دخلت السياسة على مائدة المصريين منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعد أن كان طعاما غير مرغوب فيه، وأخذوا يأكلون كبيرهم وصغيرهم، حتى بدأ الطعام ينفذ بسبب التدهور الاقتصادى، ووقف الإنتاج لكن بقى طعام السياسة وفيرا ومتوفرا حتى كان الصديقان الصغيران وهما يمشيان إلى المدرسة يتجادلان فى أمور السياسة وهما لما يزالا فى سنوات عمرهما الأولى، وكان أحدهما يقول للآخر إن مرسى حلو، وسيطبق الشريعة، فيرد عليه صاحبه، لا مش يبقى كويس، وشفيق أحسن منه، وهما يمضيان سويا تتلاقى أيديهما فى أيدى بعضهما!
1-كان دخول تيار الإسلام السياسى إلى مسرح الأحداث خطيرا، فبعد ثورة 25 يناير خرج ذلك التيار من العباءة الثورية ليحصد أغلبية كاسحة فى الشارع المصرى بينما انحسر التيار الثورى فى الميادين وداخل الخيام ليترك بذلك الملعب فارغا لمن استقطبوا مشاعر المصريين الدينية، وجعلوها فى الصناديق تمثل انتصارا للإسلام ويمكن رصد دعوة المصريين للاستفتاء على التعديلات الدستورية تحت مسمى غزوة الصناديق أول خلط يحدث ما بين الدين والسياسة وتصوير الأمور على أنها صراع بين الإسلام وغيره وهذا التصنيف كان أول شرارة يشعلها تيار الإسلام السياسى وبما أن الأمر كذلك فلم يكن الأمر ليحتاج إلى برامج انتخابية طالما أن هناك ما يمكن بيعه داخل الصندوق وكان من الطبيعى أن يسحق الإسلاميون كل الاستحقاقات الانتخابية وطالما أنها تحت رعاية المجلس العسكرى الذى لم ينس المصريون لهم وقوفهم مع الشعب ورفضهم إطلاق الرصاص على المتظاهرين وتلك المكانة الكبيرة للجيش كانت محط رصد فعرفوا مبكرا من أين تؤكل الكتف؟!
حتى ما قبل الانتخابات الرئاسية ومع تراجع كل الوعود من قبل جماعة الإخوان المسلمين بالترشح على 30% فقط من المقاعد البرلمانية وعدم تقديم مرشح رئاسى بدا صراعهم يتضح على السلطة وبدت القوى الثورية وقتها أكثر تسامحا، لذا كان الترحيب بهم كبيرا وأنهم جزء من ثورة يناير، وأنهم قدموا تضحيات كبيرة سواء بالتنظيم أو بالأنفس فى تلك الثورة ومع تشتت القوى الثورية نفسها، بإزاء مرشحيها كان النجاح المتوقع للرئيس مرسى أمام مرشح رأى الكثير من المصريين بأنه سيكون امتدادا لسياسات مبارك.
يقول المثل المصرى: "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب"، تطلع المصريون لصاحب مشروع النهضة والوعود المفرطة أثناء الحملة الانتخابية، لكن لا شىء يحدث!
عندما اعترض الكثير من المصريين حدثت المفاجأة! لقد أصبحوا من فلول نظام مبارك ويكرهون الشريعة وهنا أصبح الاعتراض عليه كأنه اعتراض على الإسلام نفسه وكان أنصار الرئيس حاضرون بقوة فى المشهد يحاصرون المحكمة الدستورية لدعم قرارات عرفوها قبل الشعب! وأخذوا يصنعون منه بطلا خارقا ويدعمونه بقوة فى كل قراراته فقام بعزل النائب العام، وقام بعمل إعلان دستورى وكأنه قام بثورة ولم يأت عن طريق الانتخاب ووعد بأن يحصل على دماء شهداء مذبحة رفح ولم يفعل وقام بالإفراج عن كثير ممن واجهوا تهما تتعلق بسفك دماء المصريين دون سبب مقنع هذا فضلا عن تدهور الحالة المعيشية بأكثر مما يجب مما جعل الملايين تستجيب للنداءات الثورية ونزل أضعاف من نزلوا ضد مبارك وكان قرار الجيش حاسما لتبدأ قصة جديدة من الصراع.
2- تواجه الأمة المصرية أخطارا عدة لكن الخطر الأكبر على الإطلاق ليس هو خطر الطعام والشراب ولا حتى خطر التعرض لاعتداءات الخارج لكن الكراهية بين أفراد المجتمع هو ما ينذر بخراب حقيقى داخل المجتمع فلم يعد الأمر مقصورا على أفراد جماعة الإخوان وغيرهم ممن لا ينتمون لها بل امتدت الكراهية لتشمل الإخوة داخل الأسرة الواحدة وبين أولاد العم، وأولاد الخال فبسبب السياسة تنقطع علاقات الأصدقاء والأخ هذا لا يدخل بيت أخيه، والعمة حرمت دخول أولادها بيت أخيها، وهذا لا يدخل بيت خاله، وهذا يتعمد عدم تقديم واجب العزاء لصاحبه وزوجة الأخ هذه تلقى المياه على أطفال زوج أختها لأنهم يغنون تسلم الأيادى، وكأننا ندخل نفقا مظلما سيمتد لأجيال لاحقة علينا.
ألا نتهم أنفسنا؟ وننتقدها لنحاول الوصول لصيغة تفاهم تمكننا من العيش سويا بعد أن تفوق كل طرف على التشهير بالآخر والتحريض عليه أم أننا سنستمر إلى النهاية حتى نؤسس مجتمعا يفتقد الانتماء والولاء للتراب المصرى الذى شوه كثيرا وأصبح جيشه العظيم خير أجناد الأرض فى رأى أنصار الدكتور مرسى يقتل ويقيم المذابح فضلا عن تشويه قاداته ومن قبل كان القضاء والإعلام بل والشعب البسيط نفسه أصبح هدفا هنا وهناك.
حتما هناك أخطاء هنا وهناك، لكن عندما لا ننتبه إلى أن عدم توافقنا وتصالحنا معا يمكن أن يهدمنا معا سنكون قد ارتكبنا خطيئة فى حق وطننا وحق الأجيال اللاحقة لنا وربما لن يسامحونا وربما سيمتنعون عن الترحم علينا وربما سيتهكمون علينا، لأننا فضلنا إراقة الدم عن السلام وتمسكنا بالشروط المجحفة ولم نفكر فى تلك الأرواح البريئة التى تذهب كل يوم ومن غير ثمن، لأن مرسى حتما لن يعود والاعتراف بالواقع ليس تنازلا وإنما استبصارا بواقع لن يتغير بالمسيرات ولا بالعنف لسبب بسيط جدا أن الخصم لا يمكن أن يتخذه المصريون خصما وهو الجيش.
3- كم أتمنى أن أعرف هل ظل الطفلين اللذين تجادلا أثناء ذهابهما للمدرسة، صديقين أم أنهما افترقا عدوين، ويذهب كل واحد منهما للمدرسة من طريق مختلف؟!!
محمد عبد المجيد يكتب: طعام الكراهية ومستقبل الوطن
الأربعاء، 06 نوفمبر 2013 09:11 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة