قال الباحث والناقد المصرى مدحت صفوت، إن النقد ما بعد الحداثى لا يعينه تفسير النصوص أو تأويلها بحثًا عن معنى مسبق داخل النص، بقدر الاشتغال على وضع علامات استفهام أمام المفاهيم القياسية والمنظمة على الاتساق المنطقى، بخاصة قراءة النصوص باستخدام استراتيجيات التفكيك، حسبما طرحها جاك دريدا منذ عام 1966، ومن بعده نقاد جامعة "ييل" بالولايات المتحدة.
وأضاف صفوت، خلال الندوة النقدية لمناقشة ديوان "موتى يجرون السماء" للشاعر موسى حوامدة بالمركز الثقافى العربى بالعاصمة الأردنية عمان، أن القراءةَ التفكيكيةَ تتطلب واجبًا مزدوجًا من المفكك، وتتطلب قارئًا لديه ما يسمى بـ"الإخلاص المزدوج" أيضًا، فتلقى النص يختلف من متلقٍ لآخر؛ بل إن تلقيات النص الواحد تختلف عن بعضها ولو كانت الذات المتلقية واحدة، وذلك باعتبار أن فعل التلقى يخضع لشروط خارجية؛ المكان والزمان، ووضعية فعل التواصل، كما يخضع لشروط داخلية بيولوجية وسيكولوجية، وأخرى تتعلق بمعطيات وضعية المستقبِل الاجتماعية. وبالتالى يصبح القارئ غير مدفوع برغبة الفهم وحدها، ولا برغبة السيطرة على النص فحسب، وإنما عليه أن يكون قارئًا منتبهًا كل الانتباه، يعى الصعوبةَ المهمة فى مهمته.
وأوضح صفوت، خلال الندوة التى أدارها الشاعر الفلسطينى سلطان القيسي، أنه عبر استخدام أدوات التفكيك مع نصوص ديوان "موتى يجرون السماء"، نلاحظ أن اللاحسم indeterminacy، قدر قصائد الديوان، حيث لا تطرح النصوص مواقفًا قاطعة تجاه تحديد المفاهيم والمقولات، وبالتالى تظل رؤية النص متأرجحة بين الميل بالإيجابى لهذه المقولات والانتصار لها مرة، مرة أخرى تميل ناحية تقويضها وتفكيكها والانتقاص منها.
هذا وجاء سؤال الورقة البحثية التى قدمها الناقد المصري، "كيف نقرأ مواطن اللاحسم فى نصوص ديوان "موتى يجرون السماء"؟، معرجا على موقف النصوص المتأرجح من مقولات، عدة مثل: الموت، الموتى، الحكمة، الوطن، السماء أو الإلهة، والمعنى، مؤكدًا أن قصائد الديوان، لا تنحاز لهذه المقولا بالإيجاب ولا تتخذ موقفًا واضحًا تجاهها، وإنما ظلت معلقة فى "البين البين" وفى مرحلة اللاتحديد، وهى سمة ملازمة للنصوص الإبداعية التى تحاول مناهضة الميتافيزيقا.
وتابع صفوت: خلال النصوص تموت الذات، وتقوم الكتابة بتغييب كافة "الذوات"، إلا أن الكتابة ذاتها لا تموت، وهو ما يتضح فى نص "ليست ميتة هذه القصيدة"، حيث يعتبر النصُ الكتابةَ ذلك الفضاء بين الصمت والكلام، وفضاء الحضور والغياب معا، الحياة والموت فى آن. إلا ان النص لا يعتبر الكتابة عملًا ممقدسًا؛ فالمقدس تام ومكتمل وناجز وبالتالى ميت، ولسيت الكتابة حسب استعارات النص "نبتًا شيطانيًا" وجدت من العدم، فهى الفعل المستمر الراغب فى الوصول إلى الاكتمال، وإلى ما لا وما لن يتحقق أبدًا.