بعد أن فشل الإخوان فى الشارع، وتضاءلت شعبيتهم، انتقلوا إلى الساحة الطلابية، خاصة جامعات: الأزهر، والقاهرة، وعين شمس، وتحولت احتجاجاتهم إلى عدوانية «مجنونة»، مثال ما حدث بجامعة الأزهر، من تحطيم، وحرق، وإتلاف، بطريقة عبثية، وأكد الجميع أن الهدف من ذلك هو تعطيل الدراسة، لإرسال رسالة للخارج بأن الإخوان قادرون على شل الحياة الطلابية، ومن جهة أخرى نجحت «الفلول الطلابية» للجماعة فى إثارة البلبلة فى الحكومة، والمثقفين، حول كيفية المواجهة، وهل يعود الحرس الجامعى؟ الأمر الذى جعل وزير التعليم العالى د. حسام عيسى يهدد بالاستقالة إذا عاد الحرس!! فى حين قررت الحكومة (كالعادة) اللجوء إلى الحل الوسط، بأن يبقى الأمن خارج أسوار الجامعة وأن يتدخل عند الضرورة، الأمر الذى جعل أحد أولياء الأمور يصرح فى برنامج تلفزيونى: «طيب أنا لن أرسل ابنتى للجامعة حتى تصل الحكومة لحل»، وعقب على ذلك أحد أساتذة جامعة الأزهر بالقول: «اللى إيده فى المية مش زى اللى إيده فى النار»، لكن المفكر البارز عمار على حسن فى مقالة بصحيفة «الوطن» السبت الماضى كتب تحت عنوان: «جامعات سجينة»: استشهد فيه بمقولة د. طه حسين (لا ينبغى أن ننتظر تعليما صحيحا منتجا من جامعة لا يتمتع فيها رجالها بالاستقلال والحرية)، وذكر البيان الاحتجاجى للأساتذة 2005، وكيف كانت تحتلها وزارة الداخلية، وتطرق د. عمار إلى شواهد تلك المرحلة من حالة التمويت السياسى، بعد أن كانت الجامعات معملاً لتفريغ الطاقات الفكرية تحولت فى عصر مبارك إلى إخراج قوى اجتماعية مدنية عدة من متن الفاعلية إلى هامش عريض من الصمت والفراغ، لتزداد وطأة الركود السياسى، وينتهى د. عمار إلى الانتصار لوجهة نظر أغلب الأساتذة فى رفض عودة الحرس الجامعى.
على الجانب الآخر من الحوار ينحاز الكاتب الصحفى أكرم القصاص لأولياء الأمور، ويكتب السبت فى «اليوم السابع» مقالاً بعنوان: «الممنوع والمشروع والمرتعش فى الجامعات»: يقول: (الفرق بين النظرى والعملى هو الفرق بين ما يمكن للمعارضة أن تطالب به، وما يمكن أن تفعله عندما تصل للسلطة، نقول هذا بمناسبة الجدل الدائر حول الجامعات والحرس وعودته، أو منعه، بعض من أعضاء جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، يعودون ليطالبوا بعودة الحرس، وهم من كانوا وراء الدعوى التى انتهت بحكم الإدارية العليا)، ويمضى القصاص حتى يصل إلى ما يراه: (الأمر فى الحقيقة أبعد وأوسع من مجرد حديث عن حرس ويمتد إلى العمل السياسى فى الجامعات من دون تحويلها إلى ساحات حرب ومجال للعمل الحزبى، وقد فشلت كل محاولات حظر العمل السياسى فى الجامعات)، ويختتم القصاص مقاله: (نظرياً يطالب البعض بحظر العمل السياسى فى الجامعات، مع العلم بأن الطلاب كانوا دائما فى طليعة العمل السياسى).
الطلاب فى طليعة الحركة الوطنية:
دائماً كان الطلاب فى طليعة الحركة الوطنية، شاهدنا ذلك جلياً فى ثورة 1919، وانتفاضة 1935/1930 التى ناضلت ضد دستور صدقى حتى إعادته، بل إن يوم الطالب العالمى فى 15 نوفمبر 1935 حينما خرجت المظاهرات الطلابية من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) من كوبرى عباس نحو ميدان عابدين، فقام الإنجليز بفتح كوبرى عباس على الطلاب ويسقط محمد عبدالمجيد مرسى، الطالب فى كلية الزراعة حاملا العلم المصرى، وحمل عنه العلم عبدالحكم الجراحى الطالب فى طب قصر العينى، وأطلق الضباط الإنجليز النار عليه، وكتب الجريح عبدالحكم قبل أن يموت بدمه رسالة إلى (مستر روح الشر رئيس وزراء إنجلترا أنا الشهيد محمد عبدالحكم الجراحى قتلنى أحد جنودكم الأغبياء وأنا أدافع عن حرية وطنى.. الشهيد المصرى محمد عبدالحكم الجرحى).
ومن دماء الجراحى ورفاقه تجذرت الحركة الوطنية، وحينما تقدمت الفاشية الدينية بعد ظهور الإخوان المسلمين، وتحالفهم مع الديكتاتور صدقى والسراى ضد الحركة الوطنية، وكيف وقف مسؤول طلاب الإخوان فى الجامعة ليقول: (واذكر فى الكتاب إسماعيل...)!! تفجرت انتفاضة الطلبة والعمال فى 1946، والتى مهدت لثورة يوليو 1952، وبعد هزيمة يونيو 1967 وأحكام الطيران «المخففة» ثار الطلاب مرة أخرى 1968، مما أدى بعبدالناصر إلى إصدار بيان 30 مارس الشهير.
وحول ذلك يقول الكاتب الصحفى محمد بغدادى، وأحد قيادات الحركة الطلابية فى السبعينيات، كيف نشأت الحركة الطلابية فى مصر، ويقول: (إن الحركة الطلابية بدأت فى مصر مع مظاهرات 1968 التى خرجت احتجاجًا على أحكام جنرالات الطيران بعد هزيمة مصر فى حربها مع إسرائيل عام 1967، ودفعت هذه المظاهرات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى تصحيح المسار وإعادة المحاكمات).
وتولى بغدادى منصب رئيس اتحاد الطلاب عام 1972، وكان عضو اللجنة الطلابية العليا فى الحركة الطلابية فى تلك الفترة، ومن بين من شاركوا فى إصدار بيان 24 يناير عام 1972، وهو أول بيان تصدره الحركة الطلابية المصرية بعد اقتحامها لمطبعة جامعة القاهر،ة واستخدامها فى طباعة بيانات الحركة الطلابية.
ويقول: (كنا نصدر بيانات و96 مجلة حائط أسبوعياً، ولدينا غرفة عمليات لإصدار مجلات الحائط والرد على كل الأطروحات السياسية، مشيراً إلى أن نشاط الحركة جاء بسبب شعور الطلبة بأن الرئيس الراحل أنور السادات كان «يسوف ويماطل» فى مسألة الحرب مع إسرائيل).
المد الطلابى دفع السادات للتحالف مع الإخوان:
كان وراء ذلك المد الطلابى الممتد من 1972 وحتى 1977 ظهور لائحة 1976 الطلابية التى كما يقول الراحل د. أحمد عبدالله رزة فى حوار مع الكاتب (كانت اللائحة أهم منجزات الحركة الطلابية بعد نصر أكتوبر 1973، إضافة إلى إرغام السادات إلى إعلان الديمقراطية «المقيدة بعد ذلك» فى صيغة المنابر ثم الأحزاب) وكانت أهم منجزات تلك اللائحة أنها كانت تجيز فى مادتها الأولى على حرية الطلاب فى العمل السياسى بالجامعات.
وكان هناك نائب رئيس الاتحاد للشؤون السياسية بلائحة 1976، بل والمادة 52 كانت تنص على تشكيل لجنة العمل السياسى برئاسة رئيس الاتحاد وأربعة من المجلس وتختص: (العمل على تكوين وإبراز رأى عام تجاه الأحداث القومية والدولية، وتنمية الوعى القومى والعربى، وتعميق المفاهيم الدولية فى نفوسهم، وتعريفهم بتاريخ كفاح الوطن).
فى تلك الفترة كنت من نشطاء الحركة الطلابية، وكان حمدين صباحى نائبا لرئيس اتحاد طلاب مصر 1976/1975، ورئيس تحرير جريدة الطلاب، وكلنا نذكر وقفته الشهيرة ضد السادات، وما حدث فى انتفاضتى 1972 و1977، وكلاهما أدى بالسادات للتحالف مع الإخوان والاشتراك مع محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط حينذاك بتشكيل الجماعات الإسلامية لضرب اليسار فى الجامعة، ثم عجلت انتفاضة يناير 1977 بذهاب السادات للقدس فى نوفمبر 1977 وبعد توقيع كامب ديفيد ألغى السادات لائحة 1976 وسن لائحة 1979 المقيدة للعمل السياسى بالجامعات، وظهر الحرس الجامعى وسيطرت أجهزة أمن الدولة على الجامعة، وبالطبع لم يكن هناك أى نشاط طلابى سوى للإخوان والجماعات الإسلامية، وأفرزت تلك المرحلة د. عصام العريان بالقاهرة، ومن المنيا كرم زهدى، وأبوالعلا ماضى، وعاصم عبدالماجد، ومن أسيوط ناجح إبراهيم وغيرهم، لنصل لاغتيال السادات وتبوء مبارك لسدة الحكم، واحتلال أمن الدولة للجامعات كما ذهب بيان الأساتذة فى 2005.
من 6 إبريل وصولاً لتمرد:
لكن إيزيس بحثت عن أشلاء أوزوريس بعد أن قتله حورس على طول الشط، وبإخصاب الحلم ولدت حركات شبابية خارج الجامعات ليولد حورس ضد التوريث و6 إبريل لتتفجر ثورة 25 يناير، ثم تمرد فى ثورة 30 يونيو، ولكن كون هذه الحركات ولدت ولادة قيصرية خارج رحم الجامعة فإنها افتقدت القيادة والرؤية وانقسمت.
وأمام ضعف الأحزاب والمجتمع المدنى وحظر العمل السياسى فى الجامعات لم يعد أمامنا بديل عن التفكير فى قانون التظاهر (فى رؤية دفاعية) لابد من تجديد وتنقيح لائحة 1976 لكى يولد حورس من جديد.
سليمان شفيق يكتب: أمام ضعف الأحزاب والمجتمع المدنى وحظر العمل السياسى فى الجامعات لم يعد أمامنا بديل عن التفكير فى قانون التظاهر
الإثنين، 04 نوفمبر 2013 06:42 ص