فى صباح يوم جديد استيقظ محمود من نومه مستفتحًا يومه بذكر الله مستعدًا لاستقبال يوم دراسى جديد.
محمود ولد زكى سابق لسنه واثق الخطوات محب للعلم والتعلم لديه فضول من نوع راقٍ دائم البحث عن الحقائق ودائم النظر بحكمه فى بواطن الأمور.
بدأ محمود أول حصص يومه الدراسى بمادة الأحياء وبدأت المعلمة فى شرح الدرس على هيكل عظمى لجسد إنسان رسمته على السبورة موضحةً كل جزء بالجسد البشرى وكان محمود منصتًا لها بتمعُن واهتمام.
وعندما انتهت المعلمة من الشرح توجهت للتلاميذ بالسؤال هل فهمتم الدرس هل من أسئلة؟
أشار محمود بيده يطلب الإذن بالتحدث فأذنت له المعلمة وقام قائلا: نعم معلمتى فهمنا الدرس جُزيتى خيرًا ولكن أظنُ أن هناك شيئًا مهمًا لم تذكريه تمنيت لو أن تحدثتى عنه وتمنيت لو أن كتبت عنه كُتب الوزارة أو على الأقل ألقت عليه الضوء حتى نتفهم مدى أهميته للبشر والبشرية.
قالت المعلمة وهى متبسمة وبدا على وجهها علامات من التعجب والتشوق لما سيتحدث به محمود.
قالت: وما هو ما نسيته يا محمود؟
قال محمود: الضمير..
قالت المعلمة: الضمير؟! وهل نحن فى حصة لغة عربية؟!!
قال محمود: نعم معلمتى الضمير لم أقصد ضمير اللغة العربية ولكنى أقصد الضمير البشرى ولو أنه يتشابه مع ضمير اللغة العربية من حيث النوع فالضمير البشرى أصبح ضميرًا غائبًا!! الضمير الذى إذا وُجد بداخل شخص صلُح حالة وإذا غاب فسدت كل أحواله".
قالت المعلمة: صدقت بُنى ولكن الضمير ليس عضوًا ملموسًا بجسد الإنسان إنما هو صفه وميزه وهبةٌ أعطاها الله لمن اصطفاهم من عباده فى هذه الحياة.
قال محمود: نعم معلمتى أعلم ذلك ولكن الروح أيضًا هى من عند الله وليست عضوًا كباقى أعضاء الجسد ولكن بدونها لا حياة لكل الأعضاء، فلو أنكم كمعلمين ألقيتم الضوء على أهميتهُ فى تغير مسار الإنسان وصلاحه أو فساده وبناء عليه فساد أو صلاح الأمة لشَب الصغار فى كل مكان وهم يعلمون أن الضمير هو شىء خفى فى كل إنسان مثل الروح خفية ولكنه هو عامود من أعمدة بناء كل جسد وفكر صالح ومُصلح، وبه يغلب الخير الشر، وبدونه يؤخر التمكين.
واستمر محمود فى حديثه يلقى كلماته كخطيب على منبر مرتلاً بكلماته على آذان معلمته وتلاميذ فصله كلمات من ذهب.
ثم التفت محمود إلى أصحابه قائلاً: الضمير خلقه الله فى جميع البشر قال تعالى "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد" ولكن منا من عاش بضميره حياه الكرام، ومنا من مات وهو حى عندما مات ضميره، فلولا موت الضمير ما تصارع الحكام على السلطة ولو على دماء شعوبهم، ولولا موت الضمير ما ظل القدس أسيرًا إلى يومنا هذا وظل الشعب الفلسطينى هو وحده من يقاوم، فلولا موت الضمير ما ماتت أبناء الصومال وسوريا وغيرهم بردًا وجوعًا، لولا موت الضمير ما مات مريضًا لا يملك ثمن الدواء وهناك آخر يتمتع بلذات الحياة، لولا غياب الضمير ما انقلبت القطارات، ومات المرضى من الإهمال فى المستشفيات، وباع بعض الآباء أبناءهم، فلولا موت الضمير ما رأينا أفواها تكمم وأصوات تُخرس لأنها نادت بالحرية وأرادت حقها فى الحياة.. الخ.
فأين الضمير؟! وأين مُعلموه؟! من المسئول عن غيابه وموته فى كثير من البشر؟! هل هى وزارة التربية والتعليم؟! أم هى الشهوات والرغبات والحب للذات؟! أم الطموح الجامح لكسب كل ما فى هذه الحياة من ثروات وسلطات أم سوء تربية من الآباء والأمهات؟! أم سوء تطبيق لسُنة النبى والآيات؟!
معلمتي: رجاءً منكى ومن هنا نبدأ فى الإصلاح علمى تلاميذك أن للضمير مكان فى الجسد وإن كان لم يكن عضوًا ملموسًا فينا كباقى الأعضاء فالضمير مقره القلب وقائده العقل والفكر.. شكرًا معلمتى.
وانتهى محمود من حديثه وانطلقت المعلمة والتلاميذ بالتصفيق وكلمات التحية لمحمود فى انبهار وفخر بقوه كلماته وفكره رغم صغر سنه وشكرته المعلمة وعاهدته على أن تتحدث وتعلم تلاميذها عن أهمية وجود الضمير البشرى فى حياتنا وكيف نحافظ عليه حتى لا نجعل من موته فينا قاتل لنا.
مروة هاشم الكفراوى تكتب: من المسئول عن غياب الضمير؟
الأربعاء، 18 ديسمبر 2013 04:36 ص