هيام محيى الدين تكتب: المصطلحات السياسية واختلاف الرؤى

الأربعاء، 06 نوفمبر 2013 05:17 ص
هيام محيى الدين تكتب: المصطلحات السياسية واختلاف الرؤى صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شاعت فى الآونة الأخيرة ظاهرة استخدام مجموعة من المصطلحات السياسية والاقتصادية وتعريفها، بصورة تتصل بأهواء وأيديولوجيات المستخدم، بما يبعد المصطلح عن حقيقته، بل ويصل فهم البعض لهذه المصطلحات إلى صورة مناقضة أحياناً لما يعنيه المصطلح، ولعل أكثر هذه المصطلحات السياسية تعرضا للتشويه والمبالغة سلبا وإيجابا فى الجدل السياسى على الساحة هما مصطلحا اليسار والعلمانية، فقد أشبعهما التيار الإسلامى سبا ولعنا وتكفيرا وتشويها وهجوما دون أدنى فهم لمدلولهما إلى جانب مصطلحات الليبرالية، والاشتراكية التى نالت رفضا أقل عنفا من تيار الإسلام السياسى، مع أن هذا التيار لو تأمل الإسلام بعمق وتمعن لوجد صدى واضحا لكل منها فى مبادئ الشريعة الإسلامية، ولوجد أن هذا الدين العظيم الشامل لكل ما يسعد الإنسان وييسر حياته قد تحدث عن تطبيقات لهذه المصطلحات المعاصرة قبل أن يعرفها الغرب بزمن طويل، فاليسار بمعنى محاولة تغيير الواقع إلى رؤية أكثر تطوراً، هو مبدأ إسلامى أساسى، لأنه أصل فى تطور الحضارة الإنسانية وتقدمها وتغيرها تبعا لمتطلبات كل عصر ولو توقف التطور البشرى عند عصر معين لانتهت الحضارة الإنسانية كلها، وظلت تعيش التخلف والجمود، فاليسار رفض لما هو كائن والتطلع إلى ما ينبغى أن يكون، فإذا كان هذا هو مقصود اليساريين من تبنى هذه الرؤية، فأين الاصطدام بالدين هنا، لأن ما ينبغى أن يكون فى نظر اليسار من الناحية الاقتصادية هو العدل فى توزيع الثروة على كل مواطن بقدر جهده وعمله وإنجازه إلى جانب رعاية غير القادرين والضعفاء من خلال تكافل مجتمعى وهو عين ما يأمر به الإسلام، ويرتبط الفكر اليسارى سياسيا بالاشتراكية اقتصاديا، وظهرت الكثير من الرؤى اليسارية لتطبيق العدالة الاجتماعية من أقصى الرؤى اليسارية فى شيوعية أفلاطون ومدنية الفارابى الفاضلة ونظرية ماركس الجدلية إلى اشتراكية أحزاب اليسار الأوربية كحزب العمال البريطانى والاشتراكى الألمانى والفرنسى والنمساوى وغيرها من دول العالم، فليس اليسار كفكرة معاديا للإسلام ومعظم تطبيقاته الفكرية والاقتصادية لا تتعارض معه.

أما العلمانية فهى مصطلح ظهر فى أوربا فى عصر النهضة Renesance لمعارضة سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على كل مظاهر الحياة وفرضها رؤية دينية منغلقة على كل أتباعها واعتبار البابا ظلا لله على الأرض، أوامره وحى منزل وغضبه من غضب الله، ورضاه من رضى الله، يَحرِم من يشاء من غفران السماء، يعطى صكوك الغفران لمن يرضى عنه، ويصدر قرارات الحرمان لمن يغضب عليه، وبدأت معارضة هذا الطغيان بثورة الإصلاح الدينى التى قادها مارتن لوثر وزملاؤه من البروستانت والتى سلبت السلطة الإلهية من الباباوات والحق الإلهى فى الحكم من الملوك، فظهرت نتيجة لذلك الدولة المدنية الليبرالية الحديثة فى أوروبا، ثم امتدت إلى معظم دول العالم المعاصر، وقد تلطخ مصطلح العلمانية بالعداوة للأديان من خلال هجوم البابوية والكنيسة الكاثوليكية العنيف عليه خاصة حين أصدرت الدولة الحديثة مجموعة القوانين المدنية فى الأحوال الشخصية والحياة العامة ومكافحة الجرائم الحديثة وحقوق الإنسان والحريات العامة، مما يتعارض مع الرؤى اللاهوتية للكنيسة، فالعلمانية لا علاقة لها بعداوة الإسلام تحديداً أو تهميشه، ولعل ما حدث فى تركيا الكمالية "كمال أتاتورك" هو الذى شوه صورة العلمانية لدى المسلمين دون أن يتأملوا التجربة الأتاتوركية من خلال ظروف التحلل الكامل الذى وصلت إليه الدولة العثمانية وقتها ومحاولة تركيا اللحاق بركب الحضارة الأوربية بأسرع وقت ممكن ولكن الحقيقة أن الإسلام ليس فيه كهنوت ولا رجال دين ولا متحدثون باسم الله، ولا مانحون للغفران أو جالبون للنقمة فليس للإنسان المسلم إلا ما سعى وعلاقته بربه مباشرة دون وسيط من كاهن أو قس فالعلمانية إذن بمعنى محو تسلط بشر على بشر باسم الدين، أو بقرار من السماء، وعدم فرض رؤية دينية محدودة على أفراد المجتمع الذين يمنحهم الإسلام حرية الاعتقاد والإيمان والعبادة كما تهديهم ضمائرهم وعقائدهم، ليس بحاجة إلى العلمانية وإن كانت الليبرالية وهى احترام حرية الإنسان الفرد طالما لا تنتقص من حرية إنسان آخر تتسق بهذه الرؤية مع القيم الإسلامية الحقيقية دون تعارض مخل بالعقيدة.

إن استخدام هذه المصطلحات دون إلمام كاف بتاريخها وتعريفاتها وتطبيقاتها ليس إهانة للعقل فحسب وإنما إهانة للعقيدة أيضاً ورؤية متخلفة لا تصل إلى مدى قوة وعظمة الفكر الإسلامى ونصوع وعمق عقيدته وصدق منطقه وقدرته على الإقناع ومدى اتساعه للفكر الإنسانى عبر العصور، ومن يتعمق فهم جوهر ديننا السامى يعرف جيدا أنه يتسع لكافة هذه الأفكار والتطبيقات المعاصرة داخل إطاره العقائدى والعبادى والقيمى والسلوكى والاجتماعى والاقتصادى، ولا يتعارض معها وإن وجدت بعض مساحات يراها البعض تعارضا مع الدين فلا يمكن أن تصل بها عقلا ولا منطقا إلى درجة التكفير.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة