شوقى السيد يكتب: أوجاع العدالة

الخميس، 07 نوفمبر 2013 06:46 ص
شوقى السيد يكتب: أوجاع العدالة شوقى السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نتحدث دومًا مع كل بداية عام قضائى جديد وتحديداً بمناسبة قدوم شهر أكتوبر من كل عام، وكذلك فى كل مناسبة، نتحدث عن العدالة الناجزة.. وتيسير إجراءات التقاضى.. وسرعة الفصل فى القضايا وتحسين حالة سراى النيابات والمحاكم باعتبارها قصور العدالة، ونقاتل من أجل استقلال القضاء وحصانته والبعد به عن مظنة الشبهات والزلل، ولا ينقطع الحديث عن مدى جواز ندب القضاة فى الوزارارت والمصالح، أو تعيينهم وزراء بالحكومة وهم على منصة القضاء، ونجاهر بحماية مهابة العدالة.. وتوقيرها واحترامها.. وحظر الاشتغال بالسياسة أو الظهور بالإعلام وعقد المؤتمرات وإطلاق التصريحات.. وهى قرارات لمجلس القضاء الأعلى تصدر منذ عام 1982 وما بعده وحتى الآن.. كل ذلك وأكثر منه، غايات نبيلة.. وشعارات سامية.. وأمان غالية يسعى رجال القضاء وعلماء القانون والمتخصصون لتحقيقها، ويتمنى المواطن البسيط أن يجدها فى الواقع ليحظى بها وينعم بنتائجها، لأنها وحدها يستقيم بها المجتمع ونحمى الحقوق والحريات، ونحاسب السلطات.. ونضمن تحقيق العدالة بين أرجاء الوطن.

لكن.. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ففى إحدى جلسات محكمة الجنايات وسط القاهرة، ومع بداية العام القضائى الجديد أكتوبر 2013، ومنذ الساعة التاسعة صباحًا نشهد قاعة المحكمة وقد امتلأت بأوراق القمامة وأعقاب السجائر والباعة الجائلين يطوفون وسط الجمهور داخل القاعة لتسويق بضاعتهم وبأصوات جهيرة، والضجيج عال يدوى بالقاعة.. والمصادمات لا تنقطع بين المتقاضين وأسرهم الرجال والنساء والأطفال، والمتهمون مازالوا غائبين عن حضور الجلسة داخل القفص.. والكاتب ومساعدوه والحراسة تتعامل مع الناس باعتبارهم أصحاب السلطات وحدهم فى القاعة، والمحامون يرتدون الأرواب السوداء ويشاركون موكليهم وأسرهم الحديث عن التهمة والدفاع وربما الأتعاب، كل ذلك والدائرة لما تتأهل بعد لحضور الجلسة والاستماع للمرافعة بالمحكمة أو حتى بغرفة المداولة.. وظلت الحال كذلك أيها السادة حتى الساعة الواحدة والنصف مساء.. نعم الساعة الواحدة والنصف!!
وتبدأ الجلسة بصوت عال لحاجب المحكمة «محكمة»، وقد حضر المتهمون من محبسهم واكتظ القفص بهم رجالا ونساء معًا، ويبدأ النداء فإذا برئيس الدائرة من جماعة الإخوان أو مؤيديهم الذين شاركوا فى اعتصام رابعة، وألقوا الخطب، ووقعوا على بيانات سياسية مناهضة للنظام ومازال التحقيق يجرى معهم، وعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة طارئة لمناقشة أمرهم يوم الأحد 3 نوفمبر.. ويجرى النداء على المتهمين بجلسة المحكمة.. ويتسابق المحامون فى الاحتماء بالعدالة.. وبالدائرة عدلها وعلمها، ويرفض رئيس الدائرة طلب التنحى أو التأجيل للرد لاشتغاله بالسياسة والخروج على مقتضيات واجب رسالة العدالة.. وتؤجل القضايا آخر الجلسة لتصدر فيها الأحكام بالبراءة أو الإدانة فى هذا الجو البائس!!

هذه صورة حية لإحدى دوائر المحاكم بالقاهرة.. وتحديداً محكمة الجنايات.. فما بالنا بمحاكم الجنح؟! والدائرة تقع وسط القاهرة فما بالنا بما يحدث بقاعات المراكز والمحافظات؟! لكنها صورة حية نقدمها إلى قضاة مصر الذين قد لا يرون هذه الصورة على حقيقتها من أعلى المنصة، ونتحدث دومًا عن العدالة الناجزة.. وتيسير إجراءات التقاضى وضمانات العدالة.. ومهابتها واحترامها.. والتى يتطلب تحقيقها عزم الرجال.. وصدق النية وشجاعة المواجهة.
ومن تلك المواجهات الموضوعية الناقدة التى تستهدف المصلحة العامة، تساؤلات.. فلماذا يتأخر انعقاد الجمعيات العمومية للمحاكم حتى الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر وعلى مشارف أكتوبر لتصدر الحركة القضائية، ونظر التظلمات بعدها فتتعدى على بداية العام القضائى!! ولماذا يتأخر انعقاد الجلسات إلى ساعات متأخرة.. بغير متابعة.. أو الاستهداء بقضاة النقض التى مازالت تعقد جلساتها فى التاسعة صباحًا بتوقيت جرينتش!!

ولماذا لا نستحضر المتهمين من محبسهم مبكراً حتى تبدأ الجلسة فى الميعاد ونحافظ على وقت العدالة وحقوق الناس شكلاً وموضوعًا.. حالها ونظامها!! ولماذا نترك القضاة الذين جرفتهم السياسة أو لعبوا بها ويجلسون على المنصة للفصل فى الخصومات بين الناس.. فتنهار الثقة فى العدالة ونترك الشكوك والأوزار تعصف بها!! ولماذا لا نهتم بدور المحاكم وتحسينها ورقابتها ونشملها برقابة جادة وصارمة، رغم أن الرسوم القضائية باهظة بمئات الآلاف من الجنيهات، حتى ولو رفضت الدعوى تحصل عليها الرسوم التى يخصص منها نسبة كبيرة لأبنية المحاكم، ولماذا لا ينهض التفتيش القضائى بالهمة والجد.. حتى يقوم القضاة بمسؤولياتهم نحو تحقيق عدالة ناجزة شكلاً وموضوعًا!! ولماذا يتأخر الفصل فى القضايا لسنوات تزيد على العشر.. فى أروقة المحاكم.. وبكل أسف نجد ذلك أيضًا أمام جداول محكمة النقض؟!!

كل هذا يحدث وأكثر منه.. وفى كل مرة نتحدث عن تيسير إجراءات التقاضى.. والعدالة الناجزة.. والحصانة والاستقلال.. وسرعة الفصل فى القضايا.. وتحسين دور المحاكم.. ومازال يحدث ذلك من البعض حتى ولو كانوا قلة قليلة، أما الكثرة الغالبة فكان الله فى عونهم.. لأنهم يؤاخذون بما فعل البعض منهم.. لأن الجميع مسؤولون عن إزالة تلك البقع السوداء فى الثوب الأبيض الناصع على التاريخ الطويل للقضاء المصرى الشامخ.. ليظل العدل أساس الملك.
أما عن قضاء مجلس الدولة حاله.. ونظامه.. وحال أعضائه.. ففى الأمر تفصيل فى مقال قادم.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد خلف

أزيدك من الشعر بيتا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة