أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن العلاقة بين الأنا والآخر فى الحضارة الإسلامية قامت على أساس أخوة الجنس البشرى كله، على أساس حق الآخر فى الوجود والاختلاف، وأن المسلمين لم ينبذوا التراث الثقافى للمناطق التى فتحوها، وإنما أقبلوا على ترجمة آثار التراث، مستعينين فى الترجمة ببعض العلماء المسيحيين، طبقا لما جاء فى كتاب المؤرخ والمفكر الكبير قاسم عبده قاسم، أستاذ التاريخ، والحاصل على جائزة الدولة للتفوق والتقديرية فى العلوم الاجتماعية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وعنوانه "المسلمون وأوروبا التطور التاريخى لصورة الآخر"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وأضاف "ريحان"، أن انتقال عاصمة المسلمين من المدينة المنورة إلى دمشق ساهم فى التلاحم بالتراث الهيللينستى، الذى يجمع بين الثقافة الإغريقية القديمة وثقافات مصر وبلاد الشام والعراق وكانت البقعة التى فتحها المسلمون منذ الربع الثانى من القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)، تزخر بالتراث الفلسفى بفضل المترجمين السريان المسيحيين على وجه الخصوص وكانت مدرسة الإسكندرية حتى أوائل القرن السابع الميلادى تزدهر بعلوم الأوائل، ولا سيما الطب وفى شرق العالم الإسلامى ازدهرت العلوم اليونانية فى البلدان التى كان أهلها يتكلمون السريانية والفارسية، مثل الرها ونصيبين والمدائن وغيرها وكانت هذه المؤسسات العلمية والفكرية قبل ظهور الإسلام هى الأساس التى قامت عليها حركة الترجمة إلى العربية، فيما بعد وكان من أبرز رجالها عدد من العلماء والمفكرين المسيحيين وكان هذا الأساس الذى قامت عليه البنية المعرفية للمسلمين بالمسيحية، وكان المسيحيون المحليون من السريان وغيرهم حلقة الوصل بين المسلمين والتراث اليونانى القديم.
ويتابع خبير الآثار، أن الخليفة المأمون أنشأ مؤسسة خاصة عرفت باسم "بيت الحكمة"، لترجمة علوم الأوائل من اليونانية والسريانية إلى العربية ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية، توفى 85هـ، 704م، الرائد الأول فى نقل العلوم إلى اللغة العربية، مما وفر أداة معرفية قوية لم تكن متاحة فى أوروبا المسيحية على الجانب الآخر، ولعب بيت الحكمة دوراً هاماً فى معرفة المسلمين بالآخر المسيحى، وكانت عملية الترجمة عملاً منظماً ترعاه الدولة، فقد أرسل الخليفة المأمون بعثة إلى الدولة البيزنطية بحثاً عن المخطوطات اليونانية، وكان من أعضائها الحجاج بن مطر ويوحنا بن البطريق، كما أرسل حنين بن إسحاق للحصول على المخطوطات من بلاد الروم، وكان تراث شعوب المنطقة العربية قبل الإسلام تراثاً إنسانياً وجد فيه المسلمون ما يفيدهم فى بناء حضارتهم، ولم يوجد أى تعصب فى التراث الإسلامى ولم يكن هناك صدام بين الحضارة البيزنطية المسيحية والحضارة الإسلامية، وكان التعايش السلمى هو السمة المشتركة بين الطرفين.
وأكد "ريحان"، أن مصر نموذج مشرف لتسامح الأديان اعتمد على التناغم والانسجام والتوافق بين السكان فرضته ظروف جغرافية وطبيعية، من عصر مصر القديمة من اعتماد المصريين على نهر النيل الذى فرض الصيغة المثلى للحياة على أساس التعاون، لذلك ارتبطوا برباط اجتماعى ثقافى لا يتكرر فى أى بقعة على وجه الأرض، وبهذا كان قبول الآخر أول درس تعلمه المصريون عبر تاريخهم وبعد الفتح الإسلامى لمصر، تجلى هذا التسامح بصورة واضحة وبشكل مطرد ولما عرف بنيامين بطريرك الأقباط آنذاك، بقدوم المسلمين استبشر بزوال الحكم البيزنطى ونهاية الاضطهاد المذهبى ضدهم، وطلب من الأقباط أن يساعدوا المسلمين، وبالفعل أسهم الأقباط فى بناء الجسور والطرق، وإقامة الأسواق لجيش الفتح الإسلامى بل أن بعضهم قاتل فى صفوف المسلمين ضد البيزنطيين، وحظى المسيحيون واليهود فى مصر بضمان حرية العقيدة والعمل وكسب العيش وتأمين الأرواح، واتسمت علاقاتهم بالمسلمين نتيجة ذلك بالود والمحبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة