الصحافة هى المهنة التى تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبا ما تكون هذه ال
أخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أوالثقافية ولابد من الاعتراف بأن حرية الصحافة والإعلام فى الدول المتقدمة، وخاصة الغربية منها، ضرورة حياة.
أما فى الدول المتخلفة أو دول العالم الثالث فهى من الكماليات والترف الزائد عن الحد أو البذخ الذى يفسد بأكثر مما يصلح، فلو أدركنا أن حرية الصحافة تعنى التمتع بحرية التعبير والرأى بديمقراطية سليمة لوصلنا إلى نتيجة مؤداها أنه لا يمكن أن توجد حرية صحافة إلا فى بلد ديمقراطى حر، لأن الحرية الممنوحة للصحافة تختلف عن الحريات الممنوحة للأفراد، لأن لها مضمونا سياسيا مباشرا.
أما حرية الإعلام فهى تعنى حرية التعبير العامة للفكر فى جميع أشكاله: كالتعبير بواسطة الكلمة والخطاب والصراخ والغناء والكتابة أو المطبوعة أو الصحافة الدورية والمسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون والوسائط الإلكترونية. إذن فحرية الصحافة والإعلام يعبران معاً عن حاجة اجتماعية ملحة، وضرورة حياة. فى مقابلهما تجد المجتمع يعيش داخل دائرة من القمع والتسلط والبطش والعصف بحرية التعبير والحق فى الحصول على المعلومات.
والعاقل من يدرك طبيعة اختياراته، ولا شك أن المجتمع الرشيد هو من يحسن الاختيار. وعند النظر فى معالجة الدستور المصرى لقضية حرية الصحافة والإعلام سنجد أن دستور 1971 م والدستور الإخوانى قد تحدثا عن هذه القضية بعبارات إنشائية لا تغنى ولا تسمن من جوع. فدستور 1971م فى المادة (48) قد ذهب إلى أن حرية الصحافة والإعلام مكفولة، والرقابة عليها محظورة، وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور. ثم جعل هناك رقابة محددة استثناءًا فى حالات الطوارئ والأمور المتعلقة بالأمن القومى.
ثم جاء دستور الإخوان فى المادة (48) ومشى على نفس الخطا بإضافة بعض العبارات التى محلها موضوع تعبير فى ظاهرها وفى باطنها قيود صارمة تشل حرية التعبير تماماً، حيث يقول: "وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه - وهذا كلام يصلح لقاعات الدرس - فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع - أول قيد لأن هذه المبادئ من وجهة نظره هو- والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة - القيد الثانى لعدم وجود معيار ثابت لهذا الحفاظ - واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين - القيد السادس لعدم وجود حدود بين الاحترام من عدمه - ومقتضيات الأمن القومى" ثم عدل عن دستور 1971 م فيما يتعلق بالإنذار أو الوقف أو الإلغاء إلى الوقف أو الإغلاق أو المصادرة، "ومن بالطريق الإدارى محظور" إلى "إلا بحكم قضائى" على طريقة: "أين أذنيك يا جحا؟".
أما حرية إصدار الصحف وتملكها ومحطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى "مادة 49" فقد أتى ذكرها بحكم التطور التاريخى وانتقال المجتمع من مرحلة الملكية العامة فقط إلى مرحلة الملكية الخاصة كذلك.
وقد أغفل كلا الدستورين قضية الحبس أو العقوبات السالبة للحريات التى كانت تمثل سيفاً مسلطاً على رقاب الصحفيين والإعلاميين يجعل الواحد منهم يتحسس عنقه قبل أن يكتب أو يتكلم أو يعبر عن رأيه، فقد خلقت بداخل كل واحد منهم رقيباً ذاتياً فى حالة يقظة كاملة بخلاف بيقة الرقباء المتربصين بخارجه.
ومن هنا يصبح الكلام عن حرية التعبير عن الرأى والفكر وحرية الإبداع ضرب من العبث والعدمية. ومن هنا يحل التساؤل المشروع عما فعله دستور ثورة يونيه حيال هذه القضية الحيوية. وبالنظر فى هذا الدستور ستجد أنه لم يفعل شيئاً سوى أنه تخلص من الأسلوب الإنشائى وفك الإشتباك الذى كان قائماً بين السلطة من ناحية والصحافة والإعلام من ناحية أخرى، فقضى تماماً على الرقابة - ذاتياً أو خارجياً - فيما عدا رقابة محددة فى زمن الحرب والتعبئة العامة وفقط.
وحظر المصادرة أو الوقف أو الإغلاق، وحظر توقيع العقوبة السالبة للحرية فى قضايا النشر واكتفى بالتعويضات الجزائية والأصلية فى جرائم النشر (مادة 71). بل أكثر من ذلك بعد إطلاقه لحرية الصحافة والطباعة والنشر، وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام بمجرد الإخطار (مادة 70)، ألزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الأراء والاتجاهات السياسية (مادة 72). تلك هى الفروق بين دساتير الاستبداد ودستور الحياة.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشاعر صلاح يحيي
الدستور .... وكفا انتظار الشاعر صلاح يحيي