فى منطقة "داريا جانج" الواقعة فى قلب مدينة نيودلهى نهران؛ أحدهما يمر خارج جدران المدينة القديمة هو نهر "يامونا" المقدس، والآخر نهر من الكتب يخترق شوارع المنطقة الضيقة.
فى الأحد من كل أسبوع، تغطى شوارع "داريا جانج"، التى تعنى باللغة الأردية "السوق بجوار النهر"، تلال من الكتب.. بداية من مؤلفات الآداب النادرة، وكتب التقنية (التكنولوجيا) ذات الأغلفة الورقية، إلى النسخ المقرصنة (المنسوخة خلافًاً للقانون) من إصدارات الكتب الجديدة الأكثر مبيعا، انتهاء بالمجلات الأجنبية اللامعة، وكلها بأسعار بخسة- تعرض فى أحد أكبر أسواق الكتب المستعملة فى آسيا.
كل يوم أحد، يشق مئات الناس الطرقات الضيقة، يتنقلون من بائع كتب إلى أخر، فى محاولة للعثور على العناوين المفضلة لديهم، وسط الآلاف من الكتب الرخيصة.
"لا يمكنك العثور على مثل هذه الكتب فى أى مكان بالمدينة حتى بثلاثة أضعاف السعر"، هذا ما قاله بائع الكتب سوريندر كومار داوان، الذى كان يجلس بين مئات المجلدات القديمة أثناء حديثه مع وكالة الأناضول.
"تفضل"، قالها أحد الباعة وهو يبرز لمارة طبعة كتاب من القطع الكبير مكتوب باليد لرواية "بان" لكنوت هامسون (الروائى النرويجى الحاصل على جائزة نوبل للآداب)؛ مؤكدا "هذا الكتاب نفدت طبعته، ولا يمكنك العثور عليه فى أى مكان، هذا أندر من النادر". لأكثر من أربعة عقود، ظلت داريا جانج تمثل "كنزا" لعشاق الكتاب فى دلهى.
فى كومة واحدة من الكتب المغبرة، يتوارى مجلد الطبعة الأولى لرواية "جارسيا ماركيز" أسفل مجلد الأعمال الكاملة لشكسبير، وإلى جانبها نصف دستة جديدة تقريبا من روايات أورهان باموك (الروائى التركى الحائز على جائزة نوبل)، وكل هذا مقابل 80 روبية هندية فقط (حوالى 1.5 دولار أمريكى).
داوان كان يقوم ببيع الكتب فى هذا الشارع على مدار السنوات الـ 17 الماضية، بينما ظل بعض باعة الكتب الأخرين فى السوق لأكثر من 30 عاما.
معظم الكتب التى يبيعونها يتم شحنها (فى حاويات) من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى موانئ مومباى وغوجارات، حيث يشتريها التجار بكميات كبيرة، يقول "داوان" إنهم "يدفعون ثمن الحاوية تبعا لحجمها، وما يخرج منها بعد ذلك يكون مسألة حظ".
فى حوالى التاسعة صباحا، يشق الباعة طريقهم إلى السوق، حاملين صناديق الكتب، ويتخذون أماكنهم هناك؛ حيث يعرضون الكتب على ورقة أو قطعة قماش أو مشمع أو فى بعض الأحيان على الرصيف العاري، بانتظار توافد الزبائن.
"فى كل مرة آتى إلى هنا، أملأ يدى بالكتب الرائعة بأرخص الأسعار"، هذا ما قاله "فارون شارما"، وهو طالب تاريخ فى جامعة دلهي، أثناء حديثه مع وكالة الأناضول.
شارما أضاف أن "الكتب التى تجدها بأكثر من 500 روبية فى أماكن أخرى، يمكنك العثور عليها هنا مقابل 50 فقط.. هذا أمر رائع".
إلى "داريا جانج"، يحضر "داوان" كل أسبوع حوالى 20 صندوقا كرتونيا مملوءة بالكتب من مجموعته، التى تضم أكثر من 25 ألف كتاب مخزنة فى مستودعات على مشارف دلهي.
يقول داوان "أبيع نحو 300 كتاب يوم الأحد، وأكسب زهاء 25 ألف روبية [حوالى 400 دولار]" مضيفا: "إنها ليست سيئة، ولكن العمل كان رائجا بصورة أفضل".
الآن، ومع انتشار التسوق الإلكترونى عبر الإنترنت تدريجيا فى الهند، يلاحظ بائعو الكتب تراجعا مستمرا فى المبيعات؛ يشهدون تدهورا فى ثقافة القراءة الورقية فى دلهى عاصمة الهند ومدينتها الرئيسية.
"قبل خمس سنوات كنت أبيع أكثر من 600 كتاب يوميا، ولكن ببطء بدأ الزبائن يتلاشون"، يتذكر داوان.
أما زميله أنكور ناندا، الذى تحدث بدوره لوكالة الأناضول، فيقول "قبل 5 سنوات، اعتدنا بيع 1000 كتاب يوم الأحد، وفى الوقت الراهن نبيع قرابة 300 فى يوم (بيع) جيد".
أنكور عمل مع والده -وهو أحد مؤسسى السوق الأصليين الذى يعود تاريخه إلى مطلع السبعينيات- على مدار السنوات الـ 15 الماضية.وتشمل الكتب التى يعرضونها الأدب الروائى الخيالي، والواقعي، وكتب الامتحانات والكلاسيكيات الأدبية (أدب الإغريق والرومان)؛ إلا أن الخيارات الواسعة، ليست كافية لمؤازرة مبيعاتهم الضعيفة.
"العمل يتراجع.. وهناك الآن العديد من الخيارات -خيارات أسهل- لشراء الكتب"، يضيف أنكور معربا عن أسفه.
ويلقى تجار الكتب باللائمة فى تراجع تجارتهم على باعة الكتب على الإنترنت (مواقع التسوق الإلكتروني)، مثل Flipkart (فليبكارت)، و ebay (إى باي)، و Amazon (أمازون).
"هذه المواقع تبيع الكتب بأسعار مخفضة، لكنها لا تبارى تلك التى نعرضها"؛ على حد قول أنكور الذى يتابع بمرارة "الناس لا يرغبون فى تحمل عناء المجيء إلى هنا، والبحث عن الكتب، لديهم المال الآن، ولذلك يطلبون [الكتب التى يريدونها] من غرفهم ومكاتبهم دون الانحناء إلى أسفل والبحث إضاعة الوقت".
موقع Flipkart (فليبكارت) للتسوق الإلكتروني، برز مؤخرا كأكبر بائع تجزئة للكتب فى الهند، وفى شهر يونيو، أعلنت الشركة إنها باعت أكثر من 100 ألف كتاب فى يوم واحد.
شركة أمازون الأمريكية العملاقة، التيدخلت السوق الهندية فى يونيو، أعربت فى الوقت نفسه، عن نيتها إنشاء أكبر منفذ لبيع لكتاب التجزئة فى البلاد.
وفى مؤتمر صحفى قال جريج جريلي، نائب رئيس شركة أمازون، بعد إطلاق موقع الهند "إن الهدف بالنسبة لنا هو كيف يمكننا بناء أكبر متجر لبيع الكتب فى الهند".
شارما، طالب التاريخ، أشار إلى أن "معظم أصدقائه يفضلون القيام بالتسوق على الانترنت؛ معترفا "أنه (التسوق) أسهل بكثير، أنت تعرف أى كتاب تريده وتحصل عليه فورا بدلا من الاضطرار للبحث وسط الآلاف من الكتب".
يبقى شارما قطرة فى نهر جف بصورة طفيفة من الناس الذين لا يزالون يتدفقون عبر "داريا غانج" وبالنسبة لهم فرحة العثور على كتاب رائع مقابل 25 روبية، أو مجلد إحدى الطبعات الأولى مقابل 100 روبية، تجعل الأمر يستحق عناء المجىء إلى هنا.
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر أبو الخير
سوق أزبكية مكبر