◄الأزهر لعب دوراً كبيرًا فى تحقيق التوافق داخل "الخمسين" والتعديلات حفظت له استقلاله الكامل
◄نرفض العنف وخطاب التخوين وأهلاً بالحوار والمناقشة الموضوعية مع كل الأطياف إذا لم يتعلق الموضوع بالدم أو بكسر القانون
◄الإسلام لا يعرف الدولة الدينية بمفهومها الغربى الثيوقراطى ونرفض أى تدخل أجنبى فى شئوننا
شارك مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام فى وضع دستور البلاد الجديد عبر لجنة الخمسين، وهو يرى أن الدستور يعبر عن كافة أطياف الشعب المصرى، وأكد على محورية "الشريعة"، وأنه دستور يدافع عن الهوية الإسلامية ويحفظ للأزهر استقلاليته، على عكس ادعاء البعض بأن التعديلات تقصى الشريعة.
الدكتور "علام" شدد كذلك فى حوار لـ "اليوم السابع" على ضرورة وضع الآليات الفعالة والضوابط العلمية لمواجهة من يتصدرون للفتوى من غير المتخصصين، والذين تثير فتاواهم البلبلة فى الأغلب الأعم فى المجتمع الإسلامى.. وإلى نص الحوار:
◄شاركتم فضيلتكم فى وضع الدستور الجديد.. هل ترى أنه يحقق طموحات ومطالب جميع الأطياف السياسية؟
ما يميز دستور 2013 أو التعديلات التى أجريت عليه أنه يعبر عن كافة أطياف الشعب المصرى، كما أنه أعطى حقوقًا كثيرة للطوائف التى كانت مهمشة فى البلاد، وإقرار الدستور فى الاستفتاء سوف يحقق الاستقرار للبلاد، وفى الحقيقة فإن الدستور بحالته الحالية أو ما انتهينا إليه بذل فيه جهد كبير من أجل أن يخرج بهذه الصورة المشرفة، والتى ستكون مرضية إن شاء الله للشعب المصرى، فالقائمون على الدستور حرصوا على تجنب أى خلافات فيما بينهم للوصول إلى حالة توافقية مرضية للجميع، والحمد لله تعالى حسمت كل المواد الخلافية، وخرجت فى صورتها النهائية لتناسب تطلعات الشعب بعد ثورته العظيمة، وقد كان للأزهر الشريف دور كبير فى إحداث حالة من التوافق بين الجميع انطلاقًا من دوره الوطنى الكبير.
◄البعض يرى أن التعديلات الدستورية انتقصت من مكانة الشريعة ونالت من استقلالية الأزهر.. ما رأى فضيلتكم فى هذا الكلام؟
بالعكس.. التعديلات الدستورية الأخيرة أكدت محورية الشريعة فى الدستور، وذلك من خلال اعتبار مبادئها المصدر الرئيسى للتشريع، وهذا يقطع الجدل حول إقصاء الشريعة من الدستور، كما يؤكد الحالة المصرية المتفردة، لأن التجربة المصرية مع الإسلام الحضارى تعتبر واحدة من أعظم التجارب التى أظهرت التسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، فضلا عن ذلك فالدستور حفظ للأزهر الاستقلالية الكاملة فى جميع شئونه بما يتيح له القيام بواجباته على أكمل وجه.
◄وكيف تعامل ممثلو الأزهر مع ما أثير من خلافات، وما رأيكم فيما أثير من جدل حول "مدنية الدولة"؟
اللجنة الممثلة للأزهر الشريف حرصت منذ بداية عملها على أن تتعامل على أنها ممثلة للشعب المصرى بكل فئاته وأطيافه، كما حرصت على تجنُّب كل ما من شأنه أن يُحدث انقسامًا بالمجتمع، والحفاظ على الثوابت الإسلامية المستقرَّة فى ضمير الشعب المصرى، وأن يُطمئِنوا شركاء الوطن المسيحيين، أما بخصوص مدنية الدولة فإن رفض ممثلى الأزهر كتابة مصطلح "مدنية" كوصفٍ للدولة فى مقدمة الدستور يرجعُ إلى ما تُثيره هذه الكلمة من التباس فى الفهم لدى الكثير؛ فالبعض يفسر كلمة "مدنية" على أنها "علمانية"، والإسلام لا يعرف الدولة الدينية بمفهومها الغربى الثيوقراطى، وأما وصف المدنية فإنه يليق بالحكومة أو الحاكم، ولا يصح مع الدولة، وعليه تم التوافق على ذلك بالديباجة.
◄فضيلة المفتى.. شهد العامان الماضيان سيولة فى الفتاوى من غير أهل الاختصاص.. كيف تتعاملون مع هذه الفوضى؟
فى رأيى أنه يجب وضع الآليات الفعالة والضوابط العلمية لمواجهة من يتصدرون للفتوى من غير المتخصصين، والذين عادة ما تثير فتاواهم البلبلة فى المجتمع الإسلامى، والسبيل للخروج من هذه الحالة هو الرجوع إلى الشروط التى حددها الشرع فيمن يتصدون للفتوى، والتى من أهمها: العلم الشرعى وهو ما يعبر عنه فى واقعنا المعاصر بـ "التخصص"، فالتخصص يعنى أن يكون من يتعرض للإفتاء دارس للفقه والأصول وقواعد الفقه دراسة مستفيضة، مع مشاركته فى باقى علوم الشريعة وقدرته على استخلاص المعلومة منها، فضلا عن معرفته بالواقع المعاش من حوله، ونحن سنعمل فى المرحلة المقبلة على أن يكون الهم الأكبر لدار الإفتاء هو القيام بوظيفة بيان الأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من تلك الفتاوى المثيرة للبلبلة، والقضاء على هذه الفوضى عبر الإسهام الفاعل فى بث مزيد من الوعى العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما يسميه علماؤنا بـ"ثقافة الاستفتاء"؛ لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع فى هذه الإشكاليات، إلى جانب العمل الدءوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التى تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا، وعلى روح الإسلام الوسطى الذى اتخذه الأزهر منهاجًا له.
◄كيف ترى أعمال العنف التى تتعرض لها البلاد؟
العنف مرفوض فى كل الأديان، ونحن نطالب الجميع بوقف العنف من أجل مصر، والبدء فى العمل والبناء ونبذ الخلاف، فلا نريد خطاب التخوين بسبب الاختلاف فى وجهات النظر، لكن أهلاً بالحوار والمناقشة الموضوعية مع كل الأطياف إذا لم يتعلق الموضوع بالدم أو بكسر القانون، فالنبى صلى الله عليه وسلم حذرنا من الفتنة التى وصفها الله تعالى بأنها أشد من القتل نفسه، وعلينا العمل كيد واحدة، لأننا جميعًا فى سفينة واحدة ويجب علينا أن نضرب على يد من أراد هلاك الأمة.
◄وما رأيكم فى محاولات البعض إقحام المساجد فى الصراع السياسى؟
مصر بلد متدين، والمصريون اختاروا أن يكون الدين له دور فى الشأن العام من قديم الزمان، وذلك لارتباط تراث مصر الدينى تاريخيًّا بالمنظور الإسلامى المبنى على التسامح واحترام التعددية الدينية، وإسلامية الدولة هى قضية هوية، ولا تقلل أبدًا من طبيعة الدولة الحديثة التى تكفل حقوق مواطنيها أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو عقيدتهم، وعليه فحقوق الأقباط فى مصر محفوظة ومصانة، ويجب أن تظل كذلك، ولهم الحق الكامل فى المشاركة على جميع مستوياتها، وينبغى على الجميع احترام التنوع والتعددية التى أصبحت من خصائص مصر فى عهدها الجديد، كما أن مصر دولة محورية فى المنطقة وفى العالم أجمع، وذلك لما تمثله من قيمة حضارية إنسانية كبرى، وهى الآن تمر بمرحلة فارقة من تاريخها الوطنى، وتحتاج من الجميع التوحد ومراجعة أنفسنا حتى تكون انطلاقتنا على أسس صحيحة وسليمة، حتى نعبر تحديات المرحلة بالأمل والعمل وعدم الإقصاء وتفعيل القانون على الجميع، فمصر لها تجربة فريدة استطاعت من خلالها الوصول إلى نموذج عملى للدولة الحديثة التى لها مرجعية إسلامية، ومن هنا أدعو العالم الغربى إلى دراسة هذه التجربة الفريدة، وذلك للوصول إلى فهم عميق للبنية الثقافية والدينية والحضارية للشعب المصرى التى لا تقبل التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
◄إلى أى مدى تستطيع المؤسسة الدينية فتح حوارات حول مفاهيم الإسلام الأساسية، والتى يثار حولها الكثير من البلبلة خصوصًا فى الغرب؟
نحن فى حاجة ملحة إلى أن ندفع بالاهتمام بموضوع تصحيح صورة الإسلام وتعزيز العلاقات مع الغرب بين شرائح ومكونات المجتمع الغربى، خاصة الشباب، ونستفيد من الجاليات الإسلامية والدارسين فى الغرب الذين يمكن أن يلعبوا دوراً إيجابيًّا فى دعم تحسين صورة الإسلام فى الغرب، ويمكننا أن نخلق دوراً مستقبليًّا فى دعم هذا التوجه من قبل الجامعات فى أوروبا وأمريكا، وكانت دار الإفتاء نظمت حملة للتعريف بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، ولتصحيح الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام فى الغرب، ونحن ندعو الغرب إلى استقاء المعلومات عن الإسلام من أهل العلم الراسخين وهم علماء الأزهر الشريف، فالأزهر ودار الإفتاء مهمتهما التواصل مع العالم وبناء جسور التواصل والتفاهم المشترك دون أن يعنى ذلك أن يعتنق غير المسلمين الإسلام؛ لأن الله قال فى كتابه الكريم: {وَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".
◄وسط ما يتعرض له المجتمع من أحداث ما الذى تراه واجبًا على رجل الدين القيام به فى هذه المرحلة؟
فى هذه المرحلة وفى غيرها يقع على رجال الدين عبء كبير لا بد أن يجتهدوا من أجله، والمرحلة الحالية حرجة بالفعل، وعليهم أن يسعوا جاهدين فى تحقيق وحدة الصف الإسلامى التى تعتبر فرضًا من فروض الدين، وأساسًا من أساساته، خاصة فى هذه الظروف التى تمر بها الأمة حاليًا؛ حيث يتربص أعداؤها بها ويحاولون فرض روح الشحناء والتفرقة والنعرات الطائفية بين أبناء الدين الواحد، وأرى أن العلماء والمفكرين مطالبون بالحض على تعاليم الإسلام السمح وإتباع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة فى الدعوة إلى الله، وكيفية العيش مع الآخر وتقبله واحترام عقائده، والبعد بالخطاب الدينى عن اللغة التى تبغض الناس فى الدين، وتحدث فرقة وتناحرا بين أبناء الوطن الواحد.
◄برأيكم كيف يمكن مواجهة حالة العداء ضد الإسلام من قبل البعض فى الخارج؟
ديننا الحنيف يرفض إقامة الحواجز بين المسلمين وغيرهم؛ وإنما يدعو أتباعه إلى الاقتراب من الآخر بقلوب مفتوحة وبقصد توضيح الحقائق وإزالة اللبس والفهم الخاطئ، وهذا التعاون مع الآخر يأتى من خلال فتح قنوات اتصال بين الجميع، لأن فقدان التواصل يعنى غياب الحوار أو انعدامه، وهذا يأخذنا إلى محور آخر حث عليه الإسلام، وهو إشاعة ثقافة الحوار وأدب الاختلاف، والبحث عن نقاط الاتفاق أو ما يسمى المشترك بيننا وبين الآخرين، وتجنب مواطن الخلاف ومحاولة التغلب عليها، فالعالم أحوج ما يكون إلى منتديات تعين على حوارٍ حقيقى يراعى التعددية الدينية والتنوع الثقافى والتقارب لا التنافر والتنابذ والتشاحن.
◄وكيف ترون دور الإعلام فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر؟
الإعلام عليه مهمة وطنية يجب أن يقوم بها ألا وهى التقريب وليس التفريق، ونريد منه العمل بمهنية شديدة، كما أطالب بميثاق شرف إعلامى يبتعد فيه الإعلاميون والنخبة والسياسيون عن تبادل الاتهامات وترويج الشائعات وإثارة روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، والبعد عن إثارة القلاقل والفتن والبحث عن القضايا الجادة التى تصب فى صالح الوطن.
مفتى الجمهورية لـ"اليوم السابع": الدستور المعد يحافظ على الشريعة والتصويت لصالحه يحقق الاستقرار.. ونستعد لمواجهة فوضى الفتاوى الشاذة ومعالجة آثارها.. وإطلاق حملة لبيان الأحكام الشرعية بطريقة منضبطة
الجمعة، 20 ديسمبر 2013 03:15 ص
مفتى الجمهورية متحدثا لـ "اليوم السابع"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة