هناك عدد غير قليل من الأمراض الاجتماعية المتفشية فى مجتمعنا تقريبًا منذ زمن طويل تشترك كلها فى أصل واحد هو التعلق المرضى بالأسرة الصغيرة على المستوى العائلى فقط، وعدم اعتبار الوطن ككل أسرة واحدة كبيرة لها ما للأسرة الصغيرة من حقوق يجب تأديتها بإخلاص وأمانة وتجرد.
إن هذا الولاء الشديد للأسرة الضارب بجذوره إلى ما قبل التاريخ المكتوب يأتى على حساب الولاء للمجتمع، فالمحسوبية التى تقضى بمحاباة الأقارب والمعارف ومن لهم مصالح مشتركة وتذليل الصعوبات أمامهم فى قضاء المصالح أو التوظيف فى مؤسسات الدولة هى أحد هذه الأمراض، ثم يأتى بعد ذلك التهرب الضريبى النابع من حرص رب الأسرة على تفضيل مصلحة أسرته الصغيرة، وأولاده على أسرته الكبيرة التى هى المجتمع بأسره، ثم الأنانية والفردية، والنفور من العمل الجماعى بروح الفريق، كل هذا أيضًا نابع من التعلق المرضى بالأسرة الصغيرة، والتعصب لها على حساب المجتمع ككل!!
فهل الإنسان المصرى يعنيه ويهمه ويشغله صلاح المؤسسة التى يعمل بها، خاصة إذا كانت حكومية مثلما يعنيه صلاح أسرته وسعادتها وراحتها؟!.. إن الإفراط فى حب الأسرة والتعلق الغريزى بها والذى لا يستند فى كثير من الأحوال إلى العقل.. بل إلى مظهر الدين لا جوهره، له تأثير كبير فى تعلق الفرد بالمجتمع ككل، وفى علاقته بالنظام السياسي، وبالحكومة القائمة على شئون هذا المجتمع.. فالمثل الشعبى يقول: أنا وأخى على ابن عمي.. وأنا وابن عمى على الغريب!!.. وهو مثل ظاهره الحب والترابط المتدرج بين من تربطهم صلات الدم وغيرهم من الغرباء.. ولكن باطنه.. وجوهره الحقيقى يثبت للمتأمل الفاحص أنه من أهم أسباب التعلق المرضى بالأسرة الصغيرة.. فالصياغة الصحيحة يجب أن تكون هكذا.. أنا فى جانب الحق والعدل وكل ما يرضى الله سواء كان ذلك مع الغريب أو ابن العم أو ضد أقرب الناس وهو الأخ.. أو المصلحة الشخصية، لأن القيم النبيلة هى التى يجب أن تكون لها الأولوية فى الممارسات اليومية بين الناس!! وللأستاذ العقاد رأى يقول إن المصرى اجتماعى من ناحية الأسرة وعراقة المعيشة الحضرية، ومن ناحية انتظام العادات والعلاقات منذ أجيال عديدة على نظام الأسر والبيوت، وهذا أقوى ما يربطه بالمجتمع أو بالأمة والحياة القومية، وهو ارتباط أقوى فى نفسه جدًا من ارتباط النظام السياسى والمراسم الحكومية، فلم تكن الحكومة فى تلك الأزمان الطويلة لتمتزج بنفسه قط امتزاج الألفة والطواعية والمعاملة المشكورة، بل ربما كان صدوده عن الحكومة ما ضاعف اعتماده على الأسرة وحصر عواطفه الإنسانية فى علاقاته البيتية، فعلاقته بالحكومة على الأغلب علاقة مهادنة محتملة لم تبلغ أن تكون علاقة ود يحرص عليه إلا فى الندرة التى لا يقاس عليها!!
وإذا كنا بذلك قد عرفنا المرض وأدركنا أسبابه فمن السهل إذن الوصول إلى العلاج الناجع الذى يتمثل فى أهمية غرس القيم النبيلة وتحقيق العدل وإشاعة الحب حتى لو تعارض ذلك مع المصلحة الشخصية المقيدة بحب الذات الضيق المحصور فى الأنانية البغيضة، لتحل محلها الـ "نحنية" إن صح التعبير وهى تغليب المصلحة العامة للمجموع على المصلحة الفردية، وبالتالى تغليب مصلحة الأمة "مجموع أسرات المجتمع" على الأسرة الصغيرة.
علم مصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى
شارع السوق القديم
الوقايه خير من العلاج