزهق أرواح الآمنين، ويشق عصا الجماعة ويظهر فى الأرض الفساد، والإسلام يحارب الإرهاب وجزاء الإرهابيين المفسدين الذين يسعون فى الأرض فساداً ويشوهون صورة الإسلام والمسلمين، جزاءً عظيما فى الدنيا والأخرة، إن الإرهابيين بصنيعهم يشوهون صورة الإسلام ذلك الدين الحنيف ذو الدلالة على السلم والسلام، ويفتحون الباب على مصرعيه لأعداء الإسلام، ويرسخون فى أذهان الآخرين كراهية الإسلام، مما يجعلهم يطلقون عليه دين القسوة والتطرف والإرهاب وعلى سائر المسلمين متطرفين وإرهابيين.

قد استنكرت كافة الأطياف السياسية المصرية العنف داخل الحرم الجامعى وخارجه، وكذلك فعل كل من الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، ورسخا للتسامح والتصالح بين أفراد النسيج الوطنى من خلال بيت العائلة المصرية، بل وأصدر الأزهر الشريف وثيقة لنبذ العنف يلزم فيها المصريين بكافة أطيافهم الوطنية بحرمة الدم المصرى، فلا خَيْرَ فى أُمَّةٍ أو مجتمعٍ يُهدَرُ أو يُرَاقُ فيه دَمُ المواطنِ، أو تُبتَذَلُ فيه كَرامةُ الإنسانِ، أو يضيع فيه القصاص العادل وفق القانون.

لقد مكثت فى أمريكا سنوات عديدة، وتنقلت بين أكثر من جامعة فيها فوجدتها جميعاً بدون أى نشاط سياسى ولاغيره، بل كان لكل جامعة سياستها البحثية المتفردة بها عن غيرها كل طالب وأستاذ وباحث فى الجامعة يسير وفق سياسة هذه الجامعة، حتى تحقق أهدافها وترتقى فى سلم التصنيف الأكاديمى لجامعات العالم، والذى خلت معاييره من الأنشطة السياسية حتى لا يظن البعض أن تصنيف الجامعة وترتيبها يمكن أن يكون للعمل السياسى داخل حرمها دور فيه.

كذلك لاحظت الطلاب وهم يحافظون على جدرانها ويجملونها وينظفونها تطوعاً، على الرغم أنهم يدفعون مصروفات دراسية تقدر بآلاف الدولارات، إلا أننى لم أجد أحدهم يكتب على الجدران، وينحت فى خشب المدرجات، ويكتب اسمه أو غير ذلك من العبارات أو الذكريات. فما بالنا نحن فى أعرق جامعات العالم وأشرفها لماذا ندنسها بأيدينا. إن الحرم الجامعى له جلالته وقدسيته وهيبته واحترامه فى كل بلدان العالم،‏ وحرم جامعة الأزهر الشريف يستمد هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية من الجامعة نفسها، باعتبارها محراب الفكر ومنارة العلم والمعرفة‏ ومنبر الإسلام الوسطى،‏ والتى تفتح أبوابها للدارسين لينهلوا من علومها وفنونها ويتخرجوا فيها شبابا واعيا مثقفا،‏ قادرا على الإسهام بعلمه وفكره فى الارتقاء بمجتمعه، وتحقيق تقدمه وازدهاره‏،‏ وتعتبر قدسية الحرم الجامعى وحمايته من أهم القضايا التى أتمنى أن تأخذ مكانها من البحث والدراسة، وأن يضعها المسئولون عن جامعاتنا بصفة عامة‏.

وختاماً، فإن المتفوق يعد ثروة وطنية، وكنز لأمته وعامل من عوامل نهوض وتقدم مجتمعه فى مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية، إن المجتمعات والأمم والبلدان من حولنا تسعى وتتسابق فى الكشف عن أبنائها المتفوقين والموهوبين والمبدعين ورعايتهم، لأنهم أدركوا أنّ قدرات الأمم وكفاءتها إنّما تعلو بمتفوقيها وموهوبيها ومبدعيها، وأنّها تتقدم على غيرها من الدول بعقول علمائها ومفكريها ومخترعيها فهم الذين يملكون مفتاح التغيير إلى الأفضل، والأرقى فى سبيل نهضة الأمة دينياً ودنيوياً. إن علماء الاجتماع والتربية ليقع على عاتقهم فى هذه الفترة من عمر الوطن، مسئوليات جمة فى إصدار نشرات التوعية الوطنية، وتدريب قادة العمل المجتمعى على نشر فكر المواطنة وحب الوطن، ونبذ العنف وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

الأمر الذى يوازيه بل يسبقه دور علماء الدين فى المساجد والكنائس فى ربوع مصر، لتوعية المواطنين بأمور دينهم وتعريفهم أن هناك مؤسسات شرعية لابد وأن يستقوا منها صحيح دينهم.

أبنائى وأخوتى وأخواتى.. علينا أن نعيد ترميم أنفسنا بالإيمان والعمل وتهذيب عقولنا بالعلم والتفكر والاجتهاد فى تحصيل الدروس، واحترام معلمينا والحفاظ على جامعاتنا ومرافق بلادنا فهى ليست ملكاً للحكومة، إن مصر ملك لنا جميعاً فكل المرافق العامة هى ملكى وملكك ويجب علينا الحفاظ عليها، وهذا هو جوهر رسالتنا الربانية الخالدة التى يعمل على نشرها الأزهر الشريف.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الطعيمي سعد

بارك الله فيك ياليتهم يفهمون ماتقول ولكن لا حياة لمن تنادي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة