لا أجد تفسيرًا مقنعًا أو غير مقنع لرفع الحكومة يدها عما يجرى بالجامعات المصرية، من مظاهرات خرجت بالقطع عن سلميتها، ومن ثم وقع منظموها والمشرفون عليها والداعون لها والداعمون لفاعلياتها أدبيًا أو ماديًا أو كليهما والقائمون بها تحت طائلة القانون. كما لا أجد وبنفس القدر تفسيرًا مقنعًا أو غير مقنع للذين ينافحون عن تلك المظاهرات، باعتبارها داعية للعودة إلى الشرعية المسلوبة من نظام حكم ثار عليه شعبه لفشله فى إدارة شئون البلاد، وهؤلاء متوزعون على درجات الألوان واشتقاقاتها، ودعواهم فى ذلك تستند إلى حق التظاهر الذى تكفله القوانين والمواثيق والعهود الدولية، حتى أنهم أرادوها بلا ضوابط فى إطار الحرية المطلقة للتعبير عن الرأى. وقياسًا على المفاهيم الغربية التى تمثل المصدر التاريخى لحق التظاهر وممارسته على أرض الواقع، فإن هؤلاء يريدون أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك. إنها مزايدة على الوطن والأمن القومى فى مواجهة متظاهرين لا يعرفون للوطن قيمة ولا للانتماء إليه معنى. ولا أجد تفسيرًا مقنعًا أو غير مقتع لحالة الصمت والخرس التى أصابت منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال حقوق الإنسان، التى تقيم الأرض ولا تقعدها عند مساس أحد أفراد الشرطة بأحد المتظاهرين، الذى سعى قولاً وفعلاً للخروج بها عن سلميتها. ولا أجد تفسيرًا مقنعًا أو غير مقنع لحالة السكوت التى أصابت مفكرينا فى بحث هذه الظاهرة ودراستها ووضع الضوابط لها فى إطار نفسى واجتماعى وسياسى وقانونى، ونشر هذه الأبحاث لخلق حالة من الوعى العام بهذه الظاهرة فكرًا وممارسة. ولا أجد تفسيرًا مقنعًا أو غير مقنع لموقف من يطالب بالإقصاء الكامل للعنصر الأمنى من المشهد الجامعى مع أن الأمن شقيق الطعام وبدونهما يهلك الإنسان "الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" "أولئك لهم الأمن". هل الأمر شديد الالتباس إلى هذا الحد؟ أم هى حالة تواطؤ على الوطن؟ أم حالة ضعف ووهن؟ . الأمر واضح وضوح الشمس ولا يخفى إلا على من بعينه رمد. فالمادة 21 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية تربط الحق فى التظاهر بالسلمية ويدوران معًا وجودًا وعدمًا، والسلمية تعنى كفالة صيانة الأمن القومى، والسلامة العامة، والنظام العام، والآداب العامة، وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
إذن فالتظاهر السلمى له بداية وله حدود وله نهاية، كما أنه لا يجوز إجبار أحد على المشاركة فى التظاهرات. وما يجرى فى الجامعات المصرية على أيدى طلاب ينتمون لجماعة محظورة قانونًا يفقد هؤلاء الطلاب شرعية التواجد ابتداءً. أما وأنهم قد وجدوا وأعطيناهم حق التظاهر للتعبير السلمى عن الرأى فلا يصح قانونًا الخروج على السلمية، أما وأنهم قد خرجوا على السلمية بالاعتداء على الأساتذة والمشايخ فى محراب العلم، وسعوا للاعتداء على حقوق الآخرين فى دراسة منتظمة، وعلى موظفين أثناء أداء واجبات وظائفهم وبسببها.
وعلى منشآت عامة تم تشييدها والإنفاق عليها من جيوب دافعى الضرائب، والوصول بهذا الاعتداء إلى حد التخريب والإتلاف المتعمد، واحتجاز عمداء كليات وحصارهم فى مكاتبهم، وحصار مكتب رئيس الجامعة، وإعاقة مؤسسات الدولة عن القيام بدورها بغلقها بالسلاسل على نحو يخالف القانون، والتشويه المتعمد للمبانى بما يمثل تلوثًا بصريًا، واستخدام ألفاظ تمثل تلوثًا سمعيًا، بخلاف انهيار منظومة قيم العمل الجامعى وأخلاق التواجد فى محراب العلم.
وهدم الاحترام الواجب فى العلاقة بين التلميذ وأستاذه بما يترتب عليه من أضرار، والسعى الحثيث المخطط والممنهج لإحداث ذلك، وإدخال الأسلحة البيضاء وقنابل المولوتوف، واستخداهما فى الترويع والإصابة والقتل. كل ذلك مع الأخذ فى الاعتبار أن من يفعل ذلك تكفل له الدولة التعليم المجانى والسكن الجامعى والكتب المدعومة من جيوب المصريين الذين يقع على عاتقهم إعمار ما تم تخريبه وإتلافه وإفساده فيكون بذلك قد دفع التكلفة مرتين.
ليس الحل فى الصمت والخرس والانبطاح والخضوع للابتزاز والخنوع له، وإنما الحل فى إعادة صياغة العلاقة بين الأمن والمؤسسات التعليمية على نحو يحفظ الأمن ويحفظ حقوق الإنسان معًا، وبما لا يسمح لأحدهما إقصاء الآخر.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مونى
فض فوك
فض فوك