عماد كمال يكتب: لهذا تحول الناس عن الإخوان

السبت، 14 ديسمبر 2013 06:07 م
عماد كمال يكتب: لهذا تحول الناس عن الإخوان صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سبب اشتعال المعارضة ضد الإخوان بمجرد وصولهم للحكم يرجع فى اعتقادى لأسباب منطقية تماما، أولها أن المشروع الإخوانى حسبما هو معروف من أدبياته ومن تاريخه له أهداف شمولية تتجاوز الأهداف النمطية لأى حزب من الأحزاب، فهى لا تقف عند تحسين أداء الجهاز الإدارى للدولة وحل مشكلات الجماهير كغيرها بل تمتد لتشمل (أسلمة) المجتمع بكامله فى اقتصاده وسياساته وعاداته وسلوكياته وفنونه وآدابه.. ثم ينطلق بعدها نحو المحيط الخارجى سعيا نحو أستاذية العالم.

هذا الإطار الكبير من الأهداف غير واضحة المعالم ولا والوسائل ولا المخاطر، جعل الكثير يتخوف من أن يستثمر الإخوان سلطة الحكم وموارد البلاد لخدمة مشروع شمولى غير متفق عليه مع الجماهير، ويمكن أن يهدد مصالح واستقرار الجميع، ففارق كبير بين نظام سياسى محدد المهام، يحصر دوره فى إدارة المصالح المشتركة للمواطنين فى حدود فترته الزمنية فى الحكم، وبين نظام يؤكد أنه يسعى لتغيير المجتمع جذريا.

نظريتهم تلك المتعلقة بالتغيير الشامل ظلت ماثلة فى خلفية المشهد كمصدر كبير للقلق والتوجس لدى الكثيرين. وبالقدر الذى جعل هناك ما يشبه الاستنفار العام تحسبا لقيام الإخوان بالخطوة الأولى فى اتجاه عملية الأسلمة الشاملة، وبما يمكن أن تجره من أخطار، لذلك بدا للبعض أن أى قرار أو سلوك سياسى للإخوان أثناء حكمهم هو جزء ومقدمه لهذه العملية، فكان هناك ما يشبه حالة من المعارضة الدائمة والتوجس المستمر الذى استحال معه على القيادة السياسية الإخوانية أن تقدم نفسها كمجرد نظام حكم يتعامل مع مشكلات الجماهير المباشرة.

والمسئول عن هذا الخلل هو الإخوان أنفسهم، فهم لم يدركوا أن أنصارهم فى المجتمع لم يتجمعوا حول المشروع السياسى للإخوان، بل تجمعوا حول مشروع دعوى وأخلاقى، وكان الأولى أن يستثمر الإخوان حالة الانفتاح السياسى التى خلقتها الثورة المصرية فيعملوا لعدة أعوام على إعداد مشروع سياسى واضح المعالم يقومون بدعوة الناس إليه ثم يعدون له كوادر جيدة ثم ينافسون به تدريجيا، ورغم أن هذا ما أعلنوه فى بداية الثورة إلا أن إغراءات الفراغ السياسى الهائل على الساحة المصرية وقتئذ قد جعلهم يتعجلون.

السبب الثاني: هو هشاشة الخطاب السياسى الإخوانى.. ما من متابع للمشهد السياسى المصرى منذ تصدره الإخوان إلا واستشاط غضبا من أسلوب الخطاب الإخوانى خلال أغلب الأزمات، وهو خطاب يبدوا جليا عجزه عن فهم وجهة النظر الأخرى مقابل إدراك أحادى قاصر على وجهة النظر الإخوانية. مما يجعل المستمع يشعر بأنه دائما أمام حامل فكرة وليس أمام مفكر وأمام مبعوث سياسى لا رجل سياسة، المتحدث دائما شخص متحمس تماما ولكن عاجز عن نقل فكرته للآخرين، ونمطية الخطاب الإخوانى وقصوره الشديد لا يرجع لأخطاء المتحدثين بقدر ما يعكس طبيعة التربية الفكرية لفرد الإخوان والتى تتسم بخصائص محددة هى:

الأول: أن الفكر فى الإخوان مركزى.. وسواء تم بالشورى أو بغيرها فما يهمنا هو أن ما يصدر عنه من قرارات ينتقل للمستوى الأدنى بنظام التعليمات الواجبة الأتباع. وهذا الشكل فى تلقى القرارات كاف ومرضى تماما لجموع الإخوان نتيجة للتسليم المطلق من فرد التنظيم بحق القيادة الإخوانية فى التوجيه وفى اتخاذ القرار لكونها الأعلم بالتفاصيل الخفية والأحرص على مصالح الجماعة ومصالح الأفراد. من هنا فأن القناعة بالفكرة مصدرها دائما (الإيمان) لا الحوار. وهو ما يجعل فرد الإخوان غالبا مقتنع بصلاحية الفكرة لا بمضمونها. فيصبح متحمس لها ولكن غير قادر على تبريرها لطرف غير إخوانى لماذا؟ لأنه لم يشارك فى صنعها ولم يعى الجدلية التى تمت بها.

الثانى: هو نمطية العمل الإخوانى وتكراريته. فالداخل الإخوانى وخلال عشرات السنين لا يكاد يتجاوز فى موضوعاته المطروحة على الأفراد نطاق العمل الدعوى التقليدى، والذى يكاد لا يتغير ولا يتبدل بأقسامه ولجانه ومراحله وهياكله الإدارية ومناهجه الفكرية. وهو من النمطية والبساطة بحيث لا توجد موضوعات تحتمل الاختلاف أو النقاش حولها وبالقدر الذى يطور ملكات الأفراد وقدرتهم على إدارة حوار متعدد الأقطاب ومتنوع المصادر.

السبب الثالث يتعلق بالمحيط الدولى.. فعلى مستوى المحيط العربى، خاصة الدول الخليجية الغنية، فإن تلك النظم الحاكمة كانت تشعر ومنذ انطلاق الثورة المصرية بقدر كبير من القلق خشية تأثر شعوبهم بالوهج الثورى المصرى. وهو التأثر سيزداد حتما حين يتعلق الأمر بنجاح مشروع ثورى (إسلامى) وليس مجرد مشروع إصلاح اقتصادى، كما أن التقارب الذى تم ما بين حكومة الرئيس مرسى والسلطة الإيرانية قد أفزع حكام الخليج لما يمكن أن يمثله من دعم سياسى يكسر العزلة الدولية على إيران ويصبح مقدمة لجر دول عربية أخرى نحو التصالح مع الحكومة الإيرانية التى تعد التهديد الأكبر لدول الخليج سواء عسكريا أو من خلال دعمها لنفوذ المواطنين الشيعة فى الخليج المطالبين بالمزيد من الحقوق السياسية ومن المشاركة فى إدارة شئون البلاد، وما تجربة البحرين ببعيد.

أما المحيط الدولى غير الخليجى، فقد أربكته الثورة المصرية وأفزعه تصدر الإسلاميين للمشهد السياسى. والذى جاء فى الوقت الذى كادت مساعيه الطويلة لإنهاء أى تهديد حقيقى لحليفته إسرائيل يصل إلى ذروة نجاحه. فظهر لهم بعبع جديد متمثل فى وصول تيار للحكم معروف براديكاليته وبعدائه للمشروع الصهيونى وللنفوذ الغربى. كما أنه من المستحيل فى ظل انتشار المد الإخوانى المحتمل فى المنطقة أن يحصل الغرب على ما هو تحت يديه الآن من امتيازات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة بهذا الثمن البخس أو بلا ثمن كما يحدث الآن، السبب الرابع: غياب التفكير الإستراتيجى لصالح غلبة التفكير التكتيكى أو التفكير (بالقطعة).

فرؤية مجمل تفاصيل المشهد السياسى وبالقدر الذى يحتم الالتزام بسلم أولويات لا تتعارض أجزاؤه أو تتقاطع مراحله، قد بدا غائما تماما فى الممارسة السياسية. وأصبح من الواضح أنه قد تم القفز على قمة الدولة المصرية دون خطة تتضمن دراسات المعوقات المحتملة ومدى وفرة وجودة الكوادر وحجم النوافذ الإعلامية التابعة للإخوان والقادرة على الترويج لمشروعهم فى الحكم.. إلى غير ذلك من متطلبات العمل السياسى.

وهو ما لو تم لجعل القيادة تدرك أنه من الممكن ومن الأفضل أن يتم إنجاز جزء كبير من أجندتهم السياسية من خلال مرشحين آخرين على نفس الخط السياسى كعبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا أو كيانات سياسية قريبة كحزب الوسط وغيرهم مع التفرغ للاستعداد بشكل أفضل لجولات سياسية قادمة يخوضونها بعد استكمال أدواتهم السياسية والإعلامية والبشرية.

وهو نفس التفكير بالقطعة الذى ظهر أثناء وجودهم فى الحكم. فتقدمت أشياء هامشية على أخرى أكثر أهمية مما عرقل الاثنين وأساء لمظهر الإخوان كرجال دولة. ومثال ذلك معركة الدستور التى كانت تمثل بداية الافتراق السياسى عن جميع القوى الوطنية. وقد يكون من العجيب أن أحدهم لم يسأل نفسه: ماذا لو لم يشارك الإخوان مطلقا فى وضع الدستور؟ هل كان سيأتى على نحو مختلف عما جاء عليه؟ وما هى الأخطار المحتملة على الإسلام أو الإخوان أو على مصر من أى نص دستورى يوضع فى مجتمع متدين وثائر على الفساد السياسى كمصر؟





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة