قبل أيام جمعنى اتصال مع أحد مسؤولى سفارة كازاخستان بالقاهرة تناول معى احتفالهم بعيد انتخاب أول رئيس لكازاخستان المستقلة، وهو نور سلطان نازارباييف، فهم يعتبرون رئيسهم «الرجل الذى يعد ظاهرة العصر الحديث اعترافا بإنجازاته التى يصعب إنكارها على طريق بناء الدولة الكازاخية الحديثة»، كما قال، وأنه امتداد لعبد الناصر وغاندى وأتاتورك.
من حق كل شعب أن يحتفى برئيسه، لكن الأهم بالنسبة لى ما ذكره هذا المسؤول بأن جامعة هارفارد قامت بدراسة «نموذج نزارباييف» خلال مؤتمر خاص، وأن العلماء والخبراء فى أمريكا أشاروا إلى معنى مفيد لسياسة كازاخستان الخاصة بضمان الوئام بين الأعراق والأديان داخل البلاد كما أشادوا بتدعيم أفكار التسامح والحوار على الصعيد الدولى، وهو ما دفعنى للبحث عما يجرى فى كازاخستان بشكل معمق، وخاصة ما يسمونه بنظرية نازارباييف التى قامت على تعزيز استقلال وسيادة البلاد تحت مظلة الاستقرار الاجتماعى طويل الأمد واقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون.
من البحث السريع وجدت كيف استطاعت هذه الدولة أن تتحول من دولة كانت ضمن الحقبة السوفيتية بما فيها من مآسٍ اقتصادية وخراب وتوقف للمنشآت والمصانع، وأمور أخرى، إلى دولة أضحت حديث العالم من خلال التنمية التى تحققت بسبب سياسة الدمج التى انتهجها الرئيس الكازاخى.
فى كازاخستان يعتقدون أن نازارباييف استطاع تحقيق الكثير من الإصلاحات الجذرية فى مختلف مجالات الدولة ساعدت على تغيير المسار من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، بعدما حقق انتقالا مرنا من النظام المركزى القيادى إلى السوق الحرة، كما منح بلاده عملتها القومية، كما تم إنشاء النظام المالى والاقتصادى المستقل، وإعادة تنظيم مؤسسة السلطات التنفيذية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى، وتعزيز الأمن القومى للدولة، ثم تعددت الأحزاب، وتم وضع أسس المجتمع المدنى وضمان حرية الصحافة، واختارت كازاخستان طريق التطور الحضارى.
الأهم من ذلك أنه لم ينكفئ على الداخل، وإنما بدأ فى طرح مبادرات دولية، بدءًا من عقد مؤتمر زعماء الأديان التقليدية والسماوية الذى يعقد فى مدينة «أستانا» كل 3 سنوات، فضلا على القرار التاريخى الخاص بإغلاق موقع التجارب النووية فى سيميبالاتنسك، من وجهة نظرى فإن تجربة كازاخستان من التحول السريع اقتصاديا وسياسيا تستحق منا القراءة والمتابعة لعلنا نستفيد منها.