السيادة ببساطة تعنى أن الدولة لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها بما فيه وما فوقه وما تحته، ولا تعرف فيما تنظم سلطة أخرى تدانيها سواء داخل الدولة أو خارجها، وقد نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على أن: "السيادة للأمة وغير قابلة للانقسام ولا يمكن التنازل عنها"، ومن هنا جاءت فكرة أن السيادة للشعب، وأنه مصدر السلطات وقد قرر ميثاق الأمم المتحدة مبدأ المساواة فى السيادة بين الدول بأن تكون كل دولة متساوية من حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى الأعضاء فى الأمم المتحدة بغض النظر عن أصلها ومساحتها وشكل حكومتها.
ونجد أيضا أن التطورات فى النظام الدولى قد فرضت بعض الضوابط والقيود والشروط على ممارسة الدولة لسيادتها بما قلص من مفهوم السيادة وحد من السلطات والصلاحيات السيادية للدول، فهناك معاهدات واتفاقيات وتحالفات وقرارات دولية حتمت تكييف مبدأ السيادة بما يتوافق معها ولا يضر بمصالح الدول، ونظراً لخطورة الأعمال المتعلقة بالمساس بحقوق السيادة فإنه يلزم فيها الرجوع إلى الشعب مصدر السلطات ليقررها بنفسه، باعتباره صاحب الحق فى الرقابة السياسية والقضائية على تصرفات السلطة التنفيذية. وقد منح دستور 1971 م فى مادته رقم (151) سلطة إبرام المعاهدات وإبلاغها لمجلس الشعب مشفوعة ببيان، فيما عدا: معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، أو التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة فى الموازنة فقد اشترط موافقة مجلس الشعب عليها.
وكل التطور الذى أحدثه دستور 2012 المعطل فى المادة رقم (145) أنه قد اشترط موافقة مجلسى النواب والشورى على الحالة الأولى، واشترط موافقة ثلثى المجلسين فى الحالة الثانية المتعلقة بحقوق السيادة ومنها تعديل الحدود المصرية مع إضافة عبارة :" ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور" وهى لا معنى لها لعدم وجود نصى دستورى فى هذا الشأن، وقد تبدت خطورة هذا النص مع نظام الحكم الإخوانى باعتباره نظام أممى لا يعترف بالوطن الجغرافى وإنما وطن العقيدة الذى لا يعرف الحدود الجغرافية للأوطان ولا يعترف بها، ومن ثم لا يوجد الرادع الوطنى الذى كان مستقراً فى وجدان وضمير سابقيه من رؤساء مصر الذى كان يحول بينهم وبين التصرف فى تعديل الحدود دون الرجوع للشعب.
ومن هنا أثيرت قضية التنازل عن حلايب وشلاتين لصالح السودان، وكذا ـ التنازل عن 40% من مساحة سيناء لصالح مشروع غزة الكبرى. وقد تصرف الإخوان تصرف من على رأسه بطحة حين نص دستورهم فى مادته الأولى على: " دولة مستقلة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة " وكأنهم كانوا على علم بمخطط تفتيت مصر.
وقد جاء دستور 2013 ليعالج هذه التشوهات الفجة فنص فى المادة 151 على موافقة مجلس النواب فى الحالة الأولى، ودعوة الناخبين للاستفتاء فى الحالة الثانية وهى حالة معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، واشترط ألا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة وختم نص المادة بقوله: " فى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة "، وقد جعل الدفاع عن الوطن وحماية أرضه شرف وواجب مقدس (مادة 86 )، كما جعل مصر دولة ذات سيادة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها (مادة 1 ). وهذه الأحكام لا يجوز مخالفتها، بخلاف عدم جواز التنازل عن جزء من إقليم الدولة. وهو إجراء فيه تجفيف لمنابع التفكير فى المساس بأحكام الدستور أو مساس بحقوق السيادة. ومن هنا يعد دستور 2013 هو أول دستور مصرى يعيد الحق إلى أصحابه، إلى الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة.
حسن زايد يكتب: مفهوم السيادة الوطنية فى الدستور المصرى
الأربعاء، 18 ديسمبر 2013 04:07 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
اخر اعمالى العالمية وحشتوني