أكرم القصاص - علا الشافعي

إبراهيم عبد المجيد

المهمشون فى صعيد مصر

الجمعة، 13 ديسمبر 2013 06:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا كتاب رائع غابت عنا صاحبته الدكتورة آمال طنطاوى منذ شهور، كانت دراستها للماجستير «مفهوم الثورة فى ضوء نظرية التبعية» ورسالتها فى الدكتوراة «التهميش الاجتماعى فى مصر» وكان ذلك عام 1998، ومن كتبها المهمة جدا جدا من فضلك «الفقر فى المجتمع المصرى» و«هكذا تكلمت النساء» وكذلك كتاباها «جدة بين الرخاء والشدة» و«المرأة والعنف فى المجتمع البحرينى»، الكتاب رغم عنوانه العام له عنوان فرعى آخر هو «آليات السيطرة والخضوع»، ورغم العنوانين فمساحة كبيرة من الكتاب للموضوع نظريا وعمليا فى العالم المتحضر والعالم الثالث، فمفهوم الهامشية marginality رغم قدم الحالة فإنه ظهر فى الدراسات مع مرحلة الحداثة واتخذ أبعاده المختلفة فيما بعد الحداثة، ذلك أن التفاوت الطبقى والمعرفى صار ظاهرا أكثر من أى عنصر مع تقدم الوعى.
تلخص الفصول الأولى أنواع التهميش التى أقف عند بعضها مثل التهميش الحاصل عند التقاء ثقافات متعارضة، كأن يكون الفرد عضوا فى جماعتين مختلفتين، ومن ثم يطرح عليه ذلك مطالب متناقضة تضعه فى موقف الهامش، أو يشعر الفرد بمطالب متصارعة لكونه فى موقف هامشى لا يقدر على الاستجابة لها أصلا أو يكون غير قادر على تمييز الصراع الثقافى الذى يحيط به ويعيشه، أو يختار موقفا أيديولوجيا نتيجة لإدراكه زيف الحضارة، ومن ثم تغافله للمجتمع ومتطلباته بوعى، وهذه الحالة هى أكثر الحالات إغراء للأدباء منذ المرحلة الرمانتيكية فى النصف الأول للقرن التاسع عشر، وحتى الآن، وتجدها فى الأعمال الروائية الكبيرة، مثل مدام بوفارى وأنا كارنينا، والإخوة كارامازوف، والغريب، وروايات مثل الشحاذ لنجيب محفوظ والسمان والخريف، وغير ذلك كثير، هؤلاء الذين يسمون غير المتوافقين مع المجتمع، أو اللا منتمون، وهذا الجزء من التداعيات التى أثارها الكتاب فى ذهنى أنا بعيدا عن الكتاب الذى يثير فيك عشرات الموضوعات، والهامشيون يمكن أن يكونوا أيضا جماعة مثل اليهود يوما ما، الفلسطينيون من فضلك الآن، ومثل السود، ومثل بعض المهاجرين يوميا إلى أمريكا كالإيرلنديين، وهناك ظاهرة الهامشيين الذين ظهروا مع العصر الحديث فى القرن التاسع عشر، فكانت المقاهى ملاذهم ومنبع أفكارهم وثوراتهم ورواد قهوة متاتيا فى مصر كانوا حالة منها، والوجوديون بعد ذلك فى النصف الأول من القرن العشرين فى فرنسا، وإن كانت ظاهرة المقاهى قد خفت فى العالم كثيرا بسبب تطور أشكال التواصل الاجتماعى التى قد لا تحتاج إلى هذا الخروج الجماعى - الذين دعوا إلى ثورة يناير كانوا يدعون لها من بيوتهم - فقد قلت أيضا إلى حد كبير فى مصر، كذلك كانت المرأة من أكثر المهمشين على طول التاريخ. ويحدث أحيانا أن يكون محدث النعمة هامشيا لأنه لا يستطيع الدخول فى الطبقة الأرقى كاملا وتنقطع صلته بأصله! يصبح كما نقول فى مصر قليل الأصل! وكذلك بعض الأنماط الثورية مثل جماعات الهيبز فى أوروبا فى الستينيات من القرن الماضى التى اتخذت لنفسها زيا ومظهرا غير السائد، وابتعدت عن المجتمع، ويمكن أن تضع بعض الحركات الدينية أيضا فى هذا الإطار مع الاختلاف أنها تسعى للانتقال من الهامش إلى السلطة ومن ثم تقوم بتهميش غيرها! حدث ذلك فى العصور الوسطى فى أوروبا وفى مصر أخيرا مع جماعة الإخوان المسلمين.
دراسات نظرية عميقة لآراء المفكرين وتاريخ يتناثر وأفكار تتداعى على من يقرأ الكتاب الرائع كما تداعت علىَّ حتى نصل إلى الجزء التطبيقى عن أسيوط التى درست فيه المؤلفة عوضا عن التاريخ والمجتمع حالات بعينها دراسة ميدانية، ومحافظة أسيوط جرى عليها ما جرى على كثير من محافظات مصر من تغيير بعد ثورة يوليو 1952 وانتهاء الإقطاع ونفوذ العائلات الكبيرة، وعودة ذلك كله مع أنور السادات فى السبعينيات وتدهور أوضاع من استفادوا من التغيرات القديمة مع إضافة أنها محافظة كثيفة السكان طاردة لهم نصيب الفرد فيها من الدخل لعددها المتزايد أقل من غيره فى المحافظات الأخرى، فتعانق فيها الفقر مع التطرف وتعانقت البطالة مع الإرهاب. الذين كانوا فى السيطرة أو هامش السيطرة الذى هو أيضا قريب من السلطة والنفوذ وليس الهامش نفسه مثل عائلات تركية الأصل أو رجال دين قبل ثورة يوليو وضاعوا بعدها، عادوا مع عصر السادات أكثر نفوذا وانتقاما ورأوا فى عصر عبدالناصر عصر ارتفاع لشأن الخدم الذين صار أبناؤههم ضباطا وقضاة كما تقول بعض الحالات محل البحث باعتبار أن هذه الوظائف كانت حكرا على العائلات الكبيرة قبل ثورة يوليو. وللسيطرة قواعد، منها قوة رأس المال وأصل وعدد العائلة ومناصب أفرادها وصلاتها وعلاقاتها مع دوائر صنع القرار. ويتفاوت تأثير كل نمط من هذه الأنماط فى امتلاك الثروة والموقع، فيمكن أن يكون امتلاك السلاح أكبر أو المصاهرة أو المنصب السياسى، المهمشون الذين هم لا فى دائرة السيطرة والثروة ولا هامشها يظلون فى مرمى الآخرين الذين قد يشدونهم إلى جماعة دينية أو دينية متطرفة تمنحهم الأمل ووعدا بالحكم، أو يهاجرون إلى الدول النفطية وطبعا يتدفقون على المدن الكبرى مثل الإسكندرية والقاهرة. الذين كانوا فى موقع السيطرة أو هامشها وأزاحهم عبدالناصر إلى الهامش يعبدون السادات ويرون فى الفلاح شخصا لئيما كذابا لا يستحق ما حصل عليه، وكما عاد من كانوا فى موقع السيطرة أو هامشها إليها فكذلك يمكن لبعض المهمشين الانتقال من الهامش إلى السيطرة مثل شخص خرج هاربا بسبب قضية ثأر ثم جاء إلى القاهرة وعمل فى تجارة الخضر والفاكهة ثم البناء وعاد إلى عائلته يمارس معها السيطرة السياسية بسيطرة رأس المال، أو بالتجارة المحرمة للسلاح، ومن ثم يرى المهمشون الذين لم ينتقلوا من مكانهم أن الأغنياء الآن «شوية صيع طلعوا من تجارة السلاح والمخدرات والمقاولات» وهكذا، باختصار اختيار محافظة أسيوط يقول لنا الكثير عن السلطة والسيطرة أو الغواية التى تحدث للمهمشين للارتقاء أو للتطرف أو للإرهاب. وكيف صار الهامش متسعا بفضل عودة العائلات القديمة إلى السيطرة ومن كان فى هامشها وآخرون اتخذوا طريقهم للارتفاع بخرق القوانين اعتمادا على نظام يشجع ذلك ويقرب أصحابه إليه.. هذا كتاب رائع أصدرته مكتبة الأسرة تركته مؤلفته لنا مع غيره من الكتب التى عنيت بقلب قضايانا الاجتماعية دون صعوبة أو تعال على القارئ مع دراسات ميدانية حقيقية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود قطز

شكرًا جزيلًا

جميل ومفيد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة