محمد جاد الله

"الأستاذ" سعد الدين وهبة

السبت، 30 نوفمبر 2013 08:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مسرحية "الأستاذ" للكاتب المسرحى المبدع سعد الدين وهبة، يطالعنا حال أهل مدينة بائسة، وقد أصابتهم حالة مرضية غريبة مؤداها أنهم أصيبوا جميعا بالصمم التام فكانوا كلهم لا يتكلمون وكلهم لا يسمعون، الأمر الذى جعل ملكة البلاد تستعين بأستاذ متخصص فى علاج تلك الحالات، بغية البحث عن وسيلة تواجه بها تلك الحالة التى أصابت مُلكها بالشلل.

لكن الأستاذ، بكل ما يملكه من علم وخبرة، لم يستطع فى البداية إلا تطوير علاج مكنه من أن يقلب الوضع، بحيث يُشفى الناس من حالة الصمم، لكن خطأ فى التركيبة أدى إلى إصابة الناس بحالة من "البكم"، أى أنهم باتوا يسمعون جيداً، ولكنهم.. لا يتكلمون..

ويستمر الصراع فى التطور، لكن الأستاذ لم ييأس فعكف فى معمله على تطوير حاسم للعلاج من جديد.

وبعد رحلة التجربة، يتوصل الأستاذ إلى علاج ظنه فعالاً، لكنه أصاب أهل المدينة عند تجربته بنتيجة غريبة، إذ نرى شعبها وقد انقسم إلى فريق يسمع.. لكنه لا يتكلم، وفريق آخر يتكلم.. ولكنه لا يسمع.

وينشأ بالطبع الصراع الأكبر بين الفريقين، ذلك الصراع الذى يفجر المأساة الكاملة فى الدراما.
...
منعت الرقابة تلك المسرحية من العرض لأسباب سياسية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم منعتها مرة أخرى بتوجيه من الرئيس السادات بدعوى إثارتها للفتنة الطائفية!

وعلى الرغم من تحديد الكاتب لاختيار العصر السومرى فى بلاد ما بين النهرين زمناً لمسرحيته، أى قبل ظهور الدين اليهودى أو حتى انتشار الكتابة بين الناس، إلا أن تلك الفانتازيا السياسية الاجتماعية فى نقد أزمة التواصل المجتمعى، قد أصابت على ما يبدو سياسات الحكم الشمولى بطعنة مباشرة عند عرضها، كونها تكشف باقتدار عن حجم أزمة التواصل المجتمعى فى المجتمعات التعددية المنقسمة على ذاتها.
...
وظنى أن تلك الطعنة المسرحية كانت لتلاقى نفس المصير بصورة أو بأخرى عبر عصر مبارك، وما تلاه من أحداث "ثورية"، وحتى يومنا هذا، لأنها تجرأت على محاولة إيقاظ الناس بالفانتازيا المسرحية من حالة "الفانتازيا الممسرحة" التى نعيشها فى وهم تسوقه لنا الإدارات المتعاقبة.. يدعونه بالتواصل والحوار المجتمعى.

المسرحية الطعنة كانت إذاً محاولة "للمداواة بالتى كانت هى الداء".
...
التمادى فى الجهالة بتسمية ما مورس ويمارس من لقاءات يدعى لها تحت يافطة "حوار مجتمعى"، هو استمرار فى تزييف ليس فقط لقيمة الحوار، بل أيضاً لمفاهيم "التواصل والحوار البناء" فى المجتمع المصرى.

فما نشهده دائماً لا يتعدى إما جلسات ومؤتمرات ديكورية فى ظاهرها البحث عن مصلحة المجتمع وفى باطنها استحكام للعداوة السياسية واستعراض للذات المتضخمة واليقين بصحة الرأى.

كما تشمل تلك اللقاءات محاولات تنافسية من الأطراف الرئيسية المشاركة هدفها الانتصار على كل رأى آخر أو استقطاب الأطراف الديكورية، الضعيفة الحجة فى اللقاء.

وعندما دعت الحكومة للقاء استمر لبضعة ساعات، سمته كالإدارات السابقة "حوار مجتمعى"، حول قانون التظاهر، ولم تمتلك من الشفافية ما تطلعنا به عن أسلوب إدارته وآلياته ونتائجه، فلى أن أتأكد بالقياس أنها لم تأت بجديد ككل الحكومات السابقة، وأن ما تم هى جلسة "استماع" منها للآراء، تمت فيها بعض المفاوضات السياسية الشكلية، استمراراً فى تزييف قيمة وأهمية الحوار فى وعى الأجيال المتعاقبة، إما عن أن عجز أو عن استخفاف، أو عن كليهما.

وتستمر "المسرحة" الوهمية فى ترويج خرافة "الحوار المجتمعى" الذى لا يمكن له أن ينشأ إلا فى إطار رشيد يحترم التعددية فى المجتمع، ولا يمكن أن يؤتى ثماره المرجوة إلا من خلال إدارة محايدة لتلك الأشكال من التواصل غير المثمر التى تُدعى زيفاً بالحوار.

رحم الله "الأستاذ" سعد الدين وهبة، الذى سلط كشافات حقيقة "الصمم والبكم" تجاه أعين كل من يستبد بالرأى فى كل زمن ومكان، ولا أدرى عندما أُطلق عنان التفكير فى تلك الفانتازيا، كيف يمكن "للأستاذ" بطل تلك المسرحية أن يعالج أناس كلهم يتحدثون.. ولا يتواصلون.
يسمعون ولكنهم.. لا يستمعون.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد حلمي عبدالرحمن

مقال رائع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة