د. نعمان جلال

تتعدد المفاهيم والهدف السيطرة على مقدرات المنطقة

الإثنين، 04 نوفمبر 2013 10:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى 17 ديسمبر 2001م ذكر تانج جيا شوان Tang jiaxuan، وزير خارجية الصين الأسبق، فى مقابلة مع جريدة الشعب اليومية Peoples Daily، أن الصورة العامة للموقف الدولى هى ولفترة مقبلة ستكون سلاما عاما وحروبا محلية، استرخاء عاما وتوترا محليا، استقرارا عاما، واضطرابات محلية، وإن قضايا الأمن الدولى ستتجه نحو التنوع Diversification.

هذا التقييم الذى تحدث عنه وزير خارجية الصين عام 2001 بعد حادث 11 سبتمبر 2001 كان وما زال قائما بوجه عام، وإلقاء نظرة على الأوضاع الدولية والإقليمية عام 2013، أى بعد مضى 12 عاما على ما ذكره الوزير الصينى الأسبق نجد أن الصورة تكاد تكون مطابقة، فالولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين أو روسيا أو اليابان أو الهند لا تتحدث أيا منها عن مواجهة فيما بينها، بل تحرص على الحديث عن السلام العالمى، والأمم المتحدة لا ترى أى تهديد للأمن والسلم الدوليين فى إطار شامل، ولكن تراه نابعا من الصراعات المحلية (الإقليمية).

الحدث الرئيس الذى أدى إلى هذا التقييم هو حادث 11 سبتمبر 2001، كذلك ما سبقه أحداث خلال العقد الأخير من القرن العشرين، بخاصة انهيار الاتحاد السوفيتى وكتلته الاشتراكية، التغيير فى الصين نحو مفهوم التنمية كأساس للأمن الوطنى، والتغيير فى المفهوم الأمريكى نحو صراع الحضارات، وأداته الرئيسة هى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومراكز الصراع، أو بالأحرى ميدان الصراع هو الشرق الأوسط العربى والإسلامى، وهدف المعركة هو "الإسلام والمسلمين"، ولو تعمقنا فى تحليل هذه الصورة سنجدها تأكيداً لمفهوم صامويل هانتجنتون عن "صراع الحضارات" رغم معارضة كثيرين لهذا الطرح عندما نشر فى أواخر القرن العشرين وبالتحديد فى مقاله الفورين افيرز Foreign Affairs فى عام 1989م، ثم نشره بعد ذلك فى كتبه المشهور بعد تطوير مفاهيمه وقد ترجم إلى معظم لغات العالم بما فى ذلك اللغة العربية، ورغم الضجة التى أثارتها الدول العربية والإسلامية ضد هذا المفهوم، ولكنها ضجة كما تقول مسرحية شكسبير "ضجة بلا طائل" Much ado about Nothing، أو كما تقول الأدبيات العربية "إن العرب، ويمتد ذلك للمسلمين، هم ظاهرة صوتية"، أو كما قال الشاعر العربى "أسد علّى وفى الحروب نعامة"، انظر إلى الوضع فى سوريا تجد الجيش السورى، الذى لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل على مدى أربعين عاما، وجه طائراته ومدافعه ودباباته ضد الشعب السورى الأعزل المفترض أن يقوم بحمايته والدفاع عن أراضيه.

والشعار للحرب هو "الديمقراطية والإسلام مقابل السيادة الوطنية"، أما فى مصر، فالقوى الإخوانية التى تحمل اسم الإسلام تنشر الإرهاب فى سيناء هل هذا تعبير عن الإسلام المتسامح الداعى للسلام والاعتدال وعدم حب السلطة والتنافس من أجلها.

إنها ترفع شعارات الجهاد ضد إسرائيل فى نفس الوقت يتوسط الرئيس الدكتور مرسى وقت أن كان فى السلطة لعمل هدنة بين حماس الإخوانية وبين إسرائيل، ولم توجه طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ ذلك الحين، ولم يعتصم ويتظاهر فلسطينيو حماس ضد إسرائيل ولم يحفروا أنفاقا فى الأرض الإسرائيلية بل فى أرض مصر، وأكثر من ذلك إن أحد القيادات الإخوانية المصرية أعلن على الملأ أن جيش مصر هو أخطر عليهم من جيش إسرائيل وطالب أعوانه بقتال الجيش المصرى ويرفعون شعارات غير ذلك، كما أعلن آخر على الملأ أنه إذا أعيد الرئيس مرسى للسلطة فسوف يتوقف العنف فى سيناء على الفور فى لحظة واحدة.

وهكذا فى كثير من الدول العربية وإلى حد ما الإسلامية، وسوف تلحق بهم دول مثل تركيا التى تقمع شعبها فى ميدان تقسيم وغيره، وتتحدث عن مؤامرة ضدها وهى تنتقد الموقف المصرى ونفس الشىء فى إيران وباكستان أى باقى دول الشرق الأوسط الكبير، حيث يتنافس القادة ويتدافعون من أجل إرضاء العدو الأمريكى كما يقولون، وهم يتقاربون بقوة وينجذبون نحوه اليوم وفى نفس الوقت كانوا يطلقون عليه العدو أو الشيطان الأكبر سبحان الله.. كيف يمكن تفسير ذلك؟!

هل هذه نظرية المؤامرة؟ نقول لا، ولكنها السياسة الدولية بمنظور علمى يقوم على السعى لتحقيق المصالح للقوى الكبرى دون حرب فيما بينها، بل إشعال الحروب المحلية، وفقا لشعارات تتناسب مع أوضاع تلك الدول الإقليمية، ومصالح القوى الكبرى، ولذلك تبدو الصورة أحيانا إنها عودة ولو جزئية لمفهوم الأمن الدولى، الذى ساد فى فترة الحرب الباردة، والحقيقة غير ذلك، فالدول الكبرى جميعا تتحدث وتغذى الصراعات المحلية ولا تتنافس أو تتحارب فيما بينها، بل تركز على التعاون الدولى والتفاعل الدولى والحرب الراهنة وقودها الدول النامية، وعلى وجه الخصوص الدول العربية والإسلامية فى الشرق الأوسط الكبير، وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة (الهدامة) التى استهدفت تمييع الهوية القومية لدول المنطقة من أجل مفهوم هلامى نظرى يستثير المشاعر الشعبية دون مضمون حقيقى، أو إثبات تاريخى على صحته، وهو مفهوم الديمقراطية العالمية، أو حقوق الإنسان العالمية، أو الأمة الإسلامية الشاملة، لا يهم أى من تلك المصطلحات ما دام الهدف واحد وهو تدمير العرب والاستيلاء على ثرواتها والهيمنة على أراضيهم وبلادهم بوسائل متعددة ومبتكرة.

والهدف الرئيسى لتحقيق ذلك هو الهجوم ضد الدولة الوطنية Nation-State وسيادتها أما الأدوات فهى اللاعبون من غير الدول Non state actors كتبت عنها مراكز الأبحاث الدولية، خاصة الأمريكية، ونشرتها مراكز نشر الديمقراطية، وأجهزة الاستخبارات الدولية ما هى الدلالة الواضحة؟ لهذه الظاهرة هى إنها دليل على التخلف الفكرى والعلمى للدول العربية الإسلامية مقابل تقدم البحوث العلمية والسياسية والإستراتيجية لدى الدول الكبرى.

إن الأرضية للمعركة خصبة بل بالغة الخصوبة فى تحقيق الهدف الرئيسى من الصراع المحلى والإقليمى بين الدول وداخل كل دولة بين أبنائها الذين يقتل بعضهم بعضا باسم الدين أو الطائفة أو الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان ونحو ذلك من الشعارات يتقاتل اليمينيون بين السلفية والحوثيين وهم إخوة وفى تونس وفى مصر وفى العراق وغيرها، هذا فى الوقت الذين يعلن الروس والأمريكان والصينيون والشرق والغرب انتهاء الحروب بينهم.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة