نحن على أعتاب عام هجرى جديد، وما أسرع مرور الأيام تجلت أمام عينى معانى الهجرة التى ينبغى أن يتمسك المسلم بها فى زمن لا تقاس الهجرات فيه بالغروب عن الأوطان، ولكن تقاس بهجر ما نهى الله عنه.
فهل قام المسلمون بالهجرة الحقيقية اقتداء برسول الله وهو الذى دعاهم إلى نبذ الاختلافات والفرقة، وأسس المجتمع الإسلامى على قواعد الحب بين المهاجرين الفقراء والأنصار الأغنياء، فأصبحوا جسدًا واحدًا ولم تحدث أى اختناقات مالية أو مشاكل اقتصادية بل لم نسمع مرة واحدة أن هناك دمًا أريق فى المدينة باسم الإسلام أو تقطعت أوصال باسم الإسلام أو تناثرت أشلاء باسم الإسلام وكان المسلمون جسدًا واحدًا، رغم عدم التجانس الواضح فى هذا المجتمع أول الأمر( أوس وخزرج ويهود ومنافقين ومهاجرين وأنصار)، ورغم كل هذا الاحتلاف فقد كان الرسول حريصًا أن يجمع هؤلاء جميعًا تحت عباءة واحدة وأراد توطيد أركان الدولة، فعقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وأقر معاهدته بينه وبين اليهود وصالح الأوس والخزرج
ومنع المسلمين من مناهضة المنافقين، وترك أمرهم على الله.
فهذا رسول الله أخذ بمبدأ الوحدة، ولم يستخدم سلاح التفريق بين الأمة أو التحزب أو العصبية لفريق دون آخر، بل خلال أسابيع قليلة كانت المدينة المنورة أفضل من المدينة الفاضلة التى حلم بها أفلاطون بفضل وحدتهم ونظرتهم المستقبلية، ولم نجد هؤلاء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم نصرًا للدين يريدون شيئًا من عرض الحياة الدنيا، ولم تطمح نفس أحدهم فى دنيا يريد أن يصيبها أو منصب يريد أن يحصل عليه، بل ذهب التاجر إلى السوق والزارع إلى فأسه والنجار إلى صنعته، كل يرفع يد الإصلاح، بل تجلى التضامن الاجتماعى الرائع عندما كان الأنصارى يقتسم ماله مع المهاجر، وكذلك داره ومتاعه بمنتهى الحب.
إننا نريد أن نتأسى بالرسول حقيقة لا شفاهة أو كلامًا أجوفًا ووعودًا براقة وكذب باسم الدين واستغلال العواطف الدينية، بل نريد قلوب تمتلئ حبًا للناس والأوطان، وننزع الحقد والغل والحسد والكراهية من النفوس، وأن نهجر النصب والاغتصاب والتدمير والتخريب، وأن تمتد آلة البناء لتعمر وتغل أيادى المخربين ونهجر الرشوة والفساد، ونبذل كل نفيس من أجل تقديم خدمة الوطن فوق كل الطموحات والمصالح.
وواجب علينا أن نوجه للجميع نداءات, يا من تحبون رسول الله لا تطلبوا المناصب بمعصية الله، واهجروا الطمع والجشع والكذب.
يا من تحبون رسول الله كفوا أيديكم عن التخريب والتدمير وقطع الطرق وترويع الآمنين.
يا من تحبون رسول الله لما التباغض والكراهية وتصفية الحسابات وفعل المنكرات.
يا من تحبون الرسول حافظوا على الأوطان، فإنه ليس حفنة من تراب، ولكنة تاج على الرؤوس.
يا من تحبون رسول الله تعالوا إلى كلمة سواء، فقد جاء زمن يعادى الواحد منا أخاه وآباه.
يا من تحبون رسول الله ابعدوا عن هتك الأعراض والشائعات وإلصاق البرآء بالاتهامات.
يا من تحبون رسول الله ارحموا البلاد من شرور أهل الفساد ومدمرى مقدرات العباد.
بهذا نكون هاجرنا مثل أصحاب الرسول الأطهار الأكرمين.
