وائل النجار يكتب: عودة الدب الروسى عبر البوابة المصرية

الخميس، 28 نوفمبر 2013 08:01 ص
وائل النجار يكتب: عودة الدب الروسى عبر البوابة المصرية الرئيس الروسى بوتين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت العلاقات المصرية الروسية عبر تاريخها الطويل والممتد فترات من التحسن وصلت إلى حد التحالف خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى، فيما أخذت تلك العلاقات فى الفتور عقب حرب أكتوبر 1973، ووصلت إلى أدنى مستوى لها أواخر سبعينيات القرن المنصرم.

مع تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك مقاليد الحكم فى البلاد سعى إلى تحسين العلاقات مع الجانب السوفيتى، ولكن على استحياء، مفضلا التوجه غربًا وخاصة صوب الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لانهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، وتفككه أكبر الأثر فى تعزيز هذا التوجه المصرى، بعد خروج الدب الروسى من المعادلة الدولية كقوة عظمى تعادل قوة الأمريكان.

وخلال حكم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عمل على استعادة المكانة الدولية لموسكو، وقد نجح بشكل كبير فى ذلك.

مع عودة الدور الروسى كقوة فاعلة على الساحة الدولية لاحت فى الأفق بوادر استدعاء للحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وظهر ذلك جليًا فى مواقف البلدين المتعارضة من ثورات الربيع العربى وخاصة الثورة الليبية والسورية وأخيرًا وليس آخر المصرية.
إن تودد موسكو للقاهرة مؤخرًا يعد حلقة من حلقات الصراع الأمريكى الروسى للاستحواذ على مناطق نفوذ وقوة فى العالم.
فبعد ثورتى 25 يناير و30 يونية حدث تغير نوعى وجذرى فى السياسة الخارجية المصرية تلقفته روسيا وتفهمته جيدًا واستغلت هذا التغير للمرور إلى منطقة الشرق الأوسط عبر البوابة المصرية التى تُعد أحد أهم وأكبر دول المنطقة، لتشغل الفراغ الذى أحدثته السياسة الأمريكية المُترنحة فى الفترة الأخيرة، مستفيدة من عدة عوامل سهلت عليها هذه المهمة منها التخبط الشديد الذى انتاب الإدارة الأمريكية بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين، والتوتر القائم بين واشنطن والقاهرة بسبب امتعاض الدولة المصرية حكومة وشعباً نتيجة دعم الولايات المتحدة للجماعة، ومواقفها الغامضة تجاه ثورة 30 يونيو فى مقابل تأييد روسى لها، كما اقتنصت موسكو خطأ تقدير الولايات المتحدة عندما قلصت مساعداتها العسكرية للقاهرة، فقدمت نفسها كبديل مناسب يُعوض مصر عسكرياً.
من العوامل التى سهلت على الدب الروسى مهمته أيضاً سقوط حلفاء واشنطن التقليديين فى المنطقة أمثال حسنى مبارك وزين العابدين بن على، كما يجب ألا نغفل التغير النسبى فى مواقف بعض الدول العربية تجاه السياسة الأمريكية كالسعودية والإمارات والأردن والكويت الذين وجدوا أن التوجه الأمريكى خلال الفترة الأخيرة يتعارض مع مصالحهم.
إضافة إلى العوامل السابقة وجدت موسكو ترحيباً شعبياً فى مصر نتيجة احتفاظها برصيد جيد منذ النصف الثانى من القرن العشرين ليس للمواطن المصرى وحسب وإنما للعرب جميعاً بسبب مواقفها المؤيدة لقضاياهم.
مما لا شك فيه أن عودة التقارب المصرى الروسى سيُحقق عدة مكاسب مشتركة لكلا الطرفين، فعلى الصعيد الروسى تسعى موسكو للعودة إلى المياة الدافئة وبشكل خاص الموانىء المصرية، علماً بأن تواجدها الوحيد فى المنطقة يتمثل فى قاعدتها البحرية فى ميناء طرطوس السورى الذى أصبح وضعه غير آمن نتيجة الأحداث التى تشهدها دمشق.
هذا التواجد سيُمكن موسكو من تأمين مصالحها فى منطقة غنية وموضع اهتمام العالم أجمع نظراً لموقعها الجيواستراتيجى الفريد، إضافة إلى تعزيز دورها كقوة فاعلة فى الملفات الإقليمية الملتهبة كالصراع العربى الإسرائيلى وملف إيران، كما سيمكنها من لعب دور أكثر إيجابية فى الأزمة السورية.

من جانب آخر تُعد مصر بيئة خصبة للاستثمارات الروسية فى العديد من المجالات كالتسليح والكهرباء والطاقة والزراعة والصناعة.

أما على الصعيد المصرى فإن القاهرة ستستفيد من هذا التقارب فى تنويع مصادر تسليحها وربما مشاركة الروس فى مجال تصنيع السلاح، وبالتالى الخروج من العباءة الأمريكية، الأمر الذى سيكون له أكبر الأثر فى استقلال قرارها السياسى وأيضاً الإقتصادى، فضلاً عن خروج مصر من سياسة الأمريكان التسليحية القائمة على الحفاظ على التفوق الإسرائيلى العسكرى على باقى الدول العربية، إضافة إلى حرمان إسرائيل من ميزة معرفة التفاصيل الدقيقة لخطط التسليح المصرى عن طريق أذرعها الطويلة فى البنتاجون.
إلا أنه يجب التنويه فى هذا السياق إلى أن علاقة القاهرة بواشنطن مهمة جداً ومُتشعبه، خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار بأن مصدر التسليح الحالى للجيش المصرى مازال فى أغلبه من الولايات المتحدة، ولذلك لا يمكن الاستغناء عنها نهائياً.
إن تحسن العلاقات المصرية الروسية سيساعد القاهرة أيضًا على استعادة دورها المحورى فى المنطقة، بعد تراجعه الشديد خلال العقد الماضى، فضلاً عن عودة مصر كرقم صعب فى لعبة التوازنات الإقليمية والدولية.
كما يمكن للقاهرة أن تعتمد على موسكو فى مجال الطاقة وبشكل خاص الاستخدام السلمى للطاقة النووية، فضلاً عن المشروعات الزراعية والصناعية والاستثمار.
نعلم أن موسكو ليست مؤسسة خيرية ولن تسعى إلى توطيد علاقتها بالقاهرة إلا من منطلق تحقيق المصالح المشتركة، غير أن قراءة المشهد بشكل أكثر عمقاً يوضح لنا عدة نقاط يجب على القاهرة وضعهم فى الحسبان والاستفادة منهم لأقصى درجة خلال تفاوضها مع الروس:
أولاً: إن رغبة الروس فى تعزيز وتعميق العلاقات مع مصر فى الوقت الراهن والتى قد تُوصف بالمغامرة فى ظل حالة عدم استقرار الأوضاع نسبياً فى القاهرة وعدم وضوح الرؤية لمستقبلها وحالة السيولة التى تشهدها البلاد تُؤكد لنا الأهمية القصوى التى توليها موسكو لبناء هذه العلاقات.
ثانياً: روسيا تريد مصر دولة قوية تستطيع الحفاظ على مصالحها فى المنطقة، بعكس الولايات المتحدة التى سعت طوال الوقت على تأطير علاقاتها مع القاهرة فى قالب التبعية والضعف لعدة أسباب يأتى فى مقدمتها الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعى.
ثالثاً: يجب أن تستفيد القاهرة لأقصى درجة من الصراع الدائم بين واشنطن وموسكو فى تحقيق أكبر قدر من المكاسب من الجانبين، ومن هنا فإن العلاقة مع الروس لا يجب بأى حال من الأحوال أن تكون بديلة للعلاقة مع الأمريكان وإنما مكملة لها، والإبتعاد تماماً عن فكرة العلاقة "الأحادية" التى عانينا منها طويلاً منذ تحول مصر إلى النظام الجمهورى، سواء باعتماد الرئيس جمال عبد الناصر على السوفيت دون غيرهم أو باعتماد كل من الرئيسين أنور السادات ومبارك على الأمريكان بشكل كامل.
فاستعادة مصر لمكانتها ودورها الإقليمى والدولى والحفاظ على استقلالية قرارها لن يتأتى إلا ببناء علاقات متوازنة ومتنوعة مع جميع القوى التقليدية، مع عدم إغفال الدول الصاعدة حديثاً مثل الصين والهند واليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة